مهنة الخيانة وفلول العملاء المتساقطين

د. رائد المصري

بهدوء… فلا تأخذوها من بوابة التآمر على لبنان والمقاومة، بل من باب تساقط فلول الجزّارين والجلّادين والعملاء حين لم تشفع لهم أحكام مرور الزمن وسنين العمر التي قضوها في خدمة المستعمر الصهيوني والأميركي. فهذا هو منطق التاريخ الحتمي للدّخول بأرجلهم خلف قضبان السّجن، أو تنفيذ حكم الشعب كما تجري العادة في / أو مع أعرق ديمقراطيات الدنيا، فلتكن النّيات حسنة. وها هو العميل الجزار عامر الفاخوري الذي دخل برجليه ووطأ أرض مطار بيروت الدولي يكشف الغطاء عمّن لا زال يحنّ الى نوستالجيا القتل والتعامل مع العدو الصهيوني، ومنهم ضباط كبار برتب عالية وسياسيين «عمالقة» تعمشقوا على الحبل الإسرائيلي للوصول الى السّلطة في لبنان، ولمّا فشل المشروع تقرّبوا من سورية واستعانوا ببعض رموزها في لبنان همّهم الوحيد البقاء على كراسي العرش والحفر البطيء تحت أرض المقاومين وكيّ الوعي وإبقاء الثقوب التي تحدث تشقّقات في الجسد اللبناني واسعة للتّدخل الأجنبي ومعه الصّهيوني. وليس أدلّ على ذلك من حالة الفساد والسّرقات التي شرّعها هؤلاء السّاسة بحيث صارت متلازمة إجراء الإصلاحات متساوية مع نسف الكيان اللّبناني من أساسه، وهو ما يبشّرنا به كلّ يوم أدوات أميركا في لبنان وأدوات البنك الدولي، وللأسف ما زالت لهؤلاء السيطرة والصولات والجولات في خطاب السّيادة والاستقلال والتحرّر يوم تنفّسوا الصّعداء وبانت أظافرهم وأنيابهم الإلغائية بعدما نشأت ما سُمّيت بثورة الأرز عام 2005، واستعانوا بالخارج الإسرائيلي على أبناء بلدهم تحت الغطاء الأميركي، علماً أنّ الاستعانة بالأميركي هي أخطر على الأمن القومي من «إسرائيل»، أقلّه أنّ التعامل مع عدوّ صهيوني معروف الوجه والأنياب والأظافر ومحدّد مسار الصراع الوجودي معه في التحرير كلّ التحرير..ّ

خفوت وصمت مريب لأغلب القوى السياسية في لبنان وكأنّ على رؤوسهم الطّير بعد سقوط العميل الجزار الفاخوري فأخذتهم الغفلة في طيب العيش المشترك الذي انحكموا له أو اضطرّوا للتعايش معه خوفاً على وحدة الوطن. فربّما يخرّب كثيراً عليهم هذا السّقوط من تسويات وصفقات وتبادلات للحصص والتعيينات الإدارية والقضائية والدبلوماسية، وتغليب هيمنة التطيّف والتمذهب في توزيع المنافع لتجديد دورة حياتهم السياسية المتكلّسة بعناوين وشعارات فارغة رماها الشّعب اللّبناني ورأيه العام الضاغط وراءه، وراح يبحث عن منجزات حقيقية بالكشف عن عملاء «إسرائيل» التسوويين لشعب اكتوى بالنار الإسرائيلية أيام احتلاله وفي معتقل الخيام، وطحنته سرقات وفساد حكّامه وأفرغت جيوبه وجيوب الفقراء، ولا زالت عينه ساهرة لمنع انقضاض العملاء وتسلّلهم الى الداخل اللبناني، من دون أن نعفي سلطة كهذه من مسؤوليّة خطيرة برفع الغطاء أو بالحديث عن تسويات أوضاع من لجأ الى فلسطين المحتلة بعد عام 2000، وربط أية تسوية في لبنان بمصير عملاء ساهموا بقتل لبنانيين خدمة لـ «إسرائيل» وحملوا جوازات سفر دولة الاحتلال وارتكبوا كلّ موبقات التآمر والتعذيب والتنكيل خدمة لعدوّ وجودي غاصب، إنه جزء كبير من مسؤولية تتحمّله سلطة الفساد السياسية الطائفية والمذهبية…

اليوم هناك سكوت شبه تامّ من قوى اليمين اللّبناني السياسية التي راهنت ولا تزال على المشروع الصهيوني. وهم ممثّلون بالمناسبة في الدولة والسّلطة وإداراتها وفي سلطة اتخاذ القرار بحجّة أننا محكومون بالعيش سوياً ، وهؤلاء لن يسكتوا عن سقوط الجزار العميل الفاخوري، وسيستخدمون مشرط توسيع الثقوب في الجسد اللبناني للسّماح بالتدخّل الأميركي والإسرائيلي لمنع سقوط أقرانه من العملاء الذين يتمّ مسح سجلاتهم الإجرامية من «النشرة». ألم تتدخّل سفارة أميركا بعصاها في حماية ما أنجز من تخريب للسّلم الأهلي جراء حادثة قبرشمون وما تلاها؟

إنّه يا سادة ليس زمن الأميركي ويمينه المحافظ، لأنّ العالم الذي اهتزّ لهجوم بعشر مسيّرات صغيرة على محطة أرامكو النفطية لا يمكنه تحمّل حرب كبيرة قد توقف تدفّق أكثر من خمسة ملايين برميل يومياً من نفط العالم وتغلق الممرّات الملاحيّة الحيويّة.. هجوم يدلّنا على ما يمكن أن يحدث في حال وقوع حرب واسعة وشاملة في المنطقة. وهو طبعاً ليس زمن 14 آذار يوم بانت وظهرت أنياب وأظافر المحافظين الجدد من اليمين اللّبناني بمسلميه ومسيحيّيه، لأنّ سياسة ترامب تقضي باستخدام من ينفّذ مشروعه التكتيكي السّريع والمربح وعندما تحين لحظة رميه يُصار الى ذلك من بوابة القذف نحو مزابل التاريخ، فحتّى صهيونية جون بولتون لم تشفع له في مساره العنصري والهمجي في خدمة المشروع الإسرائيلي، فما بالك بعميل صغير لا يشكّل نقطة ببحر من شغّلتهم أميركا وأدواتها في مشروع القتل والاغتصاب والذبح والتنكيل. فهي نهاية ساقطة وذليلة لمن راهن ولا يزال على أميركا ومشاريعها، وعلى الصهيونية واحتلالاتها، وعلى أدوات الداخل وسرقاتها وفسادها وتسلّطها. إنّه يوم حزين ونذير شؤم يوم تمّ اصطياد العميل الجزار، فمعه تساقطت كلّ الأوراق الداخلية لبعض القوى السياسية المستقوية بالحماية الطائفية والمزايدات في الخطاب التطرّفي المجبول بالعنف، ومعه تساقطت ورقة العملاء الستّينية التي يتمّ تسوية أوضاعهم خلسة وبخسّة، ومعه انكشفت زمرة مسؤولين مستعدّين لتقديم بدل خدمات لكلّ عميل بنزع اسمه وتبييضه من سجلات الإجرام والتجزير. فوحده القضاء قادر على إنصاف المظلومين ممّن ظلمهم إجرام العملاء في معتقل الخيام وغيره من المعتقلات في سجون الكيان الصهيوني، وإلاّ فإنّ تنفيذ حكم الشعب يصير واجباً محتوماً ولتتنحّ سلطة الفساد والطائفيّة جانباً… فهذا هو المنطق الحتمي لتاريخيّة الصّراع مع عدوّ غاشم وعملاء هم أجبن من أن يسلّموا أنفسهم علناً ويعترفوا بارتكاباتهم لجرائم ضدّ الإنسانية…

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى