على هامش معرض دمشق الدولي

سعد الله الخليل

بحسب الإحصائيات الصادرة عن معرض دمشق الدولي بلغ عدد زوّار الدورة الحادية والستين مليوناً وأربعمئة وستين ألف زائر، بانخفاض أكثر من نصف مليون زائر عن الدورة الستين وأكثر من مليون زائر عن الدورة التاسعة والخمسين أولى دورات المعرض بعد انقطاع لسنوات الحرب على سورية.

الانخفاض بالأرقام طبيعي في العام الثالث لإعادة فعاليات المعرض نظراً لقلّة الحماس لدى المواطن للمغامرة بالزيارة، خصوصاً بعد أن شهدت الدورتان الماضيتان ظواهر غير طبيعية سواء بإمكانية الوصول إلى المعرض، أو بالتنظيم الذي تفاجاً بالكمّ الهائل من روّاد المعرض. وبالتالي فإن انخفاض أعداد الزوّار لا يعتبر انتقاصاً من نجاح أي فعاليّة من المفترض أنها نوعية من حيث الجمهور الذي تستقطبه، وبالمقابل فإن الإصرار على الترويج لأرقام الزوار كدليل نجاح للمعرض فيه الكثير من المغالطة، فالأرقام في عالم المعارض مجرد داتا للدراسة والتحليل تبنى عليها فرضيات نجاح أو فشل استقطاب الجمهور، وتقدّم للمنظمين مؤشرات عن نوعية الجمهور وتنوّع شرائحه، وتساعد بتعزيز النقاط الإيجابية وتلافي السلبيات في الدورات المقبلة، أما اعتباره مقياساً وحيداً للنجاح فهذا يمكن تجاوزه في الدورات الأولى والثانية حيث التنظيم بحدّ ذاته تحدٍّ، أما في عامه الثالث فيجب أن يتجاوز عتبة إثبات الذات وترسيخ مقومات الانتصار. فالرسائل السياسية للحلفاء والخصوم وصلت خلال الدورتين الماضيتين وإلى لحظة ما قبل افتتاح الدورة الحالية، ومَن حضر بالرغم من التهديد والوعيد الأميركي قال كلمته في لحظة الوصول إلى دمشق، بالتالي يفترض أن يشكّل افتتاح المعرض نقطة تحوّل رئيسية في الأهداف والغايات، التي يجب أن يحقّقها المعرض بالذهاب إلى ما هو أبعد من السياسة، باتجاه الاستثمار وخلق فرص اقتصادية لتنشيط الحركة الاقتصادية، وتخلق فرصاً استثمارية مستقبلية تؤثر وتتأثر بالاقتصاد السوري وتسعى لحلّ مشاكل المستثمرين العالقة، وتحسّن البنية التحتية للاستثمار نظراً لحضور أغلب المسؤولين في المعرض وتأكيدهم الدائم على الحرص على الحضور الفاعل.

الضخّ الإعلامي الكبير الذي واكب المعرض بأدقّ التفاصيل بصورة مبالغ بها وبأساليب مكرّرة بالقسم الأكبر من هذه التغطية نفّر المتابعين من المعرض. فالمبالغة في التغطية بمضمون متواضع لأجنحة بطبيعة الحال خالية من المضمون الجاذب لقسم كبير من الجمهور وطريقة التغطية الكلاسيكية زادت من طين المعرض بلّة، وهو ما أضاع الصالح بالطالح، باعتبار أن الجميع حاضر إعلامياً بغض النظر عن المضمون، فأفردت مساحات من التغطية لأجنحة مؤسسات لا يتوقع الزائر أي فائدة مرجوة من زيارتها، ما فوّت على المتابع فرصة اكتشاف المميّز في المعرض باعتبار أن كل الأجنحة حاضرة مهما كانت سوية المحتوى.

بعد إغلاق المعرض أبوابه ثمّة تساؤلات يطرحها الشارع السوري ممن تابع يوميات المعرض بعقلانية، أبرزها ماذا سيتابع جيش الإعلاميين الذين واكبوا المعرض من نتائجه على الاقتصاد؟ وما هي انعكاساته على حياة المواطن اليومية؟ هل سيرصد تنفيذ الاتفاقيات التي وقّعت خلال المعرض وما مدى حاجة السوريين لاتفاقيات كهذه؟ وهل يمكن رصد تبعاته على الاقتصاد والاستثمار والمجتمع؟ أو قياس الأثر الذي خلقه المعرض في الصورة الذهنية للمستهلك حيال الشركات أو الأجنحة؟

منطقياً يفترض أن تتابع كل المؤسسات بما فيها الإعلامية المواكبة، فبالحد الأدنى تتبع الاتفاقيات والصفقات التي أبرمت، ومدى العائد التنموي لها، والجدوى الاقتصادية للمعرض، وحجم الأموال التي صُرفت على إقامته. فمن غير المنطقي إغداق المليارات دون عائد اقتصادي يعادل المبالغ المصروفة بالحدّ الأدنى في بلد عانى ما عاناه من الحرب خلال السنوات الثماني الماضية، فيما وصل سعر الصرف لمستويات قياسية مخيفة لم تشهدها سورية حتى في عز الحرب الكونيّة عليها، خصوصاً أن قيمة تذكرة الدخول 100 ليرة لا تغطي أجور نقل الزوار من دمشق إلى مدينة المعارض، وبالتالي فمن حقّ أي مواطن سوري أن يسأل عن الجدوى الاقتصادية للمعرض في ظلّ حاجة السوريين لمقوّمات الحياة الضرورية ودخل الشريحة الأكبر منهم لم يعُد دخلها يتجاوز عتبة ثمانين دولار. تساؤلات لا بد من طرحها على أمل أن يُسعِف المعرض بإنعاش الأسواق السورية ويُسهِم بتحريك اقتصاد أتعبته سنوات الحرب رغم الصمود الكبير الذي لا يمكن إنكاره، ودون ذلك سيعود كل شيء لحاله قبل المعرض وبانتظار البرومو الترويجي للدورة 62 وكأن شيئاً لم يكن؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى