حكومة ميركل تخصّص 100 مليار يورو للمناخ وسط احتجاجات دفاعاً عن البيئة

أعلنت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل أمس، «خطة واسعة لحماية المناخ كلفتها 100 مليار يورو على الأقل بحلول العام 2030»، فيما تظاهر مئات الآلاف لمطالبة قادة العالم باتّخاذ إجراءات ضد الاحتباس الحراري.

واتفقت أحزاب الائتلاف الحكومي، بعد مباحثات ماراثونية ليل أول أمس، على «استراتيجية حول المناخ تستهدف الحدّ من انبعاثات في قطاعي الطاقة والصناعة وتعزيز السيارات الكهربائية وتشجيع الناس على ارتياد القطارات عوضاً عن الطائرات».

وقال مصدر مقرّب من الحكومة أمس «حصل اتفاق مع الكثير من الإجراءات وآلية تحقق سنوية» تهدف الى ضمان أن أهداف خفض انبعاثات الغاز ذات مفعول الدفيئة ستتحقق.

وتضم الخطة مجموعة من التدابير، من معالجة الانبعاثات في قطاعي الطاقة والصناعة إلى حوافز للسيارات الكهربائية ذات الانبعاثات المعدومة أو وسائل النقل العام. وبموجب الاستراتيجية، سيتم رفع أسعار تذاكر الطيران فيما سيتم خفض أسعار تذاكر القطارات. وسيتم ضخ نحو 86 مليار يورو 94 مليار دولار في البنى التحتية للسكك الحديد وسيتم توفير دعم مالي لاختبار وسائل خلاقة لحثّ الناس على استخدام وسائل النقل العام مثل تذكرة سنوية كلفتها 365 يورو.

وجاء في الخطة الكبيرة التي اطلعت وكالة فرانس برس عليها «بحلول 2030، سيتم توفير ما مجموعه مبلغ من ثلاثة أرقام لحماية المناخ وتحوّل الطاقة». وقالت الحكومة إنّ هذا الاستثمار لن يؤثر على خططها للحفاظ على توازن الموازنة، لكن سيساعد على «دعم الاقتصاد».

اتحدوا خلف العلم

وفيما بدا السياسيون بأعين حمراء جراء ليلة المفاوضات الطويلة، رفع المتظاهرون في الشوارع في جميع أنحاء ألمانيا لافتات وملصقات ملونة أثناء توجههم للانضمام إلى أكبر حملة دولية من أجل المناخ حتى الآن أطلقتها الناشطة البيئية السويدية المراهقة غريتا تونبرغ.

وأغلق المتظاهرون جسراً رئيسياً في وسط برلين كما وضعوا شرائط حمراء وبيضاء في العديد من شوارع العاصمة ما أعاق حركة المرور في ساعات الذروة الصباحية.

وفي العاصمة المالية فرانكفورت، نظمت اعتصامات عدة. وإجمالا نظمت احتجاجات في 575 موقعاً في أرجاء ألمانيا.

وقالت ميركل في مؤتمر صحافي «لو أن هناك شيئاً أثار إعجابي، فيجب أن أقول كعالمة إنه عندما قالت غريتا تونبرغ اتحدوا وراء العلم».

وأبدت مجموعات مدافعة عن البيئة اعتراضها على الخطة.

وقالت الناشطة البارزة في حركة إضراب المدارس لويزا نيوباور «ما حصلنا عليه اليوم ليس اختراقاً بل فضيحة».

وانتقدت القائدة المشاركة لحزب الخضر انالينا بيربوك الخطة التي وصفتها بأنها «بطيئة ومهلهلة وغير ملزمة».

لكن زعيمة الحزب الديموقراطي الاشتراكي مالو دراير دافعت عما اسمته حزمة شاملة تعزز من الاستثمارات في البنى التحتية الخضراء فيما تساعد الناس الأقل دخلاً على التكيف مع التحول.

وقالت «من المهم لنا تلبية أهداف المناخ، لكنّ من المهم أيضاً أنّ نعمل سوياً كمجتمع». وبعد صيفين حارين وانضمام آلاف الشباب إلى إضرابات المدارس اسبوعاً بعد اسبوع، بات ملف المناخ في مقدمة أجندة السياسيين في أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.

وبالنسبة للائتلاف الحكومي بقيادة ميركل، فإنّ المخاطر تتزايد.

ومع توقع دخول الاقتصاد بالفعل في انكماش في الربع الثالث من العام المالي الحالي يبدو تحقيق توافق بين مصالح الصناعات التصديرية التي ترتدي أهمية كبرى، وعدم تجاهل الناخبين الشباب بمطالبهم الخضراء، يوماً بعد يوم عملاً يحتاج إلى توازن دقيق.

أزمة مدمرة للحياة

وتأمل ألمانيا تصحيح المسار الحكومي بشأن المناخ لأن الحكومة متأكدة من أنها لن تكون قادرة على تحقيق الأهداف التي كانت حددتها والمتعلقة بتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بحلول 2020. وهي تأمل في التوصل في 2030 إلى تخفيض الانبعاثات بنسبة 55 عما كانت عليه عام 1990.

وتنتج الصناعات الألمانية نحو اثنين بالمئة من الانبعاثات في العالم المسؤولة عن زيادة حرارة الارض وذوبان جبال الجليد وارتفاع منسوب البحار ومضاعفة عنف الظواهر المناخية.

وينصّ مشروع الاتفاق المؤلف من 130 صفحة على استثمارات تبلغ كلفتها ما لا يقلّ عن مئة مليار يورو حتى العام 2030. ولم يتم بعد الكشف عن تفاصيل هذه الاجراءات.

لكنّ نقطة الخلاف الرئيسية كانت في كيفية وضع تسعير أفضل لانبعاثات الكربون الضارة من النفط والغاز والفحم في النشاط الاقتصادي من أجل تحفيز البدائل النظيفة.

وفيما يريد حزب ميركل توسيع تجارة شهادات الانبعاث، يدعو الحزب الديموقراطي الاشتراكي إلى فرض ضريبة على الكربون.

وتعرف ميركل، وهي عالمة أساساً، بلقب «مستشارة المناخ» لأنها دفعت إلى الأمام عملية تحول كبيرة في الطاقة الخضراء أدت إلى زيادة كبيرة في مصادر الطاقة المتجددة النظيفة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

ومع ذلك، تآكلت الكثير من هذه المكاسب بسبب الاعتماد المتزايد على الفحم المسبب للتلوث، من اجل التعويض جزئياً عن التخلص التدريجي بحلول 2022 من الطاقة النووية التي قررتها ميركل بعد كارثة فوكوشيما في اليابان في العام 2011.

وأعلنت حكومتها هذا العام عزمها على التخلص تدريجياً من الفحم بحلول عام 2038، لكنها تواجه معارضة محلية من مناطق التعدين، خاصة في الشرق الشيوعي السابق حيث استفاد حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف من المخاوف بشأن فقدان الوظائف.

كما تأخرت ألمانيا المهووسة بالسيارات بشدة في قطاع النقل، إذ ركزت شركات السيارات العملاقة منذ فترة طويلة على إنتاج سيارات الدفع الرباعي التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود أكثر من السيارات الكهربائية الهجينة أو الخالية من الانبعاثات. وتضع حكومة ميركل في اعتبارها 800 ألف وظيفة مرتبطة بقطاع السيارات، لذا فهي حريصة وتعلم أن فرض ضرائب بيئية جديدة قد يطلق احتجاجات على شاكلة احتجاجات «السترات الصفراء» المناهضة للحكومة التي هزّت فرنسا المجاورة.

لكن الشباب يحذرون من أن تأخير العمل ليس خياراً، حيث يعتبرون التهديد وجودياً مع عواقب مدمرة خلال حياتهم.

وقال لينوس شتاينمتس الناشط في الحركة الطالبية «نحن في طريقنا إلى أزمة مدمرة للحياة ولم يتصرف أحد حتى الآن»، وتابع «لذا نزيد الضغط. معاً نحن أقوياء».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى