تحقيق استقصائي يكشف أدلة عن تورّط السعودية والولايات المتحدة بتزويد مجموعات مسلحة بينها «داعش» بالسلاح في اليمن

كشفت الصحافية الاستقصائية البلغارية ديلانا غينانجيفا في تحقيق استقصائي تحت عنوان «ملفات صربيا» بالمستندات والوثائق، تفاصيل حول من يزود مجموعات مسلحة في اليمن وبينها «داعش» بالأسلحة، وأماطت غينانجيفا اللثام عن أدلة تربط عملية نقل الاسلحة بالولايات المتحدة والسعودية ووالد نائب رئيس الوزراء الصربي.

حيث نشرت الصحافية صوراً لجوازات سفر مسرّبة لتجار أسلحة أميركيين وسعوديين وإماراتيين ومسؤولين حكوميين تكشف للمرة الأولى عن شبكة تهريب عالمية لتسليح المقاتلين في اليمن بمن فيهم إرهابيو «داعش» كما كشفت الوثائق المسرّبة نسخ من جوازات سفر لتجار أسلحة هناك:

وقالت غينانجيفا «أخيراً تلقيت وثائق خطيرة من شركة كروسيك لصناعة الأسلحة المملوكة من الدولة الصربية وهي عبارة عن رسائل إلكترونية ومذكرات داخلية وعقود وصور وجداول تسليم ولوائح توضيب تتضمن الكثير من الأرقام عن هذه الأسلحة والجهات التي اشترتها».

وأضافت: «من بين الوثائق المسرّبة وصلتني أيضاً نسخ لجوازات سفر ممسوحة ضوئياً تعود لتجار أسلحة ومسؤولين حكوميين من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات»، مشيرة إلى أنّ «هؤلاء زاروا مصانع أسلحة صربية لشراء أسلحة من قذائف هاون وصواريخ لصالح الحكومة الأميركية ووزارة الدفاع السعودية والجيش الإماراتي لكن بعض هذه الأسلحة انتهى به المطاف بيد الإرهابيين في اليمن».

وفي تتبع أسلحة «داعش» في اليمن لمعرفة مورّديها، أشارت إلى أنه «غالباً ما يمكن مشاهدة قذائف الهاون الصربية التي يصنعها مصنع الأسلحة الصربي المملوك للدولة كروسيك في أيدي إرهابيي داعش في أشرطة الفيديو الدعائية الخاصة بهم في اليمن».

وفي ما يتعلق بقذائف الهاون في فيديوات «داعش» في اليمن، صرّحت الصحافية أنها «اقتفت أثر العديد من قذائف الهاون التي ظهرت أنواعها على نحو واضح وقامت بالاستعانة بالوثائق التي سربت إليها من مصنع كروسيك لمعرفة من الذي طلب واشترى هذه الكميات من الأسلحة»، مؤكدة أن مصدرها صربيا.

وأيّدت تحليلها بصورة أخذت من أحد فيديوهات «داعش» في اليمن تظهر قذائف هاون من عيار 82 ملم أم 74 اتش اي لوت 04/18 من مصنع كروسيك الصربي للأسلحة إلى جانب قذائف هاون من البوسنة والهرسك. وأوضحت بالقول: «الحرفان KV يرمزان إلى كروسيك وفالجيفو المدينة التي يوجد فيها المصنع. أما رموز 04/18 فتعني أن قذائف الهاون من فئة 04 تم إنتاجها عام 2018».

وثيقة: لائحة توضيب قذائف هاون

وعن لائحة التوضيب لـ 10500 قطعة من قذائف الهاون 82 ملم ام 74 اتش اي كي في 04/18. قالت «تظهر أن المرسل هو شركة الأسلحة الصربية Jugoimport SDPR والمرسل إليه هي الشركة الأميركية Alliant Techsystems LLC».

وبحسب الوثائق فإنّ «قذائف الهاون هذه التي ظهرت في شريط الفيديو لداعش في اليمن اشترتها الشركة الأميركية المذكورة أعلاه والمملوكة بالكامل من شركة ATK Orbital لصالح الحكومة الأميركية لتصل إلى الجيش الأفغاني لكن هذا النوع من الأسلحة ظهر مع داعش في اليمن»، بحسب الصحافية. وتابعت في شرح الوثائق قائلة: «هذه الصورة التي نشرها داعش في اليمن بتاريخ 8 آب 2019 تظهر قذائف هاون من عيار 81 ملم M72 HE KV من نوع 01/18 في منطقة زعج في البيضاء. وكما هو واضح من الرموز فإنها مصنّعة في كروسيك في صربيا».

وأوضحت «قذائف الهاون هذه اشترتها وزارة الدفاع السعودية وفق وثائق من الشركة المصنعة كروسيك. أما المصدر فهي شركة GIM الخاصة الصربية التي يمثلها برانكو ستيفانوفيك والد وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء الصربي نيبوج ستيفانوفيك».

وثائق: GIM

وتابعت في سياق التحقيق الاستفصائي «في 1 حزيران 2018 صنعت كروسيك ما مجموعه 11880 قطعة من قذائف الهاون من عيار 81 ملم المذكورة أعلاه والتي ظهرت في صور داعش في اليمن. أما الجهة التي اشترتها فهي شركة GIM الصربية للأسلحة». وأشترت ألى أنّ «ما مجموعه 15 ألف قطعة من قذائف الهاون التي اشترتها GIM من كروسيك تم تصديرها إلى السعودية عام 2018». وتابعت بالقول: «وقعت الشركة الصربية أربعة عقود مع السعودية لتسليمها 517 ألف قطعة منها أحد العقود يعود إلى 2016 والثلاثة الأخرى في 2018 . المصدر من صربيا كان شركة GIM والجهات المستوردة في السعودية كانت شركتي «ريناد الجزيرة» في السعودية و»لاركمونت هولدينغز ال تي دي» Larkmont Holdings LTD وهي شركة خارج الحدود مسجلة في جزر فيرجن البريطانية. أما المستخدم النهائي لهذه الشحنة فهي وزارة الدفاع السعودية».

وفي ما يتعلق بالوسيط في صفقات بيع الأسلحة للسعودية فأكد التحقيق الاستقصائي أنه «كان والد نائب رئيس الوزراء الصربي حيث تظهر رسالة موثقة بتاريخ 27 نيسان 2017 إلى كورسيك لائحة بأسماء ثلاثة من ممثلي شركة GIM وثلاثة من موظفي ريناد الجزيرة الذين زاروا مصنع الأسلحة بهدف التدقيق والموافقة على طلبات الشراء. من بين ممثلي كروسيك كان برانكو ستيفانوفيك أما المسؤولون السعوديون الثلاثة فهم محمد عبد الكريم الحسن سعودي الجنسية وشادي شعراني لبناني يحمل جواز سفر كندياً وزيد حيدر عبد الرحمن ماضي أردني الجنسية . وقد أرفقت جوازات سفرهم بالرسالة التي بعثت بها GIM لكروسيك للحصول على إذن منها لزيارة المصنع».

صفقة خارجة الحدود

وكشفت عن ملاباسات الصفقة المذكورة بالقول: «باعت GIM الأسلحة الصربية المصنعة في كروسيك لوزارة الدفاع السعودية عبر شركة خارج الحدود مسجلة في جزر فيرجن البريطانية هي Larkmont Holdings LTD وفق رسائل إلكترونية مسربة من GIM إلى كروسيك».

وأضافت «بعض الأسلحة التي صدّرتها GIM استوردتها السعودية عبر الشركة المسجلة في جزر فيرجن كما تظهر الرسائل مع الملصقات المرفقة على صناديق قذائف الهاون». أما الأسلحة التي تم تصديرها من GIM إلى السعودية في شهر تشرين الثاني 2018 فتبلغ 845 طناً من الأسلحة».

في حين «لا توجد معلومات حول مالك الشركة المذكورة في جزر فيرجين البريطانية. لكن ارتباطاتها غير المباشرة تؤشر إلى أنها سعودية. إذ أن سجل التجارة القبرصي يظهر أن الشركة المذكورة هي أحد المساهمين في شركة ميلفاردز المحدودة المحلية إلى جانب مواطن سعودي يدعى يوسف العتيبي وهذه الشركة توفر خدمات الأمن والبضائع العامة وخدمات أخرى غيرها»، بحسب الوثائق.

وأثارت شركة GIM التي اشترت الأسلحة من شركة كروسيك بثمن أقل بكثير من زبائن الشركة الصربية الآخرين التساؤلات حول ما إذا كان تمّ الاحتيال على الشركة الحكومية في هذه الصفقات. إذ أنّ هذه الأسلحة لم ينتهِ بها الأمر بيد «داعش» في اليمن فقط بل أيضاً اشترتها شركة GIM بسعر أرخص من سعرها المعروض كما تظهر الوثائق.

وفي التفاصيل، «عرضت كروسيك في البداية الأسلحة على GIM بأسعار تضمن الربح للشركة الحكومية. ومع ذلك في العقود النهائية تم حسم ربح الشركة الحكومية من السعر الذي استفادت منه GIM. أضف إلى ذلك أن السعر الذي دفعته GIM لقاء قذيفة الهاون الواحدة هو أقل من السعر الذي دفعته الشركة الصربية الحكومية الأخرى Jugoimport SDPR حيث يبدو أن الشركة الخاصة تتمتع بامتيازات شراء أسلحة من الدولة بأسعار مخفضة».

ووفق الوثائق المسربة فقد تم «تعمد الاحتيال على كروسيك بمئات آلاف الدولارات لصالح GIM».

رحلات دبلوماسية بالأسلحة

على متن طيران «طريق الحرير»

وأوضحت الوثائق أن «تصدير الأسلحة من GIM إلى السعودية كان عبر شركة طيران طريق الحرير أو عبر البحر من ميناء بورغاس البلغاري إلى جدة في السعودية».

فيما اتضح أنّ شركة «طريق الحرير» للطيران التي كلفتها وزارة الدفاع السعودية بنقل الأسلحة عبر رحلات دبلوماسية هي شركة أذرية مملوكة للدولة. وتظهر وثائق دبلوماسية تمّ تسريبها للصحافية في 2017 أنّ «شركة الطيران المذكورة قامت بـ350 رحلة دبلوماسية وعلى متنها الأسلحة إلى الإرهابيين في سورية وأفغانستان واليمن وأفريقيا».

وكانت الرحلات الجوية مستأجرة من البنتاغون والسعودية والإمارات. ويذكر أنّ الرحلات الدبلوماسية مستثناة من التفتيش والفواتير الجوية. كما أنّ «الشركة نفسها استأجرها البنتاغون لنقل قذائف هاون إلى أفغانستان في أيار 2018 ومثل هذه الأسلحة من النوع نفسه الذي نقل إلى أفغانستان ظهر في فيديو حديث لداعش في اليمن».

وفي 10 آذار 2019 أعادت GIM تصدير الأسلحة من مرفأ بورغاس في بلغاريا إلى جدة في السعودية على متن سفينة الشحن BOW DIAMOND التي ترفع علم جبل طارق.

وفي حزيران 2019 أبحرت سفينة الشحن السويسرية ThorcoBacilisk من مرفأ بورغاس إلى جدة تحمل 21 حاوية تتضمن 43 ألف قذيفة هاون صربية الصنع. بحسب الوثائق المسربة.

شركات خاصة وعقود كروبنيك

كما تكشف الوثائق أنّ «وزارة الدفاع السعودية تعاقدت مع شركات خاصة من الولايات المتحدة والإمارات العربية لشراء ونقل أسلحة صربية». ومثل هذه الشركات غالباً ما تستخدمها أجهزة الاستخبارات في إطار «عمليات سرية تتضمّن نشاطات غير مشروعة في الخارج».

وفق الوثائق المسرّبة «أوكلت إلى هذه الشركات الخاصة مهمة نقل 20 ألف صاروخ غراد من صربيا إلى السعودية في الأعوام 2017 و2018 و2019. لكن المستخدم النهائي لهذه الأسلحة لا يظهر في العقود ناهيك عن أن الجيش السعودي لا يستخدم مثل هذه الصواريخ».

وفي عام 2016 وقعت الشركة الصربية كروبنيك عقداً بقيمة 69.72 مليون دولار مع شركة تصنيع الأسلحة كروسيك لتسليم ألفي قطعة من صواريخ غراد من عيار 122 ملم إلى السعودية. الشركتان وقعتا ثلاثة عقود أخرى لتسليم 9 آلاف قذيفة هاون من عيار 120 ملمILL M87P2 و7600 قذيفة هاون من عيار 82 ملم M74P1 التي تحوي فوسفورا أبيض و85 ألف قذيفة هاون من عيار 82 ملم M74 HE إلى السعودية.

في حين لا ذكر للشركات الخاصة في أي من الوثائق حول الشحنات المصدرة هذه لكن الرسائل المسربة من كروبنيك إلى كروسيك تكشف أن هذه الصواريخ وقذائف الهاون بما فيها القذائف الفوسفورية أخذت من المصانع بواسطة شركات متعاقدة خاصة.

جوازات سفر مسرّبة 2017 2018

أما جوازات السفر المسرّبة فتظهر هويات الأشخاص المتورطين. الدور الدقيق لهؤلاء المتعاقدين ليس محدداً في أي من الوثائق بيد أن جنسياتهم السعودية والأميركية والبلغارية والرومانية تفترض أنهم يقومون بعملية دولية مشتركة.

ففي 17 نيسان 2017 زار ممثلون لشركة كروبنيك الصربية مصنع الأسلحة في زيارة فحص أخيرة للأسلحة المطلوبة مع وفد من ثمانية أجانب هم سعوديان من وزارة الدفاع السعودية وأميركيان من هبتاغون غلوبال ترايدينغ الإماراتية ومواطن أميركي من ARMYTRANS Ltd الأميركية وآخر أميركي وبلغاري ورومانيان يمثلون Tradewinds Logistics Group, USA .

وفي 10 و11 كانون الأول 2018 هؤلاء الأجانب أنفسهم زاروا مجدداً كروسيك لأخذ ما بقي من أسلحة مطلوبة هذه المرة مع أربعة مسؤولين سعوديين من وزارة الدفاع السعودية.

وجرى تقديه الأميركي بول ماكيون ميلر ايفانز Paul McKeon Miller Evans في الزيارة الثانية عام 2018 على أنه «مدير مشاريع في هبتاغون غلوبال ترايدينغ الإماراتية Heptagon Global Trading. وهو نفسه الذي زار كروسيك لتفحص الأسلحة التي اشترتها السعودية كممثل لـArmytrans الأميركية في 2017

أميركي آخر هو هيلمت جي مرتينز Helmut G. Mertins الذي زار كروسيك كمدير لهيبتاغون غلوبال ترايدينغ الإماراتية يبدو أنه تورط في صفقات في البلقان طيلة عشر سنوات. وتظهره صور منشورة على فايسبوك في 2009 إلى جانب إحدى الطائرات التابعة لطيران طريق الحرير في مطار بلوفديف في بلغاريا.

فيما الشركات الأميركية والإماراتية التي زار موظفوها كروسيك لفحص وقبول طلبيات الأسلحة «ليست جزءً من أي عقد مع شركة الأسلحة الصربية». لكن هذه الشركات قبلت ونقلت الأسلحة من صربيا. العنصر المشترك بينها هو «موظفوها الأميركيون». ناهيك عن أن Heptagon Global Trading and Tradewinds Logistics لديهما ارتباطات مباشرة في الولايات المتحدة.

وأضاف التحقيق «أن لهيبتاغون فرعاً في تكساس يديره جاستن هارغروف. الشخص نفسه يظهر على أنه مدير لفرع Tradewinds Logistics في فلوريدا. وكلتا الشركتين تتشاركان العنوان نفسه في الولايات المتحدة 10687 Gaskins Way, Suite 105, Manassas 20109VA».

ونوّه إلى أنه «بالرغم من ذلك لا وجود لسجلات رسمية حول مالكيهما. إذ أن شركة Tradewinds Logistics مسجلة كشركة خارج الحدود في ديلاور الأميركية. ووفق موقعها الإلكتروني تقدم الشركة خدمات النقل الآمن والمرافقة ومعظم موظفيها يحملون تصريحاً أمنياً أميركياً ما يعني أنهم يؤدون عملاً لصالح الحكومة الأميركية. فضلاً عن ذلك تدير الشركة عمليات توريد لصالح وزارة الدفاع في السعودية وتسعى لتوظيف مدير برنامج لمنطقة الخليج. فإن شركتا Tradewinds Logistics and Heptagon Global Trading تتشاركان العنوان نفسه في مناساس في الولايات المتحدة».

صواريخ غراد

ووفق الوثائق المسربة «نقل المتعاقدون الأميركيون 11 ألف صاروخ غراد من صربيا في 2017 و2018 و9 آلاف صاروخ آخر من النوع نفسه في 2019. الأسلحة هذه نقلت من صربيا إلى مرفأ بورغاس في بلغاريا حيث نقلت عبر البحر إلى جدة في السعودية».

2000 صاروخ غراد صربي من كروسيك صدرت من بورغاس إلى جدة في 16 أيلول 2019 على متن سفينة الشحن جورك التي تحمل علم انتيغا باربودا.

كما «اشترت السعودية ما مجموعه 1,286,462 من الذخيرة من مصنع كروسيك للصناعات العسكرية الصربي منذ 2017. هذه الصادرات ليست سوى جزء صغير من شبكة سرية دولية لشحن الأسلحة إلى المسلحين في الشرق الأوسط».

ضرورة استجواب ومحاسبة

من يسلح الإرهابيين

وختمت الصحافية تحقيقها الاستقصائي بالقول: «لقد نشرت وثائق وأدلة تربط هذه الصادرات مباشرة بإرهابيي داعش في اليمن».

وأضافت: «نشرت أيضاً أسماء وجوازات سفر تجار الأسلحة والمسؤولين الحكوميين من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية»، منوّهة إلى ضرورة «استجوابهم ومحاسبة من يسلحون الإرهابيين».

ووجهت دعوة في نهاية التحقيق قائلة: «إذا كانت لديك أي معلومات حول هؤلاء الأشخاص أو أي صفقات أسلحة أخرى غير مشروعة يرجى الاتصال بي هنا والمساعدة في وقف تسليح الإرهابيين وإنقاذ الأرواح».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى