إيداع 15 مليار دولار في اينستكس… انتصار إيران وتراجع الغرب

حسن حردان

أن توافق الدول الأوروبية على الاستجابة لطلب الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإيداع 15 مليار دولار في الآلية المالية الأوروبية للتعامل مع إيران « اينستكس» على ثلاث دفعات مقابل مبيعات من النفط الإيراني، فإنه أمر له دلالات هامة.. فهو يعني انتصاراً جديداً لطهران، وتراجعاً غربياً واضحاً لا لبس فيه أمام صمود إيران وصلابة موقفها المترافق مع فرضها معادلات قوة وردع في مواجهة الضغوط والتهديدات الأميركية ومحاولات فرض الحصار على صادرات النفط الإيرانية بهدف دفع طهران للرضوخ لشروط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما يعني نجاح إيران في فرض معادلة تقوم على ربط عودتها عن تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي بالتزام أوروبا بتعهّداتها في الاتفاق بفتح القناة المالية للتجارة مع إيران ووضع مبلغ 15 مليار دولار لقاء بيع كميات من النفط الإيراني من الآن حتى نهاية السنة، وبالتالي كسر الحصار الاقتصادي الأميركي المفروض على الجمهورية الإسلامية. كما يعني التراجع الأوروبي نجاح طهران في رفض أن يكون هذا المبلغ بمثابة قرض لشراء احتياجاتها الخارجية.. على أنه كان من اللافت أنّ هذا التراجع الغربي جاء بعد تطوّرين لافتين:

التطور الأول.. بدء إيران في تنفيذ خطوتها الثالثة لناحية تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي وهي قضت بزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي لرفع نسبة تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز الـ 4.5 بالمئة وصولاً إلى 20 بالمئة، الأمر الذي يمكّن إيران من زيادة إنتاج كميات اليورانيوم المخصب وإنتاج الوقود النووي لتشغيل محطات الطاقة النووية وكذلك تشغيل مفاعل آراك للأبحاث العلمية والطبية، وهو ما جعل أوروبا وأميركا تسارعان إلى الموافقة على مطالب إيران، لأنّ الإصرار على الاستمرار في سياسة الحصار سوف يجعل إيران تخرج نهائياً من الاتفاق النووي وتصل إلى العتبة النووية التي تجعلها مستقلة في تأمين كلّ احتياجاتها من الوقود النووي بقدراتها الذاتية، وكذلك تطوير أبحاثها العلمية ودخول سوق التجارة الدولية في مجال الطاقة النووية ومنتجاتها، والتي تحتكرها الدول الكبرى.

التطور الثاني.. كما يأتي هذا التراجع الغربي بعد أيام على قيام الرئيس الأميركي ترامب بإقالة مستشاره للأمن القومي جون بولتون المعروف بموقفه المتشدّد إزاء الموقف من إيران، وإعلان ترامب في أعقاب ذلك عن موافقته على تقديم حوافز اقتصادية لطهران، الأمر الذي اعتبر بمثابة ضوء أخضر أميركي لأوروبا للموافقة على طلب إيران وضع مبلغ الـ 15 مليار لقاء بيع كميات من نفطها..

هذه التطور إنما يؤشر بوضوح إلى انتصار جديد للجمهورية الإسلامية في صراعها الدائر مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيون، وانّ هذا الانتصار يؤكد فشل استراتيجية الحصار الاقتصادي التي اعتمدها ترامب في مواجهة إيران، التي أسقطت ايضاً محاولات التهويل عليها بالحرب العسكرية عبر حشد حاملات الطائرات والبوارج والسفن الحربية الأميركية في الخليج عندما اتخذت قراراً شجاعاً وجريئاً في إسقاط طائرة التجسّس الأميركية وإعلان استعدادها لمواجهة أي حرب تشن عليها.. مما جعل واشنطن تتهيب الأمر وترتدع، فيما جاء ردّ إيران على القرصنة البريطانية باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية في مضيق جبل طارق، باحتجاز ناقلة بريطانية في مضيق هرمز خالفت قواعد الملاحة.. ونجحت في إجبار بريطانيا على الإفراج عن ناقلتها المحملة بالنفط وإكمال مسارها والوصول إلى أحد الموانئ السورية وإفراغ حمولتها فيه، مما وجه صفعة قوية للولايات المتحدة وبريطانيا وشكل ضربة موجعة لسياسة الحصار الغربي المفروض على سورية…

من هنا فإنّ الرضوخ الأميركي الغربي لمطلب إيران عبر التزام أوروبا عملياً بجزء من تعهّداتها في الاتفاق النووي والمباشرة بالعمل في الآلية المالية المشتركة مع إيران إنما يتوّج نجاح إيران في فرض توازن الردع في مواجهة القوة الأميركية، وكذلك النجاح في الصمود في مواجهة عقوبات وكسر الحصار المفروض عليها، ومنع أميركا من تصفير صادرات النفط الإيرانية، مما أوصل سياسة واشنطن إلى طريق مسدود والفشل في تحقيق أهدافها.. فيما بات عامل الوقت لا يعمل لمصلحة ترامب الذي يحتاج إلى إنجاز ولو شكلي لتوظيفه في حملته الانتخابية الرئاسية للفوز بولاية ثانية، لكن إيران رفضت منحه ذلك وأصرّت على موقفها وشروطها.. فكان لها ما أرادت. . على أنّ ذلك يشكل بداية مرحلة جديدة أصبحت فيها إيران في موقع أقوى للدفاع عن سيادتها واستقلالها وحقوقها.. بما يؤكد تكريس سقوط محاولات تعويم الهيمنة الأميركية بوساطة سلاح العقوبات الاقتصادية، بعد أن فشلت القوة العسكرية في تحقيق ذلك، وفشلت معها الحروب الإرهابية بالوكالة لإسقاط حلفاء إيران في حلف المقاومة وصولاً إلى محاولة عزل الجمهورية الإسلامية.. وهذا يعني مزيداً من الفشل للسياسة الأميركية في المنطقة، وانتصار إيران وتكريس حضورها كقوة إقليمية مستقلة ومتقدّمة، واستطراداً انتصاراً لحلف المقاومة وهزيمة لكلّ الذين راهنوا في المنطقة من كيان العدو الصهيوني وقوى رجعية عربية على انتصار أميركا وهزيمة إيران، تماماً كما هزمت رهاناتهم على إسقاط سورية وسحق والمقاومة في لبنان…

كاتب وإعلامي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى