الحلفُ الروسي الإيراني ضرورة لطرفيه

د. وفيق إبراهيم

التحالفات حاجاتٌ لأصحابها، بالأسباب المباشرة حيناً وبغير المباشرة في مرات اخرى.

لكن ما ينطبق على العلاقات الروسية الإيرانية انها تتدحرج نحو تفاهمات عميقة، لا تنتمي الى فئة عرض قوة بوجه المنافسين فقط، بل لبناء قوة مشتركة تجعل من المحاولات الأميركية لترميم نفوذ بلادها هباء منثوراً.

بداية فإن روسيا وإيران مستهدفتان بدقة من الأميركيين. والدليل ان الأميركيين نجحوا في دفع روسيا الى داخل حدودها منذ عقدين ونيّف، سالبين منها محيطها في اوروبا الشرقية والقوقاز والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فلم يتبق لها مدى إلا قاعدة بحرية صغيرة في سورية تطل على المتوسط وتنتمي الى مرحلة الراحل الاتحاد السوفياتي فورثتها موسكو بالنسب المشترك الى جانب علاقة حنين تاريخية مع كوبا والصين.

بدورها إيران وجدت نفسها بعد 39 سنة على ثورتها الإسلامية انها محاصرة الى حدود الاختناق من حرب أميركية اقتصادية تمنع العالم من بناء علاقات اقتصادية معها لا شراء ولا بيعاً وتهددها عسكرياً من قواعدها في الخليج وتحالفاتها مع دوله العربية بالاضافة الى «إسرائيل» التي تعتبر طهران العدو الاساسي لها في منطقة الشرق الاوسط.

هذا الجانب المشترك بين البلدين، يدفعهما الى استراتيجية تحالفية في وجه قوة عظمى فعلية تجمع كل مقومات الأحادية والنفوذ بالاقتصاد المرعب ومركزية السياسة العالمية و800 قاعدة عسكرية تنتشر في مئات البلدان وجيوش جرارة تملأ البر والبحر والفضاء والانتشار الثقافي والسيطرة على الذوق العالمي في المأكل والملبس وآليات اللهو والتسلية.

بيد أن هذا السبب الاستراتيجي موجود ايضاً مع عشرات البلدان الأخرى ولا يدفعها إلى تقاربات سياسية عميقة، بما يؤكد وجود اسباب عديدة لموضوعية التحالف الروسي الإيراني الذي يتكئ على عشرات المواضيع والابعاد الدافعة الى الاسراع في بنائه.

فإذا كانت العدوانية الأميركية العالمية سبباً استراتيجياً لتقاربهما، فهناك عناصر اخرى لا تقل اهمية واولها ان بحر قزوين المشترك بين البلدين مع دول اخرى من آسيا الوسطى هو معبر روسي بديل بإمكانه تأمين عبور سريع لها نحو إيران والخليج والعراق وسورية وبسرعة سياسية لافتة، ما يسمح لموسكو بالاستغناء النسبي عن خط البحر الأسود والمضائق التركية في مرمره وإيجه نحو البحر المتوسط او يصبح لديها على الأقل خطان مفتوحان يضعفان تأثير السياسة التركية على حرية الحركة الروسية.

ان هذا الخط القزويني يضع منطقتين شديدتي الأهمية امام الحركة الروسية الإيرانية المشتركة، وهما الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

لذلك ظهرت أهمية سورية للشريكين معاً، كبلد محوري له تأثير في المنطقة العربية عموماً والدول المجاورة له خصوصاً.

بما يفسر أسباب تركيز اعنف هجوم أميركي عليه، لا مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية.

مستجلباً بالمقابل دعماً إيرانياً كبيراً ادرك ان اسقاط سورية هو اسقاط لكل الشرق العربي واضعاف حظوظ إيران بالصمود، كذلك فإن الروس استوعبوا بسرعة أن هزيمة نظام الرئيس بشار الاسد تسمح للأميركيين بالامساك بكامل الشرق الاوسط وهذا يعني العودة الأميركية السريعة للإمساك بنظام احتكار القوة، والهيمنة على العالم مجدداً.

لذلك ظهر وبشكل واضح حجم الدعمين الروسي والإيراني لسورية التي لم تبخل بدورها عبر جيشها وشعبها بكل امكاناتها للدفاع عن دولتها والمنطقة بأسرها.

قد تبرز تباينات في الأولويات بين روسيا وإيران لكنها لا تدعو الى القلق، لأن مرتكزات التقارب اوسع، وتدفع الى حلول وليس صراعات.

فالعمل في الشرق الاوسط يتطلّب تنسيقاً بين البلدين في اليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين.

وأمكنة أخرى قابلة للانجذاب الى هذا المحور بفعل التراجعات الأميركية الواضحة، وخصوصاً في آسيا الوسطى، الأمر الذي يضع الحلف الروسي الإيراني – الفنزويلي ولاحقاً السوري أقوى معادلة في اسواق النفط والغاز، وهذه بمفردها من الأسباب العميقة للتقارب السياسي الروسي الإيراني الذي يستطيع بالتعاون مع الصين والهند تشكيل اقوى قوة اقتصادية في العالم.

فمقابل أميركا والسعودية وقطر، تبدو المعادلة الروسية السورية الإيرانية اقوى لأنها تمتلك البلد الذي لديه اكبر احتياطات نفط وهو فنزويلا بالمركز الاول عالمياً وروسيا وإيران بالمركزين الثالث والخامس.

اما الغاز فروسيا وهي الأولى عالمياً وإيران الثانية الى جانب امكانات هائلة في سورية، ما يضع هذه المعادلة على رأس الانجذابات العالمية اليها وخصوصاً اوروبا التي تجد نفسها مضطرة للتقارب مع قوى الطاقة المقبلة اي الغاز.

ألا تفسر هذه الاسباب مدى حاجة البلدين لبعضهما بعضاً وخصوصاً في هذه المرحلة من الصراع العنيف مع الأميركيين الذين لا يوفرون استخدام اي وسيلة تدميرية او ارهابية للمحافظة على سيطرتهم الاحادية.

للاشارة فقط ايضاً فان واشنطن تعكف حالياً على ابتكار آليات صراع جديدة مع الروس والإيرانيين والسوريين بالاضافة الى سياسات تتعمد تعميق التباينات الروسية الإيرانية وتحويلها تناقضات عميقة، فتزعم انها موافقة على نفوذ روسي في سورية انما على اساس انسحاب الإيرانيين منها. ومثل هذه الترهات لا تنطلي على موسكو التي تعرف ايضاً ان الدور الإيراني في سورية مرسوم من قبل دولتها صاحبة القرار النهائي بتحالفاتها، كما هو مرتبط بانسحاب الأميركيين من شرقي الفرات وشمالي سورية مع اعوانهم من الاوروبيين والدانمركيين والارهاب فضلاً عن الاحتلال التركي لإدلب وعفرين واجزاء من الحدود الشمالية.

لذلك فإن الرهان على انفجار التقارب الروسي الإيراني عبثيٌ لان مصالح البلدين تبتدئ انطلاقاً من هذه المرحلة لكنها غير قابلة للتوقف حتى بعد تشكل عالم متعدد القطب، لا تقف إيران بعيداً عن حدوده لقوتها المتصاعدة وتلعب روسيا دوراً محورياً في صناعته وتطوره.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى