الولايات المتحدة الأميركية تحرّك دبلوماسيتها

روزانا رمّال

لا يمكن التعاطي مع القصف الذي طاول «أرامكو» السعودية بمعزل عن الحسابات الإيرانيّة ونياتها تجاه السعودية والولايات المتحدة الأميركية. والاستهداف الذي جرى هو بموافقة ما يُعرف «بمحور إيران» واطلاعه على الخطوة الحوثية الكبيرة وغير المسبوقة منذ اليوم الاول للحرب على اليمن، بل منذ عقود في الخليج. وعلى هذا الأساس تحرّكت المواقف باتجاه إيران لتستهدف خطوتها التصعيدية، إلا أن المتوقع من الأميركيين جاء مخيّباً للآمال السعودية ولأغلب الحلفاء الذين أدركوا أن الخيار العسكري مستبعَدٌ وغير وارد عند واشنطن.

اللافت أن القصف الحوثي «أنصار الله» أتى على مقربة من انعقاد الجمعية العمومية بالامم المتحدة والحديث عن امكانية حصول لقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس حسن روحاني هو اغلب ما يسيطر على حديث الصحافة الأميركية والاسرائيلية معاً. ما يعني ان إيران كانت ترسل رسالة واضحة لترامب الذي لا يزال يعبر عن هذه الرغبة مع توجّه رؤساء الدول الى نيويورك مفادها «أننا كإيرانيين لا نبالي بنسف هذا اللقاء او مستعدين للتضحية فيه ولسنا متحمسين كثيراً لمنح ترامب موقفاً شعبوياً بهذا الحجم من لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني بدون أي تقدم ملموس بالمواقف الأميركية حيال طهران ليصبح اللقاء «يتيماً» يستفيد منه ترامب فقط بدون أن يعتبر إنجازاً للإيرانيين. وعلى هذا الأساس وإن صحّت رغبة ترامب باستعداده لقاء روحاني على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. فإن هذا يعني شيئاً واحداً وهو «أن الولايات المتحدة الأميركية تجد في هذا اللقاء فرصة»، بل حاجة وضرورة لا يمكن تفويتها ولو اقتضت تجاهل أو تأجيل معالجة الغضب السعودي الكبير والاستنفار حيال استهداف «ارامكو» وما لها من رمزية كبرى. وهو لافت أيضاً استمرار تعبيره عن رغبته بلقاء روحاني حتى بعد الحادثة التي هزّت الخليج.

منذ اليوم الأول لحادثة «أرامكو» تحرّكت الدبلوماسية الأميركية نحو الرياض للدعم، لكن شكل الدعم لا يزال حتى اللحظة غير فعّال بالنسبة لطموحات السعوديين وبعد إعلان وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو أن الولايات المتحدة تسعى لتجنّب الحرب مع إيران أمس، أكد بما يشبه التوضيح للصحافة الأميركية أن القوات الأميركية الإضافية التي تقرّر إرسالها لمنطقة الخليج هي للردع والدفاع أي أنها ليست قوات «هجوم».

أضاف بومبيو لـ «فوكس نيوز» أنه على ثقة من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيتخذ إجراء إذا لم تنجح إجراءات الردع هذه، وأن القيادة الإيرانية تدرك ذلك وكأنها لحظة «تخدير» سعودية لا أكثر.

وبالعودة للزيارة التي اجراها بومبيو الى الرياض بعد الحادثة فهي لا شك وضعت بإطار الزيارة الرعوية للسعودية فهي الشريك الاول للولايات المتحدة في المنطقة وبالتحديد تعتبر أرامكو واحدة من أكبر المصالح الأميركية في العالم وعلى هذا الأساس صارت الرؤيا السعودية تجاه التعامل مع إيران اليوم أكثر وضوحاً. فإذا كانت واشنطن غير مستعدة للتحرك باتجاه عمل عسكري بعد هذا النوع من الضرر المعنوي والمادي الكبير الذي لحق بمنشأة نفطية هي رئة للمنطقة والعالم فمتى عساها تتحرّك؟

تؤكد مصادر متابعة لـ«البناء» ان «الدبلوماسية الأميركية تنشط في هذه الفترة بشكل غير مسبوق بالمنطقة حيال هذا الملف لا من أجل التصعيد، وإنما من أجل وضع هامش لضبط النفس وتؤكد أن واشنطن ليست بوارد التفكير بأي عمل عسكري رداً على هذا الحادث تحديداً لأن أي عمل لن يكون إلا من ضمن قرار حرب كبرى تتخذها واشنطن. الأمر الذي لا تستعد له ادارة ترامب حالياً».

وبهذا الإطار يتعرّض ترامب لسلسلة انتقادات محلية أتى آخرها على لسان رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي التي حذّرت الرئيس ترامب من مغبة توجيه أي ضربة عسكرية على إيران رداً على هجوم أرامكو مبدية قناعتها أن واشنطن ليست مسؤولة عن حماية أمن السعودية.

التراجع الأميركي اللافت عن الإقدام باتجاه أي خطوة رادعة يضع الرد الأميركي اليوم باتجاه كل ما يعتبر محصوراً ضمن رفع العقوبات اكثر على إيران وعلى حلفائها في المنطقة من دون أن يتعدّى ذلك الامر تحدياً عسكرياً، رداً من نوع آخر قد يأخذ واشنطن نحو تحرك، لكنه تحرك يكلف السعودية تحديث منظومتها الدفاعية وهو بحد ذاته مكسب مالي مهم لواشنطن. الأمر الذي يفسر كلام وزير الدفاع مارك اسبر حيال الهجمات قائلاً «الآن، نحن نركز على مساعدة السعودية لتطوير بنيتها التحتية الدفاعية كما قال الرئيس ترامب بوضوح «الولايات المتحدة الأميركية لا تسعى لصراع مع إيران».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى