قبل البدء بموازنة 2020

البروفسور فريد البستاني

يجتمع المعنيون على اعتبار الموازنة أفضل الممكن، لكن لو سلمنا أنها أفضل الأفضل والمناسب والمطلوب، فعلينا أن نعلم أنها لا تكفي وحدها، فكل تقديرات وارداتها تعتمد على ما يضخه اللبنانيون من رسوم وضرائب ناتجة عن دورتهم الاقتصادية، فما لم يتحرك الاقتصاد تصبح الأرقام حبراً على ورق، كيف إذا علمنا أن كل ترتيبات المالية العامة لن تستقيم ما لم ينمُ الاقتصاد ويتزايد نموه حتى نخرج من عنق الزجاجة.

نحن في عنق زجاجة لا مفر منها بلا نمو اقتصادي حقيقي وأحسن الموازنات تعطينا فرصة البقاء في عنق الزجاجة وعدم الوقوع، بينما الخروج من المأزق لا طريق له إلا النمو الاقتصادي. فحجم ديوننا مرة ونصف حجم اقتصادنا 150 ، والدين ينمو بسرعة تعادل أربع مرات سرعة نمو الاقتصاد ما يعني أنه لن يكون بعيداً اليوم الذي يصير فيه الدين مرتين حجم الاقتصاد، وعندها تقع الكارثة، ولا تنفس مالي واقتصادي إلا إذا نجحنا بجعل الدين بحجم الاقتصاد كحد أقصى وهذا يستدعي نمواً بطيئاً للدين ونمواً مضاعفاً للاقتصاد.

النمو الاقتصادي يحتاج لأشياء كثيرة من التخطيط وانتظام الخدمات العامة وإصلاح الإدارة ورعاية الدولة للصادرات، لكن الحقيقة الأكيدة أن كل ذلك رغم أهميته، لا يعادل في الأهمية توفير فرص تمويل بفوائد منخفضة وبدون روتين إداري معقد، يتاح لأصحاب المشاريع الصغيرة وهم المتخرجون في أغلبهم وأصحاب المهن الحرة والمبدعون، كما يتاح لأصحاب المشاريع العقارية والسياحية وهي جوهر قطاع الخدمات المهيأ للنمو، ويتاح بصورة أكيدة لتطوير الصناعة والزراعة وفيهما الكثير من الفرص الواعدة، وفوق كل ذلك تمويل منخفض الفائدة يتاح للاستهلاك، كما تفعل دول كثيرة عندما تخصص قرضاً بقيمة عشرة آلاف دولار لكل راغب بدون ضمانات عقارية أو عينية، وتقدمه بفائدة منخفضة وسنوات سداد طويلة، لتشجيع الاستهلاك فقط، لأنها تدرك أن الاستهلاك النشيط هو أحد أشكال تحفيز الاقتصاد على النمو.

عندما يتمكن لبنان من الحصول على قروض بمليارات الدولارات لمشاريع القطاع العام وهي بمردود اقتصادي غير مباشر وبقدرة سداد طويلة المدى لدولة في وضع مالي غير مريح، فهذا يعني أن الحصول على قروض مماثلة لتمويل الاقتصاد المباشر المضمون قدرته على السداد، ليس بالأمر المستحيل، لذلك من الضرورة بمكان الدعوة لورشة عمل مشتركة بين الدولة والهيئات الاقتصادية حول كيفية تحفيز الاستثمار في الاقتصاد، العامل الأول في النهوض، فيما تشكل الموازنة العامل الثاني، وقبل البدء بإعداد موازنة 2020 يجب أن تتجه الأنظار نحو كيفية تأمين بضعة مليارات من الدولارات كقروض ميسرة بفوائد مخفضة وسنوات سداد طويلة، قابلة للضخ بشروط غير معقدة في شرايين الاقتصاد.

يجب أن يدرك المسؤولون في الدولة أن تلك ليست منّة يهبونها للاقتصاد ولا هي دعم للقطاع الخاص، بل هذا هو الدواء الوحيد للمالية العامة للدولة، فعندما تنمو الديون بسبب الفائدة المرتفعة بما بعادل الـ 7 أو 8 سنوياً، وينمو الاقتصاد بنسبة 1 و2 سنوياً، فهذا يعني أننا لسنا بعيدين عن سنة قريبة، أي بعد سبع سنوات تقريباً، يقفز فيها ديننا من 85 مليار دولار إلى 120 ملياراً بمعدل زيادة سنوية بخمسة مليارات هي المعدل الوسطي للعجز المقدر مع موازنة جيدة، والمطلوب استدانته، ولا يكون فيها اقتصادنا الذي يعادل الـ 50 ملياراً قد بلغ الـ 60 ملياراً بمعدل نمو طبيعي يعادل وسطياً المليار دولار سنوياً، وعندها مع موازنة جيدة يكون الدين قد بلغ ما فوق الخط الأحمر بالنسبة للاقتصاد، اي بحجم 200 ، وتلك هي الهاوية وليس حافتها فقط.

نائب الشوف في مجلس النواب اللبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى