من يُعرقل قيام الدولة؟ عندما اصطدمت «القوات» بالشرعية…

محمد حمية

لا تتورّع القوات اللبنانية ومن يدور في فلكها من محللين وإعلاميين الى جانب فضائيات عربية وغربية، عن توجيه الانتقادات للمقاومة بتجاوز سيادة الدولة والتفرّد بقرار الحرب والسلم وخرق القرار 1701 وصولاً لاتهامها بمنع قيام الدولة بسبب هروب رؤوس الأموال والاستثمارات نتيجة التصعيد العسكري على الحدود ووجود سلاح خارج اطار الدولة وقرارها.

فهل هذا صحيح؟

قد يبدو هذا المنطق سليماً في أكثر الدول، إذ يحتكر رئيس النظام الحاكم أو الحكومة قرار الدفاع وتنحصر آلياته بالأجهزة العسكرية بالتعاون مع تحالفاتها العسكرية والسياسية الخارجية.

لكن في لبنان يختلف الأمر كلياً، فهو يقع في بؤرة صراع تاريخي واستراتيجي لأسباب متعدّدة تنخرط فيه قوى إقليمية ودولية، وشكلت ساحة تنافس محموم على الموقع الجيوبوليتيكي الذي تتمتع به.

هذا ما جعل المنطقة ساحة براكين متفجّرة بشكل دائم من حروب واحتلالات وغزوات وفتن وتقسيم، وبات الفصل بين دولها مستحيلاً مع وجود كيان كـ «إسرائيل» يعيش على الحروب والاحتلال والتوسع وإرهاب عابر للحدود بدعم وتوظيف أميركي واضح.

أما في لبنان فنشوء المقاومة وتطوّرها كان نتيجة غياب الدولة وليست تنظيماً موازياً لها، ومرحلة السبعينيات تؤرّخ رسائل القيادات الشيعية آنذاك وأبرزهم الإمام موسى الصدر الذي استشهد به رئيس القوات سمير جعجع منذ أيام، الى الدولة للحضور في الجنوب عسكرياً وإنمائياً.

وبناء عليه كان حق طبيعي أن تسعى دول هذه المنطقة ومقاوماتها كالمقاومة في لبنان لامتلاك وسائل القوة لحماية شعوبها وسيادتها وثرواتها من أخطار ثلاثة كبيرة: المشاريع الأميركية – العدوان الإسرائيلي – الإرهاب بأشكاله المتعدّدة.

يطرح فريق القوات وامتداده الخارجي نظريته ولم يُقدّم يوماً دليلاً عملياً يثبت صحتها، بل بقي في إطار الشعارات والمزايدات واستدراج عروض للخارج، بينما تمكّنت المقاومة من إثبات نظريتها وخيارها في الميدان في التحرير والدفاع بمواجهة الأخطار الثلاثة، وعبر عقود من الزمن، فكيف ذلك؟

المواجهة الأبرز كانت في التصدي للاجتياح الإسرائيلي عام 1982 التي خاضتها جبهة المقاومة الوطنية وحركة أمل آنذاك وإجبار «إسرائيل» على الانسحاب من بيروت الى ما بعد الليطاني ثم تحرير العام 2000 وانسحاب «إسرائيل» المُذلّ من الجنوب، ثم توّجت المقاومة قوّتها الردعية بإفشال عدوان 2006 في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد ومُذاك الوقت لم تتجرأ «إسرائيل» على العدوان حتى عدوانها الأخير على الضاحية.

وقد جاءت عملية المقاومة المزدوجة «افيفيم» وإسقاط المسيّرة لتؤكد المقاومة في الميدان صحة نظريتها، لكن شكلت صدمة لفريق القوات، فالأخيرة كانت مشكلتها في السابق مع المقاومة وحدها، أما الآن فمشكلتها مع الدولة أيضاً عقب موقف أركانها بمنح الغطاء السياسي الكامل لردّ المقاومة. وبالتالي اصطدمت القوات مجدّداً بالشرعية والديمقراطية! ألم تنبثق الحكومة التي تغطي المقاومة اليوم وتضمّ مختلف الأحزاب من انتخابات نيابية ديمقراطية؟ فلماذا تعترض القوات إذن؟

أما قرار الحرب والسلم، فيؤكد خبراء عسكريون وسياسيون مخضرمون أنّ لبنان لم يمتلك هذا القرار يوماً، وأيّ قرار على هذا المستوى يُتخذ بموافقة الدولة وبالتنسيق مع محور إقليمي وفي ظروف ملائمة. أما «إسرائيل» فكانت تمتلكه لعقود وتفقده اليوم بسبب ردع المقاومة، أما قرار الدفاع فلا ينتظر قراراً، فهو فعل شعبي شرعي طبيعي.

أما لجهة خرق الـ 1701، فإنّ «إسرائيل» باعتراف الامم المتحدة سجلت آلاف الخروق، بينما إن حصل خرق لبناني فيكون رداً على عدوان، علماً أنّ مفاوضات الـ 1701 خاضها الرئيس نبيه بري تحت النار وعلى وقع المجازر. واستمرارية قرارات كهذه عادة لا تكون بضمانة أمم متحدة ولا قوى كبرى بل من الموازين القوى المحلية والخارجية القائمة، وبالتالي بنودها خاضعة دوماً للتذبذب وللتفسير المتناقض. وهذا ما يفسّر ظهور المقاومة بمقاوميهما وسلاحها في فيديو مصوّر علناً في جنوب الليطاني، فمن يستطيع منع المقاومة من ذلك، أليست مشروعية عملها وميزان القوى القائم أتاح لها ذلك؟

وهنا تأتي أهمية عمليتي «أفيفيم» وإسقاط المسيّرة بتظهير هذه الموازين الجديدة بعدما كانت تطرح تساؤلات خبيثة عن جدوى المقاومة إن كانت لا تُطلق رصاصة واحدة على «إسرائيل» منذ الـ 2006؟

كما أنها فضحت نقاط ضعف العدو وهشاشة قدرته الردعية وجهوزية جيشه وجبهته الداخلية على خوض حرب جديدة، وظهرت ايضاً قوة تحالفات المقاومة وإنجازاتها في الإقليم مقابل ضعف تحالف «إسرائيل» وتراجعاته المتتالية. كما شكلت اختباراً بالنار للموقف الرسمي اللبناني والبيان الوزاري الى حدّ اعتراف ضمني وعلني بتشريع رسمي لعمل المقاومة التحريري والدفاعي لم تحصل عليه منذ 1996.

فالمقاومة لم تعد حاجة لبنانية فحسب، بل إقليمية لأنها جزء من استقرار المنطقة بسبب ردعها للعربدة الإسرائيلية والإرهابية معاً، وتشكل أيضاً مظلة أمن وأمان للفريق الاقتصادي الذي يمثله رئيس الحكومة وشركات النفط العالمية للاستثمار لا سيما في قطاع النفط في لبنان وسورية وعلى حدود فلسطين المحتلة.

ماذا عن قيام الدولة؟

إنّ من يُعيق النهوض الاقتصادي وقيام الدولة ليس المقاومة بل الفساد والهدر وتجذر الطائفية والسياسات المالية والاقتصادية الخاطئة للحكومات المتعاقبة والولاءات الخارجية والتي بقيت المقاومة بعيدة عنها كلها… فلماذا لم تقُم الدولة في مرحلة السبعينيات حيث لم تكن المقاومة موجودة آنذاك؟ ولماذا لم ينهض الاقتصاد بعد اتفاق الطائف حيث الاستقرار السياسي حين لُزّم الرئيس الراحل رفيق الحريري الاقتصاد والإعمار؟ علماً أنّ مصادر نيابية قواتية بارزة أسرّت في أحد مجالسها بأنّ لحزب الله دوراً كبيراً في تحرير الجنوب عام 2000، وأقرّت بأنّ الحزب لم ينخرط في منظومة الفساد ولديه جدية ورؤية في مكافحة الفساد ونهوض الدولة اقتصادياً. فلماذا لا تقوم الدولة اليوم وقد حصلت انتخابات نيابية جديدة على قانون انتخاب جديد، واستقرّ زعماء الطوائف الأقوياء على كراسي الرئاسات الثلاث واتحدت مختلف الأحزاب في حكومة واحدة بما فيها 14 آذار…؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى