كتابُه الحادي عشر في سلسلة «حياةٌ أدبًا»: ناجي نعمان و»الفِكرُ مُهَرْوِلاً»

صدر عن مؤسَّسة الثَّقافة بالمجَّان كتابٌ جديدٌ للأديب ناجي نعمان، هو الخامسُ والثَّمانون في مسيرته الكتابيَّة، والحادي عَشَر في سلسلة «حياةٌ أدبًا». يحملُ الكتابُ عنوانَ «الفِكر مُهَروِلاً»، وتزيِّنُ غلافَه لوحةٌ بريشة الفنَّان التشكيليّ حسن جوني. وهو يقعُ في 256 صفحة من الحجم الوسط، ويتضمَّن 562 عنوانًا في الحِكمَة والخاطِرَة والقصَّة القصيرة جدًّا، مُعظمُها بالعربيَّة، ونادرُها بالفرنسيَّة والإنكليزيَّة. ولا تَبويبَ للعناوين، بل تتوزَّعُ، بحَسَب تواريخها، على «الهَرولات الأولى: غيابُ عام…» 2016 ، بواقع 76 عنوانًا، والهَرولات الثَّانية: «… وطُلوعُ آخَر» 2017 ، بواقع مِئَتَي عنوان، و»الهَروَلات الثَّالثة: … وعامًا في إثر عام» 2018 ، بواقع 286 عنوانًا. والكتابُ هو الأوَّلُ مِن خُماسيَّةِ كُتُبٍ للمُؤلِّف تصدُرُ في الذِّكرى الخَمسين لِمِشواره مع القَلَمِ والأَلَم 1969-2019 ، والذِّكرى الأربعين لتأسيس دار نَعمان للثَّقافة 1979-2019 ، والذِّكرى الخامسة والعِشرين لرَحيل والده الأديب والشَّاعِر مِتري نَعمان 1994-2019 .

وجاءَ في مقدِّمة الكتاب للدكتور إميل كبا، وهي بعُنوان «أنتَ .. بما هَرْوَلتَ»:

«قرأتُكَ، ناجي، في «الفِكرُ مُهَرْوِلاً» فاقتربتُ أكثرَ من ذاتي، رائِيًا فيك، أنتَ المُفكِّرَ، كأنَّكَ شَبَهي متأمِّلاً ذاتَك. ولِمَ لا؟ أوَلَسنا جميعًا، في حقيقةِ كِياننا وهَيولانا التَّائِقَةِ إلى التَّشكُّل، أحداثًا تتشابهُ كمِثلِ يافِعينَ فوقَ حَوافَّ ودِكاكِ فُضول، أو مُتسلِّقينَ أغصانَ الأشجار ليُعاينوا مواكبَ الأحياءِ في وَداعهم الأمواتَ وفلولَ العناصر؟!

بلى.. يا أخي، ما نحنُ في واقع مُثولِنا أمام مرآةِ الحياة إلاَّ النظَّارةُ بمزيجِ دهشةٍ مِن قِبلنا ممَّا نُبصر، ولامبالاةِ المرآةِ نفسِها بما يَرتسمُ فيها من سُلوكيَّاتٍ وخطَرات.

وهو «الفِكرُ مُهَروِلاً»، كتابُك عندي في مقاربةٍ أولى: عَبَثٌ في حدِّه الأَدنى، كحصًى تُغمِّسُهُ في إبريزِ مِدادِك فيجِدُّ ويتذهَّب، وثُمالةُ عُمرٍ تُعَلُّها حتَّى ما «تُبقي في الكأسِ شَيَّا»، وما يَنْجو مِن «شَرِّ لسانِك» الطُّوباويِّ، في صَحْوةِ خُمارِهِ على الدُّنيا، ولو نأْمةٌ مِن حَسَفِ حذاءٍ في مكانٍ من أقاصي الأرض، أو تزاحمُ فِكَرٍ ومَرئِيَّاتٍ تتسابقُ إليكَ في أَدانيها.

«إنَّ ما هَروَلْتَ به، يا ناجي، لَوزنةٌ أُخرى تُضيفُها إلى وزناتِك الكثيرة، بل سَجدةُ تَعَبُّدٍ لإيقونَةِ الحياة، تَسْتَشْفِعُها عند ربِّكَ ليَرأفَ واذْكُرْني معك فما يَسْهى عن أنَّا لَم نَمُرَّ في هذا الوجود حدثَينِ أَجوَفين تافهَين بلا معنى، بل حاولْنا جهدَنا، أنتَ وأنا، بالكتابةِ الَّتي هي صِنْوُ الخَلْق ِ بَدْعِ الله، أنْ نَمحَضَهُ، هذا الوجودَ، أشرَفَ المعاني بلا مُقابل، وحتَّى بلا انتِظارِ عِرفان.

وأعجَبُ في الخِتام، وأظنُّكَ على الغِرار عَينِه، إذْ نسمَعُ في حضارةِ الرَّقم والوزنِ والمِشرَطِ والحاسوب الَّتي نَحيا، وبفَمِ عصرِنا الحديديِّ الكافِر هذا، مَنْ يسأل: وما حاجةُ الأرضِ بعدُ إلى أدبائِها وفنَّانيها وهي في طريقها إلى نَعيم؟!».

منتخبات

قَبْل

قَبْلَ أتون وأمون، وبعدَهما، وبالتِّجارةِ بهما وبِسِواهما، كَم مِن بَشَرٍ زالوا، ويَزولون! فماذا نَنتَظِرُ للبَحث عن سُبُلِ خلاصٍ بعيدةٍ عن الإلغائِيَّةِ والخِتاميَّة، قريبةٍ مِن الإنسانِ وهَنائِه؟

ذِكْر

بينَ ذِكْرِ اللهِ وذِكْرِ اللهِ، في كلامِه، يَذْكُرُ اللهَ. وأمَّا عندَ الفِعْلِ، فيَضَعُ الضَّميرَ، واللهَ معَه، جانبًا، ويُقْدِمُ في جَشَعٍ ولاإنسانيَّة!

كَلام

طالَما ثَمَّةَ بَحثٌ في الحياة المُشتَرَكَة، فلا حياةَ مُشتَرَكَةً!

قَحْل

بُنَيَّ، حيثُ تَجِدُ القَحْلَ، في أرضٍ، في شَعبٍ، في ثقافةٍ، ارْحَلْ! حيثُ تَجِدُ رَجلاً يَمْشي شِبْهَ عارٍ، وامرأةً تَسيرُ خَلفَه لا تُرَى لها بَشَرَةٌ، ارْحَلْ! حيثُ لا تَنْفَكُّ تَسْمَعُ جِدالاتٍ تافِهَةً في الدِّين والسِّياسة، ارْحَلْ! حيثُ لا تَسْمَعُ موسيقى، مِن طبيعةٍ، مِن وَتَرٍ، ولا تَشْهَدُ فنًّا راقِيًا، ارْحَلْ! حيثُ لا فِكرَ نَيِّرًا مُنْفَتِحًا، ارْحَلْ!

مَشروع

ألتَّعميمُ، أيُّ تَعميمٍ، مَشروعُ «عُنصُريَّةٍ» هو، فلا تَضَعْ شَخصَين اثنَين، ولا حتَّى بَيضَتَين اثنتَين، في سَلَّةٍ واحدة!

أُمنِيَة

أُمنِيَتي، منذُ خَمسٍ وثلاثين: زَيتٌ في مِزْيَتَة، ومِلحٌ في مَمْلَحَة، وبَهارٌ في «مَبْهَرَة» وقد تَحَقَّقَتْ مُؤخَّرًا، والحَمدُ لله! وأمَّا أُمنِيَتي لخَمسٍ وثلاثينَ إلى قُدومٍ فإعادةُ مَلْءِ الآنِيَةِ المَذكورَةِ بالمَوادِّ أعلاه!

مَزْج

لَطالَما آثَرْتُ، في كِتاباتي، المَعنى الصَّحيحَ على الجَماليَّةِ المُضَلِّلَة. وأمَّا مَزْجُ الاثنَين فعَظيم!

لَعِب

طِفلاً، لُعِّبْتُ فَتًى لَعِبْتُ شابًّا لَعَّبْتُ كَهْلاً تَلاعَبْتُ شَيْخًا تُلُوعِبْتُ، وأَدرَكْتُ، أخيرًا، أنْ إنَّما الحياةُ لُعبَةُ طُفولةٍ، فلِمَ لا نَلْعَبُها الحياةَ طُفولةً؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى