السيد محمد علي فضل الله… قامةٌ من الزمن الجميل

محمد عبدالله فضل الله

في أجواء الذكرى الأربعين لرحيل قامة من قامات جبل عامل نستذكر حكايات ملؤها الحنين إلى ذلك الزمن الجميل الذي زيّنه كبار من رجالات الفقه والأدب والجهاد. نحن لا نتكلم عن شخص بقدر ما نتكلم عن حالة إنسانية راقية جسَّدها العلامة آية الله السيد محمد علي فضل الله، نجل المقدس آية الله السيد عبد الرؤوف فضل الله، أستاذ العلماء في زمن صاخب بالمظاهر والشكليات التي تثقل الذات وتجعلها تعيش في حالة سلبية منفصلة عن الحياة.

صاحب القلب النابض في سرِّ الحياةِ تتفجّر روح الإيمان والتواضع من جنباته، إنسانٌ بكلّ تمظهراته، لم يعرف فروقًا ولا استعلاء ولا حواجز بينه وبين الناس، فكانت البساطة لغته المباشرة بلا تكلّف والحنان والطهر من مفرداته التي أحبّها ومثّلها في قاموس عمره كما مثَّلها كبار من جبل عاملة كالسيد محسن الأمين والشيخ موسى شرارة والسيد عبد اللطيف فضل الله والسيد عبد الرؤوف فضل الله والشيخ حسين مغنية وغيرهم كثر.

في سلوكه نوع من الإعجاز إذ لا ترى فيه تقلّباً ولا تبدّلاً ولا تحوّلاً في عصر اشتهر بالمتاجرة في كلّ شيء وعنوانه كثرة التبدّلات في المواقف والسلوكيات التي لا تبتعد عن الأصالة.

عرف معنى الجهاد الحق فكان مصداقاً لقوله تعالى: وجاهدوا في الله حق جهاده فقد ساهم بشكل كبير في تربية جيل جهادي مقاوم من الصف الأول ومن بينهم القائد الجهادي الحاج راني بزي والقائد خالد بزي اللذين كان لهما فضل كبير في الانتصار في تموز العام 2006 وغيرهما كما في تربية الطلائع الأولى لحركة المقاومة ومواجهة التطبيع مع العدو في وقت كان كثيرون يشهدون على عصر الاحتلال وهم مشاركون معه أو صامتون.

السيد محمد علي فضل الله من أولئك الذين تواضعوا لله والناس المتميّزين بالطهر والصفاء والزهد في السمعة والشهرة ومن المجاهدين في سبيل الله وعظاً وتوعية للناس وإصلاحاً بينهم يذكرك بالله والآخرة في زمن القحط الروحي.

شخصية محبّبة على سجيتها الأصيلة صاحب هيبة نادرة اجتمعت فيها صفات متعدّدة، ثقة وطمأنينة ويقين ووداعة متأنس قريب من الصغير والكبير حمل همّ خدمة الناس وقضاء حوائجهم بلا تأفّف فوقف إلى جانب البسطاء والمستضعفين والمحرومين قدر استطاعته بلا كلل على مدى عشرات السنين.

كان ربانياً في طاعته وحركته وورعه وجهاده لا يطلب أجراً ولا حظاً من دنيا الناس عمّر المسجد بصلواته وأدعيته وهو إمامه في مسجد حي السلم من العام 1975 إلى حين وفاته في تموز 2019.

نعهده في خطبه ومواعظه ودروسه من الذين حاولوا عتق الناس من الدنيا ومن عقال الرجعية والتقوقع إلى فضاءات العقلانية وصوغ ذوات حقيقية تصنع أفعالها استناداً إلى إيمان مفعم بالحياة ينمّ عن استقامة عميقة من الداخل منطلقة إلى الزمن الخارجي بكلّ ثقة وجدارة.

لم يكن إيمانه شكلياً ولم يؤمن يوماً بالشكل بقدر ما آمن بالقيمة المتجذرة الرافضة لكلّ الإسقاطات والتوجيهات المعلبة حزبياً وعائلياً وجهوياً ومذهبياً.

لقد اشتغل سماحته على مدى عمره على إنسان يُحسن نظم دواخله ويعدّل من قوى نفسه نحو الأفضل حتى يكون إيمانه انعكاساً طبيعياً لباطنه بلا انفصام في التفكير والسلوك كما تربى هو في مدرسة والده العالم الرباني السيد عبد الرؤوف فضل الله ومدرسة عمه العابد الزاهد السيد عبد اللطيف فضل الله.

برحيل الكبار تبقى في النفوس غصة على فقدهم، أولئك الذين يحفزون ذاكرتنا وينشطوها وينهضوا بها من ترهّلها وغفلتها في وقت تحشى هذه الذاكرة بكلّ غث وضعف وتسطيح، إنهم قلة يجود الزمان بهم كلّ مدة ويبقى لنا منهم السيرة الحسنة والقدوة فمتى يعود بنا الوقت إلى هذا الزمن الجميل؟!

أكاديمي وحوزوي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى