هل اقتربت الحربُ في الخليج؟

د. وفيق إبراهيم

هناك معادلتان يعمل عليهما الأميركيون في الخليج.

الاولى حصار إيران اقتصادياً الى حدود خنقها وتفجير الدولة فيها، والثانية توتير الأوضاع في بحار الخليج وميادينه وصولاً الى العراق وسورية ولبنان انما من دون إدراك الحرب المباشرة.

في المقابل تجاهد إيران وبكبرياء لتحقيق صمود اقتصادي على قاعدة الاستناد على تماسك اجتماعي إيراني عالي المستوى يفاجئ أخصامها، بالاضافة الى امكاناتها على مساحة الدولة التي تزيد عن مليون وسبعمئة الف كيلومتر مربع وتحالفاتها الاقليمية الوازنة.

هذه هي الشروط التي يتجابه فيها الإيرانيون والأميركيون، لكن الجديد هو اختراق أميركي جديد لشروط هذا الصراع ويتعلق باستخدام «إسرائيل» آلية جديدة جرى تكليفها بإرباك تحالفات إيران في العراق وسورية ولبنان.

وبشكل تلقائي اتخذ أنصار الله اليمنيون قراراً موازياً بتشديد دورهم في إرباك السعودية داخلياً من جهة وعلاقتها بالنظام الاقتصادي الغربي من جهة ثانية، مرسلين صواريخهم وطائراتهم المسيّرة الى أهداف اقتصادية وعسكرية نفطية على نقاط استراتيجية منتقاة بعناية من المساحة السعودية، بشكل يصيب إطلالتي السعودية على الخليج من ناحية والبحر الأحمر من ناحية ثانية.

لذلك يخدم هذا الدور اليمني المتصاعد اليمن اولاً الذي يتعرّض لأعنف عدوان خليجي غربي إسرائيلي منذ خمس سنوات، معلناً في الوقت نفسه انه جزء من حلف المقاومة على مستوى الإقليم.

ضمن هذه المعادلات تخترق أميركا مدى الصراع بإقحام «إسرائيل» الأمر الذي ينقل الكباش الإيراني الأميركي الى مستوى جديد، دافعاً قوى المقاومة في البلدان المستهدفة الى تبني قرارات معادلة لهذا الخرق الخطير.

لجهة الحشد الشعبي العراقي المستهدَف منذ أسبوعين تقريباً بهجمات من طائرات مسيرة على مخازنه ومواقعه في أنحاء مختلفة من العراق، فيعتبر ان الهجمات عليه ما كان يمكن أن تتم لولاً التنسيق الأميركي الإسرائيلي وهذا يجعله يفرّق بين صاحب القرار بمهاجمته وهو الأميركي والمُنفذ الإسرائيلي، فهما متعاونان لإرباك الحشد وتأزيم وضعه الداخلي في العراق على قاعدة أنه لا تجوز له المشاركة في حروب إقليمية. والقصد هنا هو دعم إيران في حربها مع الأميركيين وتجاهل الاحتلال الأميركي للعراق المستمر منذ 2003 والذي ينشر عشرة آلاف جندي أميركي في عشر قواعد في العراق متلاعباً بوحدته الداخلية وثرواته وأدواره.

على المستوى نفسه يرتفع معدل الغارات الجوية الإسرائيلية على سورية في محاولة واضحة تبدو وكأن هدفها سحب اهتمام الجيش العربي السوري من منطقة إدلب وشرقي الفرات نحو التحسب من الخطر الإسرائيلي المباغت.

وهذا يشمل ايضاً دور حزب الله في سورية الذي يصرّ الأميركيون والإسرائيليون على سحبه من سورية مع ما يزعمون انه قوات إيرانية.

لذلك يضغط الأميركيون لإعادة نصب الدور التركي على عداء كبير مع سورية وحزب الله وإيران.

وللمزيد من تقليص الدور الاقليمي لحزب الله اخترقت طائرات مسيّرة إسرائيلية الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت على علو منخفض ولم تتمكّن من تنفيذ مهامها لأسباب تقنية فسقطت منها اثنتان احداهما سليمة.

وهذا اختراق إسرائيلي لتوازن القوى العسكري المرسوم مع حزب الله منذ 2006 تاريخ الهزيمة الإسرائيلية لآخر عدوان بري إسرائيلي على لبنان.

هنا يكتشف المراقبون ان «إسرائيل» تضع حزب الله امام احتمالين: ان يرد على الاختراق بصليات صاروخية على أهداف استراتيجية إسرائيلية في فلسطين المحتلة، وهذا خيار له بعدان: داخلي يؤدي الى إعادة تجميع القوى اللبنانية المحسوبة على السعودية والأميركيين في اطار المطالبة بحصرية السلاح مع الدولة اللبنانية والحياد عن معارك الإقليم، والثاني معنوي وهو ان لا يرد حزب الله فيستجلب المزيد من الاعتداءات الإسرائيلية المشابهة، فيخسر صدقيته مع جمهوره دافعاً الإسرائيليين انفسهم الى عدم تصديق تهديدات حزب الله التي تثير عادة رعب الإسرائيليين المدنيين والعسكريين ولا تزال.

هذا السياق، يؤكد الخطة الأميركية التي تريد عزل إيران عن تحالفاتها للمزيد من الخنق الأميركي لها، الامر الذي يدفع نحو رفع مرتبة الصراع من درجة «شديد التوتر الى بداية الحرب الفعلية بأشكال متنوّعة. فليس معقولاً ان يكتفي بلد ما بمراقبة بلد يحاول قتله بقطع أنفاسه، وليس مقبولاً صمت العراق ولبنان الرسميين عن نشر الأميركيين للارهاب الإسرائيلي الجوي على مدنهما ودساكرهما.

لكن لحزب الله توجهات أخرى ارسلها بخطاب «مستعجل»، اكد فيه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أن الرد على «إسرائيل» لن يتأخر وبشكل حربي أوسع، وكذلك الحشد الشعبي الذي اعلن بدوره عن استعداده لإسقاط المسيرات الإسرائيلية، اما سورية فهي في حرب فعلية مع الأميركيين والأتراك والإسرائيليين وانواع الارهاب، وبذلك يجري نسف مشروع الأميركيين الذي يريد عرقلة حلفاء إيران داخل بلدانهم، الأمر الذي يمنحهم حرية حركة في الإقليم بدعم إيران القوة الإقليمية الوحيدة التي نجحت في مجابهة النفوز الأميركي الهائج الذي يرى فيها سبباً في تراجعه في العالم الاسلامي وبالتالي العالم.

فهل تذهب المنطقة الى حرب؟ الأميركيون لا يريدونها ويرغبون في السيطرة بالاقتصاد والحلفاء، اما إيران وتحالفاتها فإنهم ذاهبون للدفاع عن منطقتهم بكل الوسائل المتاحة بما فيها الجانب العسكري والضغوط الشعبية وإفساح المجال لتحالفات عميقة مع روسيا والصين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى