معرض الكتاب في مكتبة الأسد الوطنية… تنوّع في المضمون وحضور عربيّ أوروبيّ

لورا محمود

رغم ظروف الحرب تحاول وزارة الثقافة أن يكون لدور النشر السورية أهمية في إعادة إعمار سورية ثقافياً. فأهميّة الثقافة تكمن في إعادة بناء الإنسان السوري ولا يعلو شأن الثقافة اذا لم تشكّل مادة حقيقية لتهذيب السلوك واتساع المعرفة وإغناء العقل. ومن هنا كان للكتاب أهميته في إنتاج الإنسان المتجدّد القادر على المضي بمجتمعه نحو الأفضل متسلّحاً بفكر منفتح بعيداً عن التطرّف وإقصاء الآخر أكثر من 237 داراً للنشر من سورية والعراق ولبنان والسودان والأدن ومصر وإيران والدنمارك وروسيا واندونيسيا اجتمعت تحت عنوان «الكتاب بناء للعقل» في معرض الكتاب في مكتبة الأسد الوطنية بدورته الحادية والثلاثين، حيث التقت «البناء» مجموعة من الشخصيات السياسية والثقافية.

المستشار الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سورية أبو الفضل صالحي نيا اعتبر معرض الكتاب أهم حدث ثقافي في سورية، وقال: هذه السنة مشاركتنا أوسع من المشاركات السابقة، حيث تشارك وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي لأول مرة في المعرض بجناح مستقل ومؤسسة المعارض الثقافية الإيرانية ستورد آخر الإصدارات لأكثر من دار نشر في المجالات الثقافية والفكرية والسياسية والأدبية بثلاث لغات الفارسية والانكليزية والعربية. وثمة أكثر من كتاب لمؤلفين إيرانيين تمت ترجمتها للغة العربية وكتب مصوّرة عن إيران بلغات أجنبية، وهناك كتب للأطفال ومعاجم للغة العربية والفارسية.

رئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة والمستشار الرئاسي السابق جورج جبور اعتبر افتتاح معرض الكتاب يأتي في توقيت مناسب. ولفت إلى الطلب على الكتب فهو ما زال الوسيلة المفضلة لدى الكثيرين لنقل الثقافة ونشرها. ونحن في سورية أصدقاء للكتاب واليوم نحن في حالة حوار فكري شامل نتيجة الظروف التي تمرّ بها سورية منذ بضع سنوات. وهذا الحوار أساسه نشر الثقافة العقلية التي تقوم على المواطنة المتساوية بين الجميع. وهذا المعرض يؤسس لهذا الثقافة.

وأضاف: ثمة الكثير من العقبات التي تعترض مثل هذا العمل الثقافي أي معرض الكتاب. ومن هذه العقبات ما هو في طبيعة الثقافة التي الى حدّ ما تمييزية بمعنى أنها للمثقفين وثمة ثقافة للناس العاديين وهي ثقافة ينبغي أن نهتمّ بها كثيراً ونعرف كيف نؤثّر فيها. فالمواطنون في الحياة العامة ليسوا كلهم متساوين في الثقافة وواجب المجتمع والهيئات الفاعلة فيه أن تمدّ جسر الثقافة للجميع.

أما بالنسبة لأسعار الكتاب فأشار جبور أن هناك أزمة في شراء الكتاب ويشعر بها كل مواطن. فالكتاب الذي تنتجه الدولة السورية كتاب في متناول الجميع لكن الكتاب الذي تنتجه الهيئات الخاصة عليه أن يراعي متطلبات السوق، وأنا لا ألوم أحداً لكنه يباع بسعر مرتفع وطبعاً يوجد اليوم وسيلة للقراءة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي هي أقل كلفة، لكنها في الحقيقة ضحلة وليست بمتعة قراءة الورق في الكتاب.

بدوره عضو القيادة القطرية في حزب البعث ومدير مؤسسة القدس الدولية خلف المفتاح أشار إلى أن المعرض يستحق الزيارة، فالقارئ الساعي للثقافة يجد عناوين تغني معرفته ومخزونه.

وتابع: هناك شكوى دائمة بأن الجمهور لا يقرأ وانه لا يوجد سوق للكتاب، فالأمر يتعلق بالمحتوى والمنتج الثقافي وما هي حاجة المجتمع والأجيال الشابة للثقافة؟ وهل استطعنا إنتاج ثقافة تلبي حاجات الشباب وتلبي حاجات التنمية وتحدّيات العصر لا سيما مع وجود حروب ثقافية؟ فاليوم هناك غزو ثقافي وإمبراطوريات تصدر ثقافتها لتغير بها العالم وحلّت الثقافة الأجنبية مكان الثقافة الوطنية، وهذا يضعف مسألة الانتماء. ومن هنا تأتي أهمية هذه المعارض للتأكيد على الثقافة الوطنية والقومية والإنسانية وتشكيل درجة من الوعي وإعادة انتاج انسان يمتلك مفردات وأدوات العصر.

ولفت المفتاح إلى أن سورية تعرّضت لحرب حاولت أن تنتج ثقافة لا تشبه المجتمع السوري من خلال ثقافة الإرهاب إلا أن الفكر السوري فكر حضاري قائم على التنوع المتناغم. وفي سورية واجهنا معركتين معركة واجهتها قواتنا المسلّحة واستطاعت أن تهزم الذراع الإرهابية ومعركة كانت تهدف لتشكيل ثقافة لا تشبه الشعب السوري، إضافة إلى المغريات الإعلامية التي كانت موجودة.

وأضاف: التركيز على ثقافة الطفل والمكتبة المدرسية إصرار على تنشئة جيل واعٍ ومتحرر وهو أمر بغاية الأهمية.

رئيس اتحاد الكتاب العرب مالك صقور أشار إلى أن هذا المعرض يشكّل حدثاً ثقافياً دمشقياً عربياً بامتياز يستضيف مئات دور النشر السورية والعربية والأجنبية ويشكّل تظاهرة ثقافية تعيد لدمشق ألقها ويعيد للكتاب ألقه ويعطي للكاتب والقارئ فسحة ثقافية ليستفيد ويفيد غيره بعد كل ما عاشته سورية من تكفير وفكر ظلامي. والمعرض في كل عام يشكل متنفساً بالنسبة لي ولكل مثقف سوري.

وبدوره القاضي الدكتور محمد وليد منصور أحد زوار المعرض اعتبر معرض الكتاب مهرجاناً ثقافياً حقيقياً يشجّع على القراءة، فالكتاب له متعته مع وجود الإنترنت الذي تحول العالم من خلاله الى قرية صغيرة. فالثقافة الالكترونية قللت من أهمية الكتاب لذا من المهم وجود مثل هذه المعارض.

وأضاف: أنا من المؤلّفين لكتب عدة في القانون وأعرف العلاقة بين الكاتب والورق والمعرض فرصة للإطلاع على آخر الإصدارات والعناوين. فنحن في ظل التطويق الثقافي المفروض علينا نجد أن معرض الكتاب هو فرصة لمعرفة ما ينتجه الآخرون في مجال الثقافة وأيضاً فرصة ليتعرّف الآخر سواء من دول عربية أو أوروبية على كتّابنا السوريين المؤلفين لكتب مهمة في مجالات متنوّعة.

تنوّع دور النشر

لفتت مديرة دار عقل للنشر عبير عقل لاهتمام الدار هذه الدورة بخط الرواية لشعور الدار بأن القراء يميلون الى الاتجاهات الأدبية والإبداعية للرواية.

وأضافت في حديثها لـ»البناء»: هذا لا يعني أننا أهملنا الخطوط الإبداعية الأخرى، لكن ركّزنا على الرواية. ومن الروايات التي كنا سعيدين أنها صدرت عن دار عقل هي رواية الأديبة السورية كلاديس مطر بعنوان «قانون مريم»، كرواية تتناول العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري بين الحاضر والماضي والتي من الممكن أن نستشف منها إسقاطات على ما يجري اليوم بين الشعبين. وأصدرنا أيضاً رواية جديدة تعتبر من الأدب الروحي، فهناك اتجاهات كبيرة بين القراء والأطباء النفسيين إلى ما يسمّى بعلم الطاقة وهي بعنوان «نيراما» للكاتب علاء الجمّال، بالإضافة إلى خطنا الذي ما زلنا ملتزمين به مع الدكتور طالب عمران صاحب القاعدة الجماهيرية الكبيرة في سورية فأصدرنا له روايتين في مجال الخيال العلمي وهما «الكهوف المنسيّة» و»دماغ في جسد آخر».

وبيّنت عبير عقل بصفة الوكيل الرسمي الحصري لمؤسسة «نيوإيرا» الدنماركية أن المؤسسة هي اول دار نشر أجنبية تشارك بشكل مباشر في المعرض منذ انطلاقته الجديدة في عام 2016 فهم مؤمنون بحق الشعب السوري بالحياة ومؤمنون بحقه في مواجهة الإرهاب وكانوا ينتظرون حدثاً ثقافياً كمعرض الكتاب ليعبّروا بشكل فعليّ عن دعمهم للشعب السوري.

أما عن الكتب الصادرة عن مؤسسة «نيوإيرا» فقد أوضحت عقل أن أغلبها كتب في التنمية البشرية وتطوير الذات، وهناك كتب مرفقة بأقراص مدمجة ليكون هناك دمج في المعرفة بين القراءة الورقية والمعرفة السمعبصرية وطبعاً الكتب بعضها باللغة العربية وبعضها باللغة الانكليزية.

وبدورها أمينة سرّ مجلة «الحوليات» هالة مصطفى من جناح المديرية العامة للآثار والمتاحف تحدثت عن أوروبوس الأثرية الواقعة على الفرات السوري للباحثة فاديا الطويل، وهناك كتاب لنصوص أدبية من أوغاريت للباحث الراحل الدكتور علي أبو عساف الذي كان مهتماً بالآثار السورية وهناك مجلة «الحوليات الأثرية» السورية بعددها الأخير الذي تناول مدينة أيبلا وفيها أهم الأبحاث والمكتشفات الأثرية وكتاب «سورية أرض الحضارات» و»التراث الأثري السوري» الذي يتناول أهم الآثار المهدّمة خلال خمس سنوات من الأزمة.

ومن لبنان تحدّث وليد أحوش من دار «بيسان للنشر والتوزيع» الذي قال: هذه مشاركته الثالثة في معرض الكتاب والجديد لديهم هذا العام هو كتاب «الرجل الذي لم يوقّع» الذي يتحدث عن الرئيس الراحل حافظ الأسد، وهو بالأساس برنامج وثائقي عرض على شاشة تلفزيون الميادين، وأيضاً كتاب «حروب لا تنتهي» لرفيق نصرالله وكتاب «التهجير والإبادة في فلسطين». وهناك نصوص يهوديّة مترجمة لأول مرة تُنشر عن دار بيسان وكتاب «وجدت أعجوبتي» للمناضل الفلسطيني باسل الأعرج.

وعن الأسعار بيّن أحوش أنهم في دار «بيسان» درسوا السوق السورية ومهتمون بأن تكون كتبهم بمتناول كلّ قارئ سوري.

أما مدير دار «المدى للنشر» نهال القيسي من العراق، فأشار إلى أن مشاركتهم في المعرض ليست الأولى وهم حريصون على المشاركة كل سنة. وتابع القيسي حاولنا أن نأخذ مساحة واسعة لنعرض عناوين متعددة من الأدب والتاريخ وبعض الترجمات لكتاب عراقيّين وسوريّين ونحن نقدّم الكتاب بسعر الكلفة خدمة للقارئ السوري وسنبقى حريصين على المشاركة وإيصال الكتاب للجميع والتنظيم يتطوّر ونتمنى أن تكون المشاركات العربية أكثر في السنوات المقبلة.

بدوره وليد ناصيف من دار «الكتاب العربي» ودار «الوليد» في دمشق والقاهرة، قال: نحن نشارك دائماً في معرض الكتاب وهو من المعارض المتميزة. فهناك قارئ محترم يختار العناوين الجيدة ومع عودة الأمن إلى سورية سيكون هناك دور بارز للثقافة التي تُعدّ جزءاً من التطوير المجتمعي.

ولا بدّ من الإشارة أن المعرض سيشهد عروضاً سينمائية لأفلام سورية وأجنبية إضافة للندوات الفكرية وتوقيع عدد كبير من الكتب وأمسيات شعرية والاحتفاء بشخصية المعرض لهذا العام الفيلسوف أبي العلاء المعرّي ويستمرّ المعرض حتى 22 من الشهر الحالي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى