ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

عن الامين محمود غزالة

الرفيق فايز كرم

اشكر الرفيق الصديق فايز كرم على اهتمامه المتواصل بموضوع تاريخ الحزب، وان انشر له كلمته في صديقه وزميله ورفيقه الامين محمود غزالة، انتظر منه ان يعدّ ما يعرف عن تاريخ نشوء ونمو العمل الحزبي في بلدته فيع، فننشر ذلك اسوة بما قمنا به في وقت لاحق عندما كتب الامين كمال نادر عن بلدته قلحات والامين ايلي نصار عن كوسبا، وايضا ان يكتب عن الكثير مما يعرف عن صديقه، وصديقي الرفيق الشهيد هنيبعل عطية .

ل.ن

رحلوا وبقيت أعمالهم حكايات الأجيال

حضرة الأمين الحبيب لبيب ناصيف الجزيل الاحترام،

اعذرني إذ تأخرت بكتابة هذه السطورالقليلة عن الراحل الكبير الأمين محمود غزالة الذي كان عضوًا فاعلا في «مديرية الصحافة» في الحزب السوري القومي الاجتماعي المنشأة بعد سنة 1970 من القرن الماضي. وهي سطور لا تفي رفيقًا عظيمًا حقّه، لكنّني أرى نفسي مدفوعًا إلى كتابة شيء ولو قليل عن رفيق جمعتني به سنوات من العمل الصحفي ومن النّضال القومي، حتى صار بيننا، إضافة إلى الرّوحية القومية العميقة، خبزًا وملحًا كثيرًا.

تعرفتُ إلى الأمين محمود غزالة – بعد المحاولة الانقلابية وبعد خروجه من السّجن- في مكاتب تحرير جريدة «الشّمس». وقد كان عونًا لي ومرشدًا في مهنة التحرير، حيث باشرت عملي مندوباً قضائياً، وقد ساعدني كثيراً في جوّ حزبيّ مرح مع نخبة من الرّفقاء المحرِّرين، منهم: الرفيق أنطون غريب 1 والرفيق الشّهيد الياس شلالا 2 والرّفيق عادل الأعور 3 … ومضينا في هذا المشوار سنوات نمارس «مهنة المتاعب». وقد سمعته مرّة يتحدّث مع الرفيق أنطون غريب ويترحّم عل أيام زمان يوم كانا يصدران مجلّة «الجيل الجديد».

بعد عدّة سنوات عملنا سويّة في وكالة «أنباء بيروت» لصاحبها الرفيق إدمون غصن 4 ، فكنّا ننقل أخبار أعمال المحكمة العسكرية في محاكمة القوميين الاجتماعيين الذين ساهموا في المحاولة الانقلابية.

في وكالة «أنباء بيروت» مرّت علينا أحداث كثيرة ما زلت أذكر منها معظمها، ولا سيما الطريفة منها، كتلك الحادثة حيث كان يومًا ماطرً فانتقلنا مع الزّميل عامر مشموشي بسيارته «الفولز»، وبعد نزولنا من محلّة القنطاري إلى ساحة رياض الصلح، توقف عامر وشكرناه على إقلاله لنا، وبعد انصرافه أخرج الأمين محمود من تحت معطفه كتاب «رأس المال» لكارل ماركس والتفت إليّ قائلا: «لقد غنما ثروة». في اليوم التالي كتبتُ خبرا في الوكالة مفاده أن سيارة الزميل عامر تعرضت للسرقة وأهم المسروقات كتاب «رأس المال»، وقد انتشر الخبر في معظم الصّحف آنذاك وقرأه الزميل عامر وعندما التقى الأمين محمود في الوكالة سارع إلى القول: «أرجع لي الكتاب». لقد كان الأمين محمود صاحب نفس كبيرة وصاحب روح جميلة تغمر بمحبتها الجميع.

في تلك المرحلة كان الأمين محمود يعمل محرّرًا في جريدة «النهار» أيضًا وقد ساهم بإرشاد الرفيق رؤوف أبو زكي 5 ومساعدته عندما انتقل لتحرير الصّفحة الاقتصادية في جريدة «النهار».

في مطلع السبعينات انتقلنا للعمل في التحرير في صحيفة «صدى لبنان» لصاحبها الأمين محمّد البعلبكي، وهناك كانت نخبة من المحررين القوميين أمثال الأمين هنري حاماتي والرفيق وديع الحلو وغيرهما… وقد لعب الأمين محمود غزالة في تلك الفترة دورًا مميّزًا برصانته وهدوئه وخبرته، إلى أن غادرْنا نهائيًا جريدة «النهار».

في تلك السنوات كانت بيروت تعجّ بالمخابرات الدولية وأيضًابالمخابرات الصهيونية التي كانت تسيد وتميد. بعد توحيد الحزب وصدور جريدة «البناء»، كان الأمين محمود المساهم الأول في أسرة تحريرها وقد بقي فيها لفترة طويلة. وبما أن الأوضاع كانت مضطربة، وبعد دخول الكومندس الاسرائيلي إلى «فردان» واغتيالهم ثلاثة من قادة المقاومة، تولّدت لدينا فكرة انشاء مديرية الصّحافة في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

أوّل من تحدثت معه بهذا الخصوص كان الأمين محمود، فوافق على القيام بهذه الخطوة بسرعة والعمل على تنفيذها، ونصحني أن أطلع الأمين جبران جريج على الموضوع، وقد رحب الأخير فباشرنا الاتصالات بالمحررين القوميين في مختلف الصحف والمجلات اللبنانية، وكانت أهداف هذه المديرية كشف المخبرين الأجانب الذين يعملون لمصلحة العدو الاسرائيلي.

كانت الاجتماعات تنعقد أسبوعيا في «البناية المركزية» خلف اللعازارية، حيث كانت مكاتب «صباح الخير». وإني أذكر فحوى بعض الاجتماعات حيث كان الأمين جبران جريج يسعى لتشكيل هيئة إدارية. فعرض السؤال على الرفيق أحمد شومان، الذي اعتذر، وعلى الأمين محمود وجهاد أبو جودة وغيرهم. لكنّهم قدّموا اعتذارات لعدم قبول هذه المهمة إلى أن جاء يوم تقدّم فيه الرفيق زكريا اللبابيدي فتسلّم مهام المدير، والرفيق فيصل مقهور أمين الصندوق، وأُوعز إليّ بتسجيل محاضر الاجتماعات.

عاشت مديرية الصّحافة حتى بداية الحرب اللبنانية سنة 1975 وتفرّق الرفقاء كلٌّ في طريق، واستشهد من استشهد، كالرفيق عدنان عبد الساتر 6 على سبيل المثال، والرفيق الياس شلالا وشاعر الشّهداء الرفيق هنيبعل عطية.

حضرة الأمين لبيب،

اعذرني، إذ كان واجبًا عليّتدوين الأعمال الجليلة التي قامت بها تلك المديرية، فانتظرت طويلا، والرفقاء رحلوا واحدًا بعد الاخر وكان آخرهم الأمين محمود غزالة.

أذكر الكثير من التفاصيل المهمة في تلك الفترة من عمر مديرية الصحافة. منها أنه في مطلع شهر تموز، شهر الفداء، ومما لا أنساه هو مجيء تلك الصحافية من بلاد الاغتراب، وذهابها إلى «إسرائيل» عن طريق قبرص بعد أن رفضت الحكومة اللبنانية أن تصرف لها مساعدة مالية قدرها 500 ليرة. ولكنها رجعت إلى بيروت بعد زيارتها الكيان المغتصب وإدلائها بتصريحات تمجّد فيها حكومة العدو. فما كان من الأمين محمود إلا أن فضح أمرها ودعم معلوماته بوثيقة تثبت دجلها وذهابها إلى «اسرائيل». وقد نشرنا التحقيق في جريدة «البناء» باسم مستعار. ولم نكتف بملاحقة المراسلين الأجانب الذين كانوا يأتون إلى لبنان ويذهبون بتحقيقاتهم التي يمجّدون فيها حكومة العدو، بل كشفنا شبكة المخابرات السعودية التي كان يرأسها المدعو «الأخ منير» الذي حاول الدخول إلى بيئة الحزب لجمع المعلومات عن المجلس القومي سنة 1972، وقد أفشلنا مخطّطه بالتعاون مع الأمين محمد العريضي 7 والأمين داوود باز والأمين محمود غزالة.

هذا نموذج بسيط عن أعمال تلك المديرية التي كان يجب أن تستمرّ كمديرية في السلطة الرابعة لما لذلك من أهميّة إعلامية وقومية كبرى، إلا أنّ الظروف العصيبة التي عصفت بنا كانت قد شلّعت كلّ شيء.

إنّ رحيل الأمين محمود غزالة يعدّ خسارة كبيرة للحزب وللحياة الاعلامية والصّحافية. لقد باعدت بيننا الحرب منذ أن غادرت بيروت، كما باعدت بيننا ظروف الحياة ومشاقها، لكنّه بقي في ذاكرتي أستعيد صورته رفيقًا وصديقًا صدوقًا بين أفراد أسرتي إلى اليوم.

كلمة أخيرة أقولها بصدق، وبعد مضيّ كلّ هذه السنوات: أفتخر أنني عملت يومًا إلى جانب هؤلاء الرجال الكبار الذين ساروا على درب سعاده وعملوا بجهد وجدّ وإخلاص قلّ نظيره، هاتفين دومًا: «كلّ هذا القليل لمجدك يا سورية».

هوامش:

1 – انطون غريب: الامين. عميد الاذاعة، مدير عام «البناء»، رئيس مجلس العمد، يصح ان نعد نبذة تفي سيرته ومسيرته.

2 – الياس شلالا: من بلدة غزير». اغتيل في جوار بلدته مع بدايات الحرب اللبنانية .

3 – عادل الاعور: كنت عممت نبذة عنه. للاطلاع مراجعة موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

4 – ادمون غصن: كنت كتبت نبذة عن الرفيق الاعلامي فرنسوا غصن مراجعة الموقع المذكور آنفاً ، ادعو حضرة الرفيق فايز الى افادتنا عن الرفيق «ادمون غصن» .

5 – رؤوف ابو زكي: اتيت على ذكره في اكثر من نبذة. يحتل حالياً موقعاً ممتازاً في عالم الصحافة الاقتصادية. رئيس مجلس ادارة مدير عام مؤسسة «الاقتصاد والاعمال».

6 – عدنان عبد الساتر: عرفته جيداً في فترة التحاقي بمنفذية الطلبة الثانويين. تعرّض للقنص في منطقة النورماندي وتركت جثته على قارعة الطريق لايام. كان صحافياً في جريدة «لسان الحال».

7 – الامين محمد العريضي: مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

الامين داود باز: كما آنفاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى