الحريري يحمل رسالة سعودية إلى باريس… وينقل عن ماكرون مشروع تهدئة والتزاماً بـ«سيدر نصرالله: رسالة محورنا القويّ أوقفوا الحرب على اليمن… وإعادة النظر بملف العملاء واجبة

كتب المحرّر السياسيّ

حسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوقعات حول كيفية تعامله مع الضربة الموجعة التي تلقاها في استهداف أنصار الله لمجمع أرامكو، والنتائج المادية التي تركها على الاقتصاد العالمي واسواق النفط، والتعهدات الأميركية بحماية السعودية والمصالح النفطية، فقد عكس ترامب المناخ الأميركي الداخلي الرافض للتورط في حرب، باللجوء إلى الإعلان عن حزمة عقوبات جديدة على إيران وصفها بأنها الأشد قسوة. وهو الوصف الذي اعتاد أن يطلقه على كل عقوبات يقرر تطبيقها على منشآت ومؤسسات وشخصيات إيرانية. وبدا أن النقاش الداخلي الأميركي الذي عكسته صحيفة نيويورك تايمز، أفضى إلى صرف النظر عن التورط في مواجهة، وتفضيل ترك الباب موارباً أمام المساعي الفرنسية للوساطة بين واشنطن وطهران.

النيويورك تايمز قالت في مقال افتتاحي كتبه نيكولاس كريستوف، تحت عنوان لسنا مرتزقة لدى السعودية ، الحرب الكاملة مع إيران ستكون كارثة. لدى إيران أضعاف عدد سكان العراق وستكون عدوًا أكبر بكثير مما كان عليه الحال في العراق، لذلك فإن ترامب لديه معضلة حقيقية: قد يُنظر إلى التقاعس على أنه ضعف، في حين أن الضربات العسكرية قد تتصاعد وتجرنا إلى كارثة. لكن هذه معضلة صنع ترامب .

وختمت الصحيفة المقال بالقول لا نحتاج أن نكون كلب الحراسة في المملكة العربية السعودية. نعم، إيران تهديد للأمن الدولي – وكذلك السعودية. المملكة العربية السعودية هي التي اختطفت رئيس وزراء لبنان وتسببت في انشقاق مع قطر وخلق أسوأ أزمة إنسانية في العالم في اليمن، وقتلت بدم بارد كاتب في الواشنطن بوست هو جمال الخاشقجي. هذا صراع بين نظامين كئيبين للقمع يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة. واقتراح ترامب بأننا سنحصل على رواتب جيدة للدفاع عن المملكة العربية السعودية هو إهانة لقواتنا، ويصفهم بالمرتزقة، يجب أن تكون مهمتنا بدلاً من ذلك التعاون مع الدول الأوروبية للخروج من هذا الوحل وإيجاد طريقة للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني. لسوء الحظ، بدون الاتفاق النووي الإيراني، كل الخيارات سيئة. يجب أن نبحث عن طرق للعودة إلى الاتفاقية، مع تعديلات لحفظ ماء الوجه من شأنها أن تسمح لكل من ترامب والزعيم الإيراني الأعلى بالانتصار .

بالتوازي مع الاصطفاف الأميركي على خط الابتعاد عن اللغة الحربية تموضعت السعودية على ضفاف السعي للوساطات، في طلب التقدم بمشروع لتحقيق دولي تتبنّاه الصين، كما نقلت مصادر مطلعة عن الاتصال بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وكذلك في الرسالة التي حملها رئيس الحكومة سعد الحريري إلى باريس من الرياض لتفعيل مساعي الوساطة بهدف التهدئة، بعد الزيارة السريعة للحريري إلى السعودية قبيل سفره إلى باريس، والتي أجاب عنها الحريري بالنيابة عن ماكرون بالإيجاب ناقلاً عنه مع التعهّد بالسير بالتزامات مؤتمر سيدر لدعم الاقتصاد اللبناني، قيادة مساعٍ للتهدئة في المنطقة. وكان لافتاً أن يتناول الحريري عملية أرامكو بلغة هادئة وصفية بعيدة عن الاتهامات واللغة العالية السقوف، بينما كانت صنعاء تمدّ يدها للرياض بمبادرة لوقف الاستهداف المتبادل، فأعلن رئيس المجلس السياسي اليمني مهدي الشماط وقف عمليات الطائرات المسيّرة وإطلاق الصواريخ نحو المملكة من طرف واحد، آملاً برد التحية بمثلها بخروج السعودية من خيار الحرب والعدوان على اليمن، معتبراً أن الإشارة الأهم ستكون فتح مطار صنعاء، وهو ما كشف المشاط أنه محور اتصالات يجريها المبعوث الأممي مارتن غريفيث.

النصيحة للسعودية بالخروج من الحرب على اليمن كانت عنواناً رئيسياً في كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي أكد أن الضربة الثانية ستكون أشد قسوة، ناصحاً مَن بيوتهم من زجاج ومدنهم من زجاج موجهاً كلامه للإمارات أيضاً، فليخرج من هذه الحرب الظالمة على اليمن، وإلا تخبزوا بالفراح ، بينما تناول السيد نصرالله بلسان محور المقاومة القوي والشجاع تعميم هذه المعادلة على كل حروب المنطقة، نافياً أن تكون المقاومة معنية بالتنافسات الانتخابية بين أطراف كيان الاحتلال، فكلهم مجرمون وقتلة وعنصريون ويمثلون العدو نفسه ، ليمنح وقتاً لقضية العملاء التي فتح ملفها مع العودة الغامضة والملتبسة والمشبوهة للعميل عامر الياس الفاخوري، واضعاً مفردة المبعدين قيد التمحيص والتدقيق وصولاً لنفي صحتها، واعتبار أصل الملف هو ملف العملاء مهما تفاوتت مستويات التعامل، ويجب ضبط التعامل معه وفقاً للقانون، فالعميل يُحاكم وفقاً لأفعاله، ولا تسقط الأحكام بحقه بمرور الزمن، ولا يقبل في محاكمته أحكاماً هزيلة.

كلمة السيد نصرالله

على المستوى الداخلي وأبعاد الملفات الإقليمية كانت كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مليئة بالمواقف والرسائل الداخلية والخارجية، مؤكداً أنّ «حتّى هذه اللحظة، قرار مواجهة المسيّرات كان له تأثير واضح على عدد الخروقات»، موضحًا في موضوع العملاء وملف اللبنانيين الّذين هربوا إلى «إسرائيل» عام 2000، أنّ «هناك عملاء تعاملوا مع إسرائيل قبل العام 2000 وكانوا خدمًا عند الإسرائيلي. هؤلاء عملاء ويجب أن تتمّ محاكمتهم، والعميل هو عميل والجميع شركاء وكلّهم عملاء ويجب أن يُعاقَبوا، والعقاب يكون على أساس الجريمة». وفسّر أنّه «عندما يكون العميل مجرمًا وقاتلًا ومفسدًا في الأرض، يجب أن يكون حسابه مختلفًا وشديدًا وقاسيًا، ومحاكمة العملاء من الثوابت، ولا أحد في لبنان من فصائل المقاومة ساوم عليه أو عمل على بيع وشراء بالحدّ الأدنى عدا الآخرين».

وذكّر أنّ منذ سنة 2000 وقبل التفاهم مع التيار الوطني الحر في موضوع أهالي العملاء. للتوضيح لا يوجد شيء اسمه مُبعَدون إلى إسرائيل ، بل هناك مَن هرب إلى إسرائيل ، وأوضح نصرالله أنّ عودة العميل عامر الفاخوري أضاءت على ملف سقوط الأحكام مع مرور الزمن، وهذا يحتاج إلى مناقشة قانونيّة، وأصلًا الحكم الغيابي بحقّ قاتل مجرم 15 سنة هو ضعيف وهزيل، ونحن سنعالج الموضوع قانونيًّا من خلال النقاش مع الكتل الأُخرى.

وفي ملف النازحين السوريين قال نصرالله إنّ هناك شيئًا جديدًا في منطقة القصير وقد تأخّرت العودة إلى هذه المنطقة، وقبل أشهر عدّة وبناءً على قرار القيادة السورية ورغبة الأهالي، حصل تواصل ورتّبنا الوضع بما يتناسب مع عودة كاملة لأهالي القصير، ويهمّنا الإعلان لأهالي القصير وبلدات القصير عن التسجيل عند الأمن العام اللبناني لإعادتهم إلى بلداتهم ابتداءً من اليوم ، مبيّنًا أنّه لا يوجد أيّ تغيير ديمغرافي في سورية، وكلّ هذه شعارات كاذبة لإعطاء الصراع بعدًا طائفيًّا ومذهبيًّا .

ولفت من جهة ثانية، إلى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو فشل في الحصول على الأغلبيّة لتشكيل حكومة إسرائيليّة، ونحن أمام المشهد القائم نستطيع فهم أزمة القيادة في كيان العدو. وهذا الموضوع لا سابق له بعد فقدان القيادة التاريخيّة والتشتّت بالأصوات والأحزاب ، كاشفًا أنّه لا يهمّنا من يفوز في الانتخابات، فالعدوانيّة واحدة مهما كانت التشكيلة الحكوميّة .

وبالنسبة إلى استهداف شركة أرامكو من قبل الحوثيين ، فأكّد أنّ لا شكّ أنّ الحدث كان مهمًّا جدًّا وهزّ المنطقة وترك صدى وارتدادات مهمّة في العالم، وحين نتوقّف عند هذا الحدث نقول إنّه للأسف الشديد يتبيّن سواء في الرأي العام الدولي أو الإعلام السياسي كَم أنّ النفط أغلى من الدم. ففي هذه المنشآت لم يُقتل أحد بل هي منشآت حديد ونفط قامت الدنيا ولم تقعد، ولكن على امتداد 4 أعوام وبشكل يوميّ تقصف طائرات العدوان السعودي الإماراتي – الأميركي الشعب اليمني وتقتل النساء والأطفال، وهذا الموضوع لا يؤثّر بأحد .

وبيّن نصرالله أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدّث يمينًا ويسارًا ويعتبر أنّه بحال أراد المساعدة، على السعودية والعرب دفع الأموال. والمعادلة الوحيدة والطريق الوحيد الموصِل للحلّ هو وقف الحرب الظالمة ضدّ اليمن وترك اليمنيين للحوار. أمّا الاستعانة بالأميركي بالبريطاني والأميركي فلن تؤدّي إلّا للدمار ، مفيدًا بأنّ المحور المقابل قويّ جدًّا، وما حصل مع أرامكو من مؤشّرات قوّة المحور . وأعلن أنّ الّذين يقاتلون في اليمن مستعدّون للذهاب بعيدًا بعيدًا بعيدًا في الدفاع عن أنفسهم، وترامب يريد الأموال وليس الحرب وهو يريد الانتخابات، والرهان فاشل على الإدارة الأميركية الحاليّة الفاشلة .

الحريري في باريس

في شأن لبناني آخر كانت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري موضوع متابعة حيث قالت أوساط مطلعة على اللقاءات التي أجراها رئيس الحكومة سعد الحريري في باريس، إنّ «المسؤولين الفرنسيين طلبوا من لبنان تقديم تعهّدات عملية حول مدى التزامه بإصلاحات «سيدر» خلال مهلة شهرين»، كما تمّ الاتفاق بين لبنان وفرنسا بحسب المعلومات على انعقاد لجنة المتابعة الاستراتيجية لمؤتمر سيدر في 15 تشرين الثاني المقبل في باريس».

وعن النتائج التي حققتها زيارة الحريري، قالت مصادر إعلامية إن الزيارة بدّدت المشكلة التي حصلت مؤخراً مع فرنسا على أثر التفاوض مع إيطاليا لتأمين معدات للجيش اللبناني لحماية الحدود البحرية وتم الاتفاق على شراء قسم من المعدات الفرنسية .

ولم يحدّد موعد قريب لزيارة الرئيس الفرنسي الى لبنان.

ويشير خبراء ماليون لـ البناء الى أنّ سيدر ليس الحلّ للأزمة المالية والاقتصادية القائمة ، معتبرين أنّ الوضع الاقتصادي والمالي الصعب لا يحتمل مزيداً من التأخير وأنّ الحلّ يكون بخطة اقتصادية شاملة منها اعتماد الطرق التقنية لحماية الاحتياطات النقدية بالدولار، وتخفيض الاستيراد من الخارج الى أقصى حدّ وتعزيز القطاعات الإنتاجية، وإعادة هيكلة الدين العام ، موضحين أنّ الدين العام هو المشكلة الأكبر في لبنان وإيجاد الحلول لها يسهّل الطريق أمام عملية الإنقاذ ، وحذرت مصادر مالية من شروط سياسية ومالية مقابل حصول لبنان على أموال سيدر التي إن أتت ستكون على دفعات وليس بشكل كامل . وأوضحت لـ البناء أن هذه الشروط تتعلق بفرض مزيد من الضرائب كالضريبة على القيمة المضافة وتعرفة الكهرباء وإعادة النظر برواتب القطاع العام كما عرضها المسؤول الفرنسي بيار دوكان خلال زيارته الاخيرة الى بيروت .

ويلفت الخبراء الى أنّ ما وصلنا اليه اليوم هو نتيجة السياسات المالية والاقتصادية والنقدية الخاطئة منذ عقود ، موضحين أن هناك مَن يحاول إنقاذ لبنان لكن هناك طبقة رأسمالية تمنع أحداً من الاقتراب من مصالحها ولو احترق البلد .

وكان لافتاً موقف الحريري حيال التصعيد العسكري الاخير بين السعودية واليمنيين واستهداف «أرامكو»، واعتبر أن «المملكة لها حق الرد بما تراه مناسباً، ففي النهاية، هو هجوم على أراضيها وعلى سيادتها». لكن مصادر تساءلت ألا يعتبر كلام الحريري انحيازاً لدولة عربية دون اخرى وخرقاً لسياسة النأي بالنفس؟ ولماذا يمنح الحق للسعودية بالدفاع عن نفسها ولا يعطي هذا الحق أيضاً لليمنيين بالدفاع عن أنفسهم؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى