الرابح والخاسر في لقاء المصارحة والمصالحة؟

ناصر قنديل

– من طبيعة التسويات أنها لا تمنح الأطراف المتنازعة ربحاً كاملاً لجهة وخسارة كاملة لجهة مقابلة. ومن طبيعة التسويات أن يخرج أطرافها بعد بدء مسارها بالاستعداد لكيفية مخاطبة الجمهور الذي تمّت تعبئته تحت سقوف مرتفعة وخطابات تصعيدية لتبرير القبول بالتسوية ونفي اعتبارها تراجعاً أو خسارة، لذلك ينشغل الأطراف المعنيون بتحضير الإجابات عن الأسئلة التي تنتظرهم، فينشغل الحزب الديمقراطي اللبناني بالبحث عن تفسير لقبوله بتسوية لن يكون بموجبها البند الأول على طاولة أول اجتماع حكومي إحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي وطرحها على التصويت. وينشغل الحزب التقدمي الاشتراكي بتحضير الإجابات على أسئلة تطال ما قاله عن حرب انتقام ضده تمّ تحضيرها في دمشق ويقودها حزب الله ويشكل رئيس الجمهورية رأس حربتها، وعما قاله بحق المحكمة العسكرية والعودة لارتضائها مرجعاً مقبولاً، وترك الباب مفتوحاً لفرضية الإحالة إلى المجلس العدلي في ضوء تحقيقات المحكمة العسكرية. وسينشغل التيار الوطني الحر بالبحث عن أجوبة حول إصراره على اعتبار الحادثة كميناً مدبّراً لاغتيال رئيسه، وتفسير غياب رئيسه عن المصالحة، التي قالت إن الأزمة هي بين الحزبين الاشتراكي والديمقراطي.

– بالمقابل سيستطيع الحزب الديمقراطي القول إنه لم يصل إلى المجلس العدلي فوراً، لكنه سيصل لاحقاً، وإنه أثبت ندية موازية مقابل الحزب الاشتراكي بوجه حرب إلغاء كانت قبرشمون إيذاناً بها بينما سيستطيع الحزب الإشتراكي القول إنه نجح بتأكيد اولوية البعد السياسي على البعد القضائي للقضية وتثبيت اعتبار الحوار مدخلاً للحل السياسي في قضايا تخصه وتعنيه وفرض التشاور معه حولها من بوابة التسليم بالمصالحة مدخلاً لإنهاء الأزمة. وسيستطيع التيار الوطني الحر القول إنه ردّ الاعتبار لموقع رئاسة الجمهورية كحكم، وإسقاط الادعاءات الاشتراكية بحق الرئاسة ووزراء التيار والقضاء، بدليل قبول الاشتراكي لموقع الرئاسة حكماً سياسياً وللمحكمة العسكرية إطاراً قضائياً.

– اللبنانيّون وفي طليعتهم الحريصون على السلم الأهلي، والقلقون من التدخلات الخارجية، والمعنيّون برؤية كل تصعيد للعصبيّات الطائفية، خطراً يفتح الباب للفتن التي ينتظرها العدو الإسرائيلي للعبث بالنسيج الوطني والاجتماعي وتحضير المسرح لحرب يراهن على الفوز بها من باب التفتيت الاستباقي، هؤلاء يرون السلم الأهلي رابحاً وحيداً، والأمان الوطني بوجه التدخلات والفتن والمشاريع الأجنبية والإسرائيلية، المنتصر الوحيد، فهؤلاء كانوا يتفادون المشاركة في جوقات التصعيد، ويضعون ثقل مواقفهم مع مساعي رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي شكّل صمام الأمان للتهدئة وصناعة المصالحة وإغلاق الأبواب أمام مشاريع الفتن وهزّ السلم الأهلي.

– إذا كان هناك مشروع خارجي عبّر عنه بيان السفارة الأميركية، وإذا كان هناك مناخ إقليمي لاستعمال لبنان ساحة تحمية ومقايضة عشية الحسم العسكري السوري المتوقع في إدلب، فإن الخروج بتسوية سياسية لأحداث الجبل هو انتصار وطني لبناني، قال إن لا كانتونات ولا مناطق مغلقة ولا آفاق لرهانات على خارج مجرَّب لن يفعل سوى التلاعب بالأطراف المحليّة وتوريطها، وإن ضمانة الجميع هي بالجميع، وإن التسوية القائمة على تثقيل لغة الحوار والتهدئة ليست هزيمة لأحد بل هي انتصار للجميع على أنفسهم أولاً، وعبرهم على مَن يتربّصون بالبلد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى