أهم الإصلاحات: الفصل بين الحكومة والمعارضة

البروفسور فريد البستاني

ربما تكون المواقف التي رافقت حادثة قبرشمون قد أوحت للبعض خطأ بسقوط التفاهمات التي رافقت تشكيل الحكومة الجديدة بين الكتل الكبرى، وخصوصاً الكتل التي تصطف وراء كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، والتي تتشكل منها ومن تحالفاتها أغلبية نيابية واضحة وكافية لضمان الاستقرار السياسي والدستوري والميثاقي لأداء الحكومة، لكن التسوية التي تمّت لطي ذيول الحادثة أعادت التذكير والتأكيد بأن هذا الحلف ثابت وقادر على احتواء الأزمات والتباينات، لصالح مشتركات رئيسية كبرى بين مكوّناته، أظهرتها بقوة الأحداث التي مرت خلال الشهر الفائت الذي أعقب تسوية قبرشمون.

خلال شهر عرف لبنان أكبر تطوّرات يمكن أن تطال مستقبل التحالف الحكومي، وتهدّد بوحدة مكوناته الكبرى، ونجح بتخطيها برؤية موحدة، كان أهمها العدوان الإسرائيلي بالطائرتين المسيّرتين، وكيفية التعامل مع العدوان ومع المقاومة، وليس خافياً أنّ ما صدر عن المجلس الأعلى للدفاع ولاحقاً عن كلّ من رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة أظهر الانسجام والتلاقي في المواقف، بصورة لم يعرفها لبنان من قبل في أحداث عاصفة مماثلة. وقد كان لهذه الوحدة الأثر الكبير في تمكين لبنان من تخطي التداعيات المفترضة للعدوان، وفي ضمان حجم الموقف الدولي الذي لا يمكن إلا أن يقيم حساباً لوحدة الموقف الرسمي اللبناني.

خلال الشهر الفائت أيضاً بلغت التعقيدات المرافقة للأزمة المالية أبعاداً جديدة تجسّدت في التصنيفات الإئتمانية للبنان وما برز من مخاطر مرافقة لها. وجاءت العقوبات الأميركية بحق أحد المصارف اللبنانية تزيد الشعور بالخطر، وانعقد اللقاء الاقتصادي في بعبدا بدعوة من رئيس الجمهورية وبمشاركة رئيسي مجلس النواب والحكومة وقادة الأحزاب والكتل النيابية. وبدا بوضوح انّ هناك تفاهماً رئاسياً تترجمه ورقة اللقاء الرئاسي التي جرى إقرارها مطلع الشهر الماضي غداة تسوية حادثة قبرشمون، والتي شكلت أساس مقررات بعبدا الاقتصادية.

في قلب الشهر القائت أيضاً وأيضاً شهدت الأوساط السياسية والإعلامية جدلاً واسعاً حول صيغة بناء الدولة، والموقف من تطبيق اتفاق الطائف، مع إقرار قانون الموازنة ورسالة رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي طلباً لتفسير المادة 95 من الدستور، وما رافقها من تعليقات ومخاوف تتصل بصمود التفاهمات الرئاسية وتأثير انفراط عقدها على مشروع الدولة، تلاها تعيين مجلس الوزراء لخمسة أعضاء في المجلس الدستوري، وما سبقها من جدل حول فرض صمود التفاهمات الرئاسية، أمام التحالفات التي تقوم خارجها، وفي المرتين ثبتت التفاهمات الرئاسية وبدت الحكومة محصّنة بقوة بوجه مخاطر الانقسام، وبدا التفاهم السياسي الرئاسي عميقاً وقادراً على احتواء التباينات وحسن إدارتها، إذا استعصى حلها.

الارتباك الوحيد في واقعنا السياسي، والذي سبق وتناولناه مراراً كعقدة تعيق انتظام الحياة السياسية، هو هذا الخلط العجيب الغريب بين الحكومة والمعارضة، تحت مسمّى حكومة الوحدة الوطنية، التي لا يبررها في أحوال البلاد الديمقراطية، إلا تفاهم جامع عابر للموالاة والمعارضة على تشخيص المخاطر والحلول، في أزمات وطنية كبرى، وليس تجميعاً معرّضاً للانفراط عند كل محطة، والتمسك به بذريعة واهية هي وهم أنه تجسيد للوحدة الوطنية، وقد أظهرت المواقف أن هناك معارضة حقيقية شاملة للتفاهمات الرئاسية في كلّ المحطات التي عرفناها خلال الشهرين الماضيين منذ التصويت على الموازنة، تجعل الجمع بين حكومة منسجمة قادرة على العمل وتحمّل المسؤوليات والتبعات والمحاسبة، ومجلس نيابي قادر على المساءلة والمحاسبة والرقابة، مشروطين بالفصل التامّ بين الحكومة والمعارضة، بصفته أهمّ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان، ومن دونه سيبقى التشويش والضياع والوقت الضائع والهدر في الجهود، ووضع أولوية التفاهم داخل الحكومة على تطبيق السياسات، وبالتالي الدوران في حلقة مفرغة من الفشل.

إذا لم يكن هدف المعارضين المتمسكين ببقائهم في الحكومة هو تعمّد إفشالها، خصوصاً أنهم يقترحون رحيل الحكومة، فإنّ نجاحهم كمعارضين ونجاح الحكومة كحكومة، يخالفونها في كلّ شيء، بات وقفاً على خروجهم منها، وفوراً، احتراماً لمصداقيتهم التي تعنيهم كثيراً، كما يفترض، ولصدقية العمل الحكومي التي تعنينا كثيراً، كما يجب أن يفترضوا.

نائب الشوف في مجلس النواب اللبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى