أردوغان… محاولة الثبات السياسي «المتأرجح»

ربى يوسف شاهين

كثيرة هي الأخطاء السياسية التي يرتكبها رؤساء الدول في التعاطي مع الشؤون السياسية الخارجية، خاصة في ما يتعلق بالأمن السياسي للدول، والذي ينتج عنه تفكك وانهيار للأمن الاقتصادي، حيث مفرزات هذه الأخطاء كثيراً ما تتدحرج إلى حروب قد تصل إلى حروب عسكرية قاتلة، وهذا ما أقحم رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان نفسه فيه.

ففي مخططه لاقتطاع أجزاء من الجمهورية العربية السورية عبر استغلاله الحرب الكونية عليها، مُتكئاً على ملفات عديدة بدءاً من ملف الإرهاب، وصولاً إلى ملف الكرد، وذلك يُعتبر خطاً جسيماً في عرف أمن الدول، وما حاولت تركيا إقامته في سورية عبر تدخلها السافر، واحتلال عفرين وجرابلس والباب وتغيير الديموغرافيا في مناطق تواجدها، لأكبر دليل على السياسة الخاطئة التي اعتمدتها أنقرة عن سابق إصرار وتصميم، لتحقيق حلم عثماني يُراود أردوغان، لكن ما حدث على الساحة السياسية والعسكرية السورية، قلب المخططات على أعقابها، وتجلت التبعات السياسية والعسكرية لهذه المحاولات بانتصار القيادة السورية في سياساتها الخارجية والداخلية على السواء، ويعتبر ذلك انتصاراً منقطع النظير مقارنة بحجم التجمع الهائل للدول الداعمة للحرب على سورية.

الوجود التركي كضامن للحلّ في مباحثات استانا بالنسبة لملف الإرهابيين، كون تركيا استثمرت هذا الملف تحت عنوان أمنها القومي ، مقروناً بالملف الكردي، أجبرها مع التقدّم السريع في الجبهة التي تخصّ الطريق إلى إدلب، على التحرك باتجاه موسكو بالسرعة القصوى، فالجيش السوري اصبح على مقربة من المحافظة السورية إدلب، وباتت المسألة لا تحتمل التأجيل، فخطر المجموعات الإرهابية التي تنضوي تحت رعاية تركيا باتت تُشكل خطراً كبيراً على أمن الحدود التركية، وبالتالي الأوروبية.

لقاء ناجح بين الرئيسين الروسي والتركي، وعلى ما يبدو انّ الرئيس بوتين استطاع بحنكته السياسية، دحرجة تركيا طواعية للانخراط في صف المحور الضامن، لاستكمال أهمّ بند لدى القيادة السورية ألا وهو السيادة السورية على كامل أراضي الجمهورية العربية السورية، ذلك عبر اتفاقيات اقتصادية وعسكرية ومنها منظومة أس 400 وإمكانية إلحاقها بصفقة لطائرات سوخوي الحربية الروسية، والتي أثبتت قدرتها الحربية خاصة بعد التوتر الذي رافق صفقة طائرات أف 35 الأميركية.

إنّ تعزيز العلاقات العسكرية والاقتصادية محلّ اهتمام الرئيس أردوغان، وعليه يُشكل التعاون في مجال الغاز الطبيعي بنداً هاماً للتقارب الروسي التركي، وهذا ما يعمل عليه أردوغان، من خلال تطوير ممرّ الغاز الجنوبي وإنشاء خط أنابيب عبر بحر قزوين ليتمّ إيصاله إلى أوروبا، وإحياء خط الغاز الطبيعي بين روسيا وتركيا المعروف باسم التيار التركي .

التوترات السياسية بين تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أجبرت تركيا على تأمين مقعد لها في منظمات أخرى في حال استمرّ تعثر استكمال عضويتها في الاتحاد الأوروبي، واستبعادها من الناتو، لذلك تحاول الانضمام الى منظمة شنغهاي للتعاون، وكان أردوغان قد صرّح بإمكانية التخلي عن الترشح لعضوية الاتحاد الاوربي، مقابل العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون.

السياسة الروسية المتبعة مع تركيا استطاعت تغيير مسار الطموحات التركية، واللقاء الأخير الذي سبق اللقاء الثلاثي المزمع عقده في منتصف أيلول، يُدلل على انّ الرئيس بوتين أراد إفهام الجانب التركي على أهمية محورين:

الأول – انّ ما جرى من نتائج تمخضت عن أستانا بين الروسي والإيراني وفعلياً التركي يجب ان يتمّ، وخاصة مسألة الإرهابيين وحلّ مسالة أحرار الشام الإرهابية، للوصول الى حلّ سياسي يعتبر مفيداً للتركي قبل السوري، كونه يؤكد دائماً على أمن حدوده.

الثاني – النية الإيجابية التي تراها روسيا من الموقف التركي لإنشاء منطقة آمنة آخذةٍ الأمر على انه يصبّ في مصلحة البلدين السوري والتركي واستبعاد فكرة إقامة نقاط مراقبة تركية، فمسألة السيادة السورية هي على كافة الأراضي السورية.

في المحصلة انّ منجزات الجيش السوري في ميدان المعركة، قد أكد للمجتمع الإقليمي والدولي انّ سورية ماضية في تحرير أراضيها، والمسألة المتبقية للحلّ السياسي او العسكري مرهونةً بالأطراف المُعرقلة للحلول، وقد أُعطيت الوقت الكافي، وبات التحرك السوري الروسي الإيراني نافذاً ولا يحتمل التأجيل، في حال حدوث أيّ مناورة سواء من قبل تركيا أو أيّ طرف في محور أعداء سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى