أوروبا ستخضع لإيران

محمود هزيمة

كان المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي رئيساً للجمهورية الإيرانية وخلال إحدى خطبه في الجمعية العامة للأمم المتحدة طالب فرنسا بإعادة الأرصدة الإيرانية المجمّدة في مصارفها مع فوائدها، يومها قال فرنسوا ميتران أنتم مسلمون تحرّمون الفائدة ، فردّ الخامنئي هي جائزة من غير المسلم ، فما كان من الفرنسيين إلا أن خضعوا وأعادوا الأموال الإيرانية مع فوائدها.

لا تستطيع أوروبا هضم انتكاسةٍ اقتصاديةٍ أكبر من نكسة الحصار الأميركي على روسيا على خلفية القضية الأوكرانية وما عرف يومها بأزمة الغاز، كانت وعود باراك أوباما بتعويض القارة العجوز قد ذهبت أدراج الرياح بعد اكتشاف التنصّت الأميركي على الزعماء الأوروبيين، وساهم الأمر في مفاقمة أزمة الديون اليونانية تبعتها قرارات انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي.

عند توقيع الاتفاق النووي مع إيران ورفع الحصار المفروض عليها منذ العام 1979 سارعت الشركات الأوروبية إلى طهران كشريكٍ اقتصادي قوي، حيث وقعت عقوداً تجارية ونفطية وصلت قيمتها إلى عشرات التريليونات للسنوات الـ 15 المقبلة.

أما الشق المتعلق بالصين وصل وحده إلى 500 مليار دولار على مدى عشر سنواتٍ، عدا عن اتفاقٍ منفصل بين بكين وطهران يختص بالدفاع العسكري وتبادل الخبرات التكنولوجية بين البلدين.

المؤلم لأوروبا هذه المرة ليس قرار الإنسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، بل قيمة الأموال التي ستخسرها الشركات الفرنسية والألمانية والإيطالية تحديداً لما لها من استثماراتٍ ضخمةٍ بدأت في عهد الشاه وامتدّت إلى يومنا هذا مع تعزيزها بشكلٍ كبيرٍ في مرحلة ما بعد الحصار.

الدول الصغيرة في القارة العجوز والتي تعتمد على تصدير منتجاتها من الألبان والمواشي كالدنمارك وهولندا تترقبُ مصيراً يلامس مصير اليونان لأنّ نسبة البطالة في تلك الدول ازدادت مع توافد المهاجرين من الدول العربية التي شهدت ما يسمّى الربيع العربي مما شكل عبئاً أصابها في الصميم، فالمواطن الذي يدفع ضرائب تأكل ستين بالمئة من دخله السنوي لا يعنيه إذا كانت إيران نووية أو غير نووية، بل يعنيه خفض الضرائب وتأمين فرص العمل، تلك العوامل مجتمعة تجعل من الأوروبيين أحرص الناس على بقاء الإتفاق النووي، وقد يمتدّ هذا الخوف إلى أوراق كثيرة تمتلكها إيران وتتفوّق بها على محاصريها من دون أن تطلق رصاصة واحدة.

ماذا لو فتحت إيران الباب للاجئين الأفغان على أراضيها بالهجرة إلى أوروبا؟

وماذا لو تخلّت طهران عن محاربة تجار المخدرات الوافدين من دول جنوب آسيا والساعين للوصول إلى دول الإتحاد الأوروبي وهم بالآلاف، هل سيبقى مجتمع أوروبي بعد مزج البطالة بالمخدرات؟

يعرف ساسة أوروبا أنّ الذهاب بعيداً في مجاراة دونالد ترامب هو رهان على حصان خاسر، بيد أنّ الخروج من الاتفاق النووي أفقد كلّ من سيتولى الرئاسة الأميركية المصداقية، فلا يمكن للقادة الأوروبيين إلا تنفيذ ما تعهّدوا به ووقعوا عليه وإلا على دولهم ومجتمعهم… سلام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى