المخرج نجدة إسماعيل أنزور: استشهاد الأبطال هو حقيقة لا بدّ من تسليط الضوء سينمائياً عليها… وبدمائهم حُرّرت تدمر ليعيش الجيل القادم ويحمل رايتهم

دمشق ـ آمنة ملحم

لم يتخذ المخرج السوري القدير نجدة انزور من مقولة «الفنّ للفنّ» درباً له في أي يوم مرّ أو حتى سيمرّ، بل يمضي صاحب «فانية وتتبدّد» دربه مبدّداً كلّ ما يمكن أن يعترض رسالته المكلّلة بالدفاع عن الوطن لأقصى حدّ ممكن. هو مخرج يهوى المغامرة التي لا تعرف تلكؤ في مضيه، ويعشق الصعب الذي لا يجرؤ كثر على التطرق إليه هو مخرج سوري حد الثمالة فلا مكان إلا لحبّ الوطن في روحه وفنّه.

كما قدًم سابقاً وعشق درب السينما السورية الخالصة التي مرّ بها متنقلاً بين مدن سورية عديدة أتعبتها الحرب وأرهق الدم أرواح أهلها، جاء كذلك فيلمه الجديد «دم النخل» عن مدينة تدمر التي تعبت مع أهلها وتجرّعت مرارة الدماء التي سالت على آثارها وروت ترابها. هي دماء طاهرة لأبنائها وأبناء الجيش السوري إلا أنها بقيت صامدة بتضحيات ليس لها مثيل وتحدّ حملته زنوبيا سورية، وكلّله شرفاً حارس حضارتها وآثارها مدير متحفها الأثري عالم الآثار السوري خالد الأسعد برفقة فتية الجيش السوري.

مع «دم النخل» اختار المخرج السوري نجدة أنزور أن يفتتحه بعرض خاص للإعلاميين في دار أوبرا في دمشق تبعه مؤتمر صحافي ناقش خلاله أنزور وكاتبة الفيلم وشريكة رحلة أنزور في التصدًي سينمائياً للحرب على سورية ديانا كمال الدين بحضور المؤلف الموسيقي رعد خلف ومراد شاهين مدير المؤسسة العامة للسينما المنتجة للفيلم بشراكة مع شركة نجدة إسماعيل أنزور الخاصة للإنتاج التلفزيوني والسينمائي.

هي حكاية بدأت مع صورة جمعت خالد الأسعد «محمد فلفلة» بثلاثة شباب من المجنّدين في الجيش العربي السوري طارق «جوان الخضر»، وحسام «مصطفى سعد الدين»، وكريم «لجين إسماعيل» الذين تتلاقى مصائرهم ورحلتهم كما نهايتهم مع خالد الأسعد المكلّلة بالتضحية لأجل عيون وطن أرادوا له أن يبقى شامخاً على حساب رحيل أجسادهم لتبقى أرواحهم مخيّمة على المكان، فكانوا بمثابة نماذج إنسانية شكّل كلّ منها رمزاً لفيلق من الشبان السوريين المتمسّكين بنخيل تدمر المدافعين عن حضارته، لتكون تلك الصورة ذكرى لن ينساها كل من شاهدها لا سيما بعد احتفاظ كل منهم بنسخة عنها في جعبته لتبقى للتاريخ.

ابتعد الفيلم عموماً في حكايته عن المباشرة في الطرح وحمل الرمزيّة المقترنة بالسحرية عبر شخصية زنوبيا المتجسّدة بالتحدّي والقوة التي تطلّ كخيال ينهض معه كل شيء من جديد، لتأتي النهاية غير متوقعة حاملة الألم السوري الممزوج برائحة الموت الذي سرق أحباباً ضحوا لأجل وطن وأطفال هم درب المستقبل، فكما افتتح مشاهده مع زنوبيا ختمه معها وبحانبها روح خالد الأسعد من جهة والطفل السوري الذي سيكمل درب من رحلوا، كما استحضر الفيلم روح الشاعر عمر الفرا عبر قصائد ردّدت بين مشاهده لتكون خير معبّر منسجم مع الصورة المقدّمة. هي نهاية حزينة خيّمت على المشهد إلا أنها بالوقت ذاته حملت أملاً بالجيل القادم الذي سيكمل الدرب مهما اشتدت وعورته أمام الآباء.

من ناحية الأداء استطاع أنزور أن يقدّم الفنان محمد فلفلة بشخصية «خالد الأسعد» بوجه جديد كبطل لأول مرة وجاء أداؤه مقنعاً مؤثراً لا سيما مع عبارات حقيقية رددها على لسان الأسعد، منها «لما تعيش عمرك كلو تدافع عن مبدأ لا تتخلّ عنه باليوم الأخير»، حيث بقي متشبّثاً بأرضه وحضارته إلى لحظة موته الوحشية التي اختارها «داعش» لتكون بقطع الرأس الذي أتعبهم بوطنيته العالية، كما أدّى الفنان جهاد الزغبي شخصية الرجل التدمري المحب لأرضه بصدق عالٍ وإقناع، وكذلك نجح عدنان عبد الجليل بتجسيد شخصية الرجل الخائن دون اكتراث سوى لحياته وحده وجشعه ولو على حساب دم ابنه.

وتميّزت الفنانة مجد نعيم بشخصية «زنوبيا» الصامتة إلا أن عينيها تحدثتا الكثير فكانت بمثابة الخيمة التي تحنو على أبنائها وتحرسهم حتى من ضوء الشمس لو استطاعت.

وخلال المؤتمر الصحافي أكد شاهين أن تناول مدينة تدمر سينمائياً أمر في غاية الأهمية، فهي إحدى أهم مفاصل الحرب التي عصفت بسورية، وهي تختزل جزءاً كبيراً من حضارة العالم وليس حضارة سورية فحسب. فكان أحد أهداف الحرب التي ألمت بالبلد تدمير هذه المدينة وكل ما يمت للحضارة السورية. وهذا يدفع للتفكير بمدى ارتباط الحركات المتأسلمة وما حدث في سورية، بالحركة الصهيونية العالمية وفق ما هو مكتوب في التاريخ وهذا أهم رسائل الفيلم.

وأكد شاهين أن إنتاج هذا النوع من الأفلام واجب على المؤسسة فهي توثّق المرحلة الحالية المهمة بتاريخ سورية، حيث لم يخلُ بيت سوري من تقديم التضحيات والشهداء للحفاظ على ارض هذا البلد.

بدوره رد أنزور على تساؤل الصحافيين حول كمية الحزن التي حملها الفيلم لا سيما في نهايته بأن ما شهدته تدمر من جراح يبقى أكبر بكثير مما عرضه الفيلم، فهناك روايات من أهاليها تفوق حتى الخيال حول كمية العنف والإرهاب الذي طالها، إلا أن الفيلم حاول أن يكون موضوعياً لأبعد حد ممكن وأن استشهاد الأبطال في الختام هو حقيقة لا بدّ من تسليط الضوء عليها. فبدماء هؤلاء الشبان كتب تحرير المدينة ليعيش الجيل القادم ويحمل الراية والرسالة من بعدهم. كما نوّه أنزور بأن النهاية جاءت بعد نقاش منطقي مع الكاتبة كمال الدين حيث وصلوا لقناعة بأنها الأنسب فليست غاية الأفلام دائماً تجسيد البطولات فقط، بل هناك كثر استشهدوا لتبقى الأرض للسوريين فقط، ومن الواجب أيضاً ألا ننساهم ونذكرهم في السينما وكل مناحي الحياة.

وحول التركيز على الأزمة في أفلامه أكّد أنزور بأن على الأراضي السورية آلاف الحكايات التي يمكن أن تُحكى عن كل شبر فيها وأنه سيستمر في هذه الرحلة التي لن يحيد عن تناولها، لأن السينما قادرة على عبور المحيطات ونقل الرسالة التي يعجز التلفزيون عن تقديمها درامياً بحكم الأزمة التسويقية التي لحقت بالدراما السورية.

ولفت أنزور إلى أن الفيلم سيُترجم لخمس لغات وسيعرض بمدينة تيفولي بإيطاليا كما سيشارك بمهرجانات عديدة في الخارج.

من جانبها الكاتبة كمال الدين أوضحت أن عنوان «دم النخل» مستمدّ من شهرة مدينة تدمر بالنخيل، ولكثرة الدماء التي سالت للدفاع عنها من ابنائها وأبناء سورية عموماً…

وعن استمرار التعاون بينها وبين المخرج أنزور تلفت كمال الدين بأن استمرار التعاون نابع من ان تكرار التجربة يساعد على التركيز مع الوقت على المنتج بعد التفاهم الذي يحصده الفريق من هذا التكرار.

أما من ناحية تناول الأزمة فترى كمال الدين بأنهم مهما قدّموا من أفلام عن هذا البلد يبقوا مقصرين بحق من استشهدوا، كما أنهم لن يركزوا فقط على الفرح والبسمة بل من حق بطولة من استشهدوا ولحظاتهم الاخيرة أن تخلّد وتبقى في الذاكرة.

كما أشار الموسيقيّ رعد خلف إلى الاتجاه بموسيقى الفيلم نحو البعد الداخلي بعيداً عن الحركة والصخب فجاءت الموسيقى منسجمة مع الرسالة التي أرادها صنّاع الفيلم منه.

تبدأ العروض الجماهيرية لفيلم «دم النخل» في 15/9/2019 وحتى 15/10/2019 وذلك في دار الأسد للثقافة والفنون قاعة الدراما. أطلقت المؤسسة العامة للسينما فيلم «دم النخل» أمس بعد عرض خاص للإعلاميين الأسبوع الماضي.

البطاقة الفنية للفيلم:

– إخراج: نجدة اسماعيل أنزور

– كتابة: ديانا كمال الدين

– تمثيل: لجين إسماعيل، جوان خضر، مصطفى سعد الدين، جهاد الزغبي، محمد فلفلة، عدنان عبد الجليل، مجد نعيم، عامر علي، قصي قدسية، محمود خليلي، ليلى بقدونس، سيوار داود، حمادة سليم، نبيل فروج، إيمان عودة، مجدي مقبل، ياسر سلمون، فادي عبد النور، علي الماغوط، أوس وفائي، نور خلف، محمد الويسي، والطفل علي السملوتي.

ـ ضيوف الشرف: أحمد رافع، عبد الله الشيخ خميس والدكتور خليل الحريري.

ـ مدير التصوير والإضاءة: محمد حبيب.

ـ الصوت: مهدي رحيم زاده.

ـ ملابس: سحاب الراهب.

ـ مكياج: منى حسن.

ـ التأليف والتوزيع الموسيقيّ: رعد خلف.

ـ مونتاج: وائل طه.

-ـ مدير الإنتاج: خالد فرنجية.

ـ مهندس ديكور: عصام الداهوك.

ـ مخرج منفذ: قتيبة غانم.

ـ مخرج مساعد: علي الماغوط.

ـ علاقات عامة: فادي عبد النور.

ـ الغرافيك والشارات: يزن أنزور.

ـ الإشراف العام: مراد شاهين.

ـ إنتاج المؤسسة العامة للسينما بالتعاون مع مؤسسة نجدة إسماعيل أنزور للإنتاج التلفزيوني والسينمائي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى