جلسة المادة 95 على خط بعبدا عين التينة… وإعمار سورية ليس مفتوحاً للبنان بلا سياسة

كتب المحرر السياسي

وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره المؤجل بالإنسحاب من سورية على الطاولة، دون أن يوضح ما إذا كانت الخطوة الأولى منه جزئية او تدريجية او شاملة، وواكبت وزارة الدفاع الأميركية القرار باتصال بوزارة الدفاع الروسية، بينما كان العنوان هو الاتصال الذي أعلن بعده الرئيسان الأميركي والتركي قرار الانسحاب الأميركي وبدء تركيا تنفيذ مشروعها للمنطقة الآمنة، وأتبع ترامب قراره بالتنصل من التزاماته نحو الجماعات الكردية، التي راهنت على حمايته، قائلاً لقد قدمنا لهم المال والسلاح. كما دعا ترامب أوروبا لحل مشكلة معتقلي داعش مع الأكراد، الذين وصفوا الخطوة الأميركية بالطعنة في الظهر، قبل أن ينذر ترامب تركيا بتدمير اقتصادها إذا تخطت الحدود المقبولة في عمليتها، معززاً اقتراحه بتعاون أوروبا وروسيا وسورية والعراق وإيران وتركيا والأكراد لإيجاد تسويات، لكن كل ذلك لم يمنع حقيقة أن الارتباك يسود الحسابات والمواقف الأميركية والأوروبية والتركية والكردية، بينما الهدوء يسود على جبهة سورية وإيران وروسيا. فالجبهة التي كانت واحدة بوجه سورية وحلفائها تتصدع وتتهاوى، وتدمر بعضها بعضاً. بينما تقف الجبهة المقابلة بلغة المنتصر تراقب وتنتظر التوقيت المناسب للتدخل لفرض مشروعها، سواء في جبهة إدلب أو في شمال شرق سورية. فالأتراك إن نجحوا بتدمير الجماعات الكردية سيفقدون مبرر البقاء، وإن فشلوا ودخلوا حرب استنزاف، وهذا هو المرجح سيضطرون للبحث عن مخرج، مثل القيادات الكردية. والمخرج الوحيد هو التسليم للدولة السورية التي تستعد لمبادرات سياسية وعسكرية بحجم التطورات المقبلة التي تندرج تحت عنوان هزيمة مشروع الحرب وانتصار الدولة السورية ومشروعها، مهما كانت التعرجات، خصوصا ان خلفية قرار الانسحاب الأميركي واضحة، وهي استشعار قرب نهاية فرص البقاء بعد معركة إدلب وانتصارات الجيش السوري فيها، وسقوط الرهان على مقايضة الاحتلال الأميركي بالوجود الإيراني.

قرابة منتصف ليل أمس، بدا الأتراك عمليتهم العسكرية في شمال سورية، كما قالت وكالة سبوتنيك الروسية وأكد الإعلام السوري، وتوقعت مصادر معنية عسكرياً، ان المرحلة الأولى التي تتمثل بالقصف البري لن تكون هي المحطة الفاصلة التي ستبدأ مع تقدم القوات التركية، وما سيفعله المسلحون الأكراد في مواجهتهم، وما إذا كانت قيادتهم ستبادر للتوجه نحو دمشق لتسليم مناطق سيطرتها، أم ستراهن على حرب استنزاف للهجوم التركي.

لبنانياً، ثلاثة ملفات تحركت أمس، الأول ملف جولات رئيس الحكومة سعد الحريري، التي بدأت من ابوظبي لشرح تداعيات ترك الوضع المالي اللبناني يواجه استحقاقات خطيرة وحده، ومطالبته بتحمل مسؤوليات كبيرة لا يملك قدرة مواجهتها، خصوصاً في ملف النازحين السوريين، وملف مكافحة الإرهاب، حيث سينجم عن المزيد من الضغوط المالية على لبنان درجة عالية من الفوضى والضعف في مقدرات الدولة. وبالتالي ستكون أولى التداعيات مغادرة موجات من النازحين السوريين نحو اوروبا، وتراجع قبضة الأجهزة الأمنية اللبنانية التي ستنشغل بمواجهة فوضى الشارع الغاضب، وبالتالي تفلت التنظيمات الإرهابية نحو ساحات أخرى. وقالت مصادر متابعة إن هذه الصورة سينقلها الرئيس الحريري للعواصم الخليجية والأوروبية طالبا مساهمات عاجلة مالياً تحول دون التدهور وخروج الأمور عن السيطرة، شارحاً كما تقول المصادر إنه فعل في دولة الإمارات، أن الضغوط على الواقع المالي اللبناني بفرضية إضعاف حزب الله لا تأخذ بالحساب أن حزب الله الذي يتأثر بالضغوط هو آخر من سيمسع صراخه من اللبنانيين الذين ستسقط دولتهم، وتسقط زعاماتهم من حلفاء العرب والغرب، قبل أن يصاب حزب الله إصابات مباشرة.

الملف الثاني هو مناقشة المادة 95 من الدستور في المجلس النيابي في جلسة حددها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بعد تبلغه رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون. وقالت مصادر برلمانية إن نقاشا يجري حول كيفية تفادي تحول المناقشة إلى تجاذبات واستقطابات طائفية في توقيت دقيق يمر به البلد وسط أزمة اقتصادية خانقة، تطرح تحركات في الشارع يخشى تطييفها. وقالت المصادر إن رئيس الجمهورية ليس في مناخ التفكير باسترداد الرسالة، وإن رئيس المجلس ليس في مناخ تأجيل الجلسة بمبادرة منه ما لم يتلق من بعبدا رغبة بذلك، ولذلك قالت المصادر إن البحث يدور بين هذين السقفين عن مخرج لا يؤذي الصورة الدستورية لتصرف كل من الرئاستين في قضية لها أصول محددة وتحكمها نصوص واضحة.

الملف الثالث هو دور لبنان في إعمار سورية، الذي يسمعه المسؤولون اللبنانيون في زياراتهم العربية والدولية، ويكرره المسؤولون اللبنانيون في تصريحاتهم عن المستقبل الذي ينتظر لبنان مع الفرص التي يحملها إعمار سورية. وعلقت مصادر متابعة للعلاقة اللبنانية السورية والنظرة السورية نحو الموقف اللبناني على ذلك بالقول، إن الذين يشجعون المسؤولين اللبنانيين على حجز مقعد في إعمار سورية يمنعون لبنان من الانفتاح السياسي الرسمي بصورة واضحة على سورية، ومن دون تعاون سياسي لن تتيح سورية لأي دولة دوراً في مرحلة إعادة الإعمار. ومن يظن أن التمويل الخارجي سيحمل شروطه معه يجب أن ينتبه أن الدولة السورية لن تقبل بأي تمويل مشروط، ولديها بدائل التمويل بمجرد استقرار الأمن وتقدم المسار السياسي.

يتحضر رئيس الحكومة سعد الحريري بعد مشاركته في مؤتمر الاستثمار الإماراتي اللبناني، لزيارة المملكة العربية السعودية في إطار العمل على تعزيز عمل اللجنة المشتركة اللبنانية السعودية، على ان يقوم بجولة أوروبية في وقت لاحق مترئساً وفد لبنان في مؤتمر لدعم لبنان تنظمه المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، تمهيداً لاجتماع لجنة المتابعة الاستراتيجية لمؤتمر سيدر في 15 تشرين الثاني المقبل. وكان لافتاً امس ما اعلنه الحريري من الإمارات، وبمعزل عن تفاؤله بدعم الإمارات للبنان، وهذا ما أكده بعد لقائه ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد آل النهيان، أملاً في تدبير يضخ سيولة من الإمارات ويرغب في جذب استثمارات إماراتية من خلال شراكات أجنبية. رأى الحريري أن لبنان في موقع صعب، لكن الفرصة متاحة اليوم من خلال المشاركة في إعادة إعمار سورية والعراق، ولبنان عليه أن يستفيد من هذا الأمر. اما في السياسة فتعمد الحريري رسم خط فاصل بين حزب الله والحكومة، فقال في حوار مع وكالة أنباء الإمارات «أنني بصفتي رئيساً للحكومة، أرفض أي تورط لبناني في النزاعات الدائرة حولنا، كما أشدّد على أن الحكومة اللبنانية ترفض التدخل أو المشاركة في أي أنشطة عدائية لأي منظمة تستهدف دول الخليج العربي»، مضيفاً «اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً بعدم التدخل في النزاعات الخارجية أو في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولكن مع الأسف يتم انتهاك هذا القرار، ليس من قبل الحكومة، ولكن من قبل أحد الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة»، وشدّد الحريري على أنه ينبغي توجيه الاتهام إلى حزب الله بوصفه «جزءاً من النظام الإقليمي وليس بصفته أحد أطراف الحكومة اللبنانية».

وأشارت مصادر مطلعة لـ «البناء» إلى أن مواقف الرئيس الحريري في الإمارات كانت واقعية وموضوعية على المستويين السياسي والاقتصادي فهو لم يتخذ أية مواقف تزعج أي طرف داخلي او خارجي. ولفتت المصادر إلى أن المؤتمر أعطى جرعة أمل على المستوى الاقتصادي، وبالتالي فإن ايجابياته تكمن في مردوده المعنوي سيكون سريعاً بوقف الانهيار في حين أن مردوده المادي يتوقف على تنفيذ الوعود.

وليس بعيداً، اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان لبنان سيخرج من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها وأن الإجراءات التي تتخذ على الصعيدين الاقتصادي والمالي من شأنها ان تعيد العافية الى الاقتصاد الوطني وقطاعات الإنتاج. واشار الى ان الاتصالات التي قام بها خلال الثماني والاربعين ساعة الماضية حققت نتائج إيجابية على صعيد تحرّكات أصحاب محطات المحروقات والتحركات المطلبية للصيارفة الذين سيجتمع اليهم اليوم في قصر بعبدا.

وفي موازة الجهود المبذولة لإيجاد حلّ للواقع الاقتصادي والنقدي، خرجت الى الواجهة امس، رسالة الرئيس ميشال عون الى رئيس مجلس النواب نبيه بري حول تفسير المادة 95 من الدستور مع اقتراب موعد الجلسة التي حدّدها الرئيس بري في 17 الحالي، أكدت مصادر نيابية في التحرير والتنمية لـ»البناء» أن حركة امل من اشد الداعين الى تطبيق المادة 95 لجهة إلغاء الطائفية السياسية وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، بيد ان المقاربة العونية لا تصبّ في هذا الاتجاه، وهنا تكمن المشكلة، متحدثة عن اتصالات تجري مع رئيس الجمهورية من أجل الطلب من الرئيس بري ارجاء النقاش في المادة، لا سيما أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة المترافقة مع حراك الشارع تستدعي الابتعاد عن أي نقاش قد يؤدي الى انقسام سياسي طائفي الجميع بغنى عنه في الوقت الراهن.

في المقابل، تشدّد مصادر قصر بعبدا لـ»البناء» على ان الجلسة لا تزال في موعدها، نافية أي كلام تأجيل الجلسة، على قاعدة ان الرئيس بري هو من حدد تاريخ 17 تشرين الأول، مستغربة ما يحكى ان الجلسة قد تحدث انقساماً طائفياً، لا سيما أن الرئيس عون يواصل التأكيد على تمسكه باتفاق الطائف، لكنه يطالب في الوقت عينه بتطبيق الدستور وتحقيق المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وفق مقتضيات الوفاق الوطني.

وليس بعيداً، يعقد مجلس الوزراء جلسته العادية هذا الأسبوع يوم الخميس المقبل في قصر بعبدا وسيكون على جدول اعماله عدد من التعيينات الملحة، مع ترجيح مصادر وزارية إمكانية النقاش والبت في تعيينات مجلس إدارة تلفزيون لبنان ونواب حاكم مصرف لبنان ومجلس الإنماء والإعمار.

وعلى الخط المطلبي، يعتصم العسكريون المتقاعدون أمام مبنى TVA، عند السادسة صباح غد رفضاً لسياسة الحكومة الجائرة التي تسببت بأزمة معيشية خانقة، وتحذيراً من تأخر وزير المال في توقيع ودفع مستحقات نهاية الخدمة للمسرحين الجدد والمساعدات المدرسية، وعدم دفع المساعدات المرضية وعدم تحسين الطبابة العسكرية رغم حسم 501 في المئة من رواتب العسكريين بهذه الذرائع، وبحسب بيانهم فإن الاعتصام بمثابة خطوة أولى لتحركات اعتراضية أوسع على المستوى الوطني، بالتوازي مع تشكيل لجنة متابعة لتوحيد الجهود مع القوى المدنية الفاعلة والمعترضة، والتنسيق معها لمواجهة تعنّت أحزاب سلطة القهر والاستبداد، وعدم تراجعها عن تقاسم خيرات البلاد ومغانم الفساد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى