جامعة الدول العربية نحو الإقرار بالموازنات الجديدة… فهل سقط العصر السعودي؟

د. وفيق إبراهيم

هذا حدث عجيب أن تعود جامعة الدول العربية الى إدانة «إسرائيل» بعد أكثر من عقد على تسلط نهج سعودي مصري قطري إماراتي عليها نجح في تحويلها الى اداة لإدانة القوى المناهضة للهيمنة الأميركية و»إسرائيل»، فأصبح حزب الله إرهابياً وإيران عدوة للعرب، والإرهاب معارضات داخلية، تحت الطلب، تدعو الجامعة بعض قيادييها للحضور بصفات مختلفة لتمثيل بلدانها بالنيابة عن الأنظمة الشرعية فيها.

فما الذي حدث حتى صدر بيان عنها بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة؟

وهي اعتداءات متواصلة أصابت سورية بأكثر من مئة وثلاثين غارة وما يقاربها من القصف الصاروخي ولم يصدر في حينه عن الجامعة أي إدانات، بل كانت وزارات الخارجية في بلدان الخليج والإعلام التابع لها في العالم العربي تزعم ان القصف الإسرائيلي يستهدف ميليشيات وخبراء إيرانيين يعتدون على المعارضة السورية وسط ابتهاج مصري أردني مغربي وصمت المتواطئين الآخرين في الدول الاخرى.

أهي تلك الصواريخ من الكورنيت التي أطلقها حزب الله من معاقله الحدودية في جنوب لبنان على مستعمرة «أفيفيم» حيث دمّر مدرعة عسكرية إسرائيلية! فكيف تستطيع هذه الطلقات المحدودة أن تفعل مثل هذا السحر؟

الحقيقة أنّ للموضوع رمزيته المرتبطة بنتائج صراع عسكري في الميادين بدأ منذ أكثر من عقد وشكلت سورية والعراق مسرحاً كبير له.

لقد أدار الأميركيون الصراع بخطة تفتيت هذين البلدين باستخدام الإرهاب الداعشي والأخواني كوسائل لمشروعه بتمويل خليجي كامل ودعم تركي لوجستي وتغطية سياسية عالمية من كل محور الدول الخاضعة للنفوذ الأميركي في العالم.

أم أنّ الجانب الثاني من الخطة الأميركية فجاء على شكل سيطرة على الأمم المتحدة وكامل المنظمات الإقليمية والقومية ومنها جامعة الدول العربية، فبدا ان مهمة هذه الجامعة هي توفير غطاء عربي كامل لإرهاب تحت مسمّى معارضات واستصدار بيانات عند الطلب لتأييد النهج الأميركي الخليجي وإدانة إيران حتى لو لم تفعل شيئاً ومعها أذرعها في لبنان واليمن والعراق وسورية، على حد زعمهم.

فتأمن إسقاط الجامعة العربية بتحالف سعودي خليجي مصري أردني مغربي قطري وضعها على سكة المصالح الأميركية، وبالتالي الإسرائيلية، وجرى طرد سورية من مقعدها في الجامعة وهي من الدول القليلة المؤسسة لها.

هذا الإمساك السعودي القطري بجامعة الدول العربية نقلها من رتابتها اللفظية التي كانت تتجسّد بالابتعاد عن كل ما يسبب اختلافاً بين أعضائها والاتفاق على الامور السطحية، لكنها اصبحت مع السيطرة السعودية الأميركية أداة لإدانة إيران وحزب الله وكل السياسات المعارضة للأميركيين.

يكفي ان امينها العام ابو الغيط ينتمي الى الفريق الوزاري للرئيس المصري انور السادات في مرحلة تطبيق اتفاقية كامب دايفيد المصرية الإسرائيلية. ودوره هذا شجع المحور السعودي الأميركي على تسليمه الجامعة العربية، فأبلى بلاء مسعوراً في العداء لكل القوى المحاربة للأميركيين والإرهاب، حتى انه كان ينتقد هدنة 1701 في لبنان، معتبراً ان حزب الله خرج مهزوماً من حرب 2006 لأنه قبل بالابتعاد عن حدود لبنان مع فلسطين المحتلة 70 كيلومتراً، فهل انتبه أبو الغيط الآن الى أن حزب الله اطلق قذائفه على «افيفيم» من موقع عند الحدود مباشرة ما اضطره الى تبديل رأيه؟

الواقع أن جامعة الدول العربية هي أداة تعكس علاقات القوى العربية في ضوء علاقاتها بالتأثيرات الدولية، لذلك فإن سقوط الاتحاد السوفياتي في 1989 أضعف المحور العربي الموالي للأميركيين وجاء الغزو الأميركي للعراق وتالياً سورية ومحاصرة إيران ليمنح تفوقاً محورياً لهذا الفريق استطاع بموجبه إحداث تغيير جذري في السياسات الرتيبة والكئيبة للجامعة.

فتحوّلت فريقاً يطبق السياسات الأميركية من دون أي تعديل وبما يؤدي الى تأييد السياسات الإسرائيلية وتغطيتها للتقارب السعودي البحريني الإماراتي مع «إسرائيل» ومن دون أي حياء.

هناك جانب أساسي إضافي استعملته جامعة ابو الغيظ للاختباء وهي المعارك المفتوحة في سورية والعراق التي كان المحور السعودي الإماراتي الإسرائيلي يعوّل عليها للانتقال رسمياً الى المرحلة الإسرائيلية الجديدة في العالم العربي.

بيد ان الحسابات لم تتطابق مع نتائج ساحات المعارك، فتمكن محور سورية إيران روسيا وحزب الله من دحر الإرهاب الى مساحات ضيقة في سورية، كما ان الحشد الشعبي نجح في تكنيس الإرهاب من معظم العراق. وكذلك فإن انصار الله اليمنيين مستمرون في الصمود وقتال قوى دولية كبيرة تختبئ خلف الدور السعودي العسكري.

اما إيران فلا تزال صامدة منذ 1980 وتتصدى لأعنف حصار معروف منذ نصف قرن على الاقل كما أنها اثبتت انها قوة اقليمة لا يستهان بها ولا ترتجف لمجرد تهديدات من الأميركيين او حلفائهم.

هذه النجاحات ادت تسلسلياً الى تراجع أميركي وذعر خليجي وتقهقر إسرائيلي حاول ان يقصف الضاحية والعراق وسورية لترميم الوضع المتدهور والاحتفاظ بعلاقاته الحميمية مع الخليج.

لكن قذائف حزب الله على مدرعة افيفيم أكدت على استمرار الانتصار وزادت من معدل الذعر المتفشي وكأنها رسالة من محور إقليمي يشكل حزب الله رأس حربته، الأمر الذي يثبت أن عودة الجامعة الى لغتها التسووية هي نتاج لموازنات القوى الجديدة وقد يترتب عنها الابتعاد الظاهري عن «إسرائيل»، خصوصاً ان هناك رأياً يقول إن افيفيم هي بداية مرحلة جديدة من القتال داخل فلسطين المحتلة وليس ضمن أراض عربية محتلة، كما يحدث منذ 1948.

فهل تنكفئ السعودية عن قيادة الجامعة العربية؟ تراجعها اسلامياً واقليمياً وعربياً يشجع على انحسار دورها في الجامعة العربية انما من خلال المزيد من تعطيل الجامعة وحصر دورها بالمزيد من الحيادية المزعومة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى