المؤتمر الـ 18 للجامعة اللبنانية الثقافية… «أمّ الصبي» والقدرة على انطلاقة جديدة!؟

علي بدر الدين

تتحضّر الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم لعقد مؤتمرها العالمي الثامن عشر في بيروت في العاشر من الشهر الحالي، وهي تعاني فعلاً من أزمة وجودية، بعد أن شرذمتها الخلافات والانقسامات وجعلت منها أشلاء متناثرة وحصصاً طائفية وسياسية وحزبية ونسخة طبق الأصل عن المحاصصة المعتمدة من الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، وآخر الاستهدافات والطعنات الموجهة إلى جسد الجامعة المنهك أساساً، إقدام من يُسمّي نفسه رئيساً عالمياً للجامعة ستيف ستانتن على تسجيل الجامعة كمؤسسة عابرة للقارات، غير حكومية ومركزها نيويورك، واعتماد قانون ونظام داخلي جديد لها، وإعلان أنها لن تتهاون بعد اليوم مع منتحلي الصفة أو مستعملي شعارها، وانّ التعيينات العالمية أو في القارات والمجالس الوطنية تسجل رسمياً في نيويورك، وستصدر هذه التعيينات وفق القانون الجديد!

إنه انقسام واضح وصريح وخروج عن قانون الجامعة ونظامها الأساسي الداخلي، ومحاولة لتقويض كلّ الأسس والثوابت التي اعتمدتها الجامعة الشرعية الأمّ، وكلّ ما يحصل على مرأى ومسمع الجهات الرسمية المعنية السياسية والاغترابية.

انّ الجامعة باتت عن قصد أو من دونه مركونة في زوايا الإهمال واللامبالاة الرسمية، ولم تعطها وزارات الخارجية والمغتربين المتعاقبة الأولوية أو الاهتمام الذي تستحق، ولا «الدلال والغنج» في عهد وزارة المغتربين المستحدثة التي لم تدم طويلاً مع تمتعها بالعراقة والدور والتأسيس الذي تحوّل حدثاً وطنياً واغترابياً آنذاك، لأنّ وجود الجامعة بهذا الزخم كان ضرورة لمشروع فريق سياسي طائفي قيد الإعداد والتحضير مترافقاً مع تسويق إعلامي لتحويل الجامعة إلى قوة مؤثرة وجاذبة، وإلى مصدر مالي مطلوب بإلحاح لتدعيم وانطلاقة المشروع الذي يعوّل عليه لإمساك مفاصل السلطة ولتوفير عناصر الغلبة لطائفة على غيرها من الطوائف. وأصبحت صلاحيات ممثلي الجامعة في الأميركيتين وأوروبا تفوق صلاحيات بعض السفراء اللبنانيين المعتمدين فيها.

ولا غرابة في ما تشهده من مؤتمرات الطاقة الاغترابية التي تقام بكثافة في لبنان وخارجه، وربما تجاوزت العشر مؤتمرات في مدة زمنية لا تتعدّى السنوات الخمس، وفي حضور اللبنانيين المغتربين والمتحدّرين من أصل لبناني من المتميّزين علمياً واقتصادياً ومالياً، ومنهم من لا يعرف عن لبنان إلا اسمه. وقد تكون الغاية شرعنتها سياسياً وقانونياً واعتبارها المرجعية الاغترابية الرسمية التي يمكن التعويل عليها واعتمادها كبديل عن الجامعة الثقافية التي بنظرهم «أكل الدهر عليها وشرب»، وتآكلها صدأ الخلافات والانقسامات، ولا حول لها ولا قوة، وفقدت القدرة على احتضان المغتربين، أو أن تكون الممثلة الشرعية الوحيدة لهم، ولم يعد أحد يسمع بها أو عنها من خلال دعواتها الى مؤتمر عالمي جديد كلّ سنتين، وقد فات أوانها ولا مكان لها على الخارطة الاغترابية الرسمية، وهي التي أسقطت نفسها بالضربة القاضية بعد ان تحوّلت إلى أربع جامعات وأربعة رؤساء والحبل على الجرار… بسبب ما يعتريها من فوضى وفلتان، وقد رفعت وزارة الخارجية والمغتربين وجهات سياسية في السلطة وخارجها يدها عنها وأصبحت من وجهة نظرهم لزوم ما لا يلزم.

لكن الأكيد أنّ الأزمات والمشكلات التي تتعرّض لها الجامعة هي مؤقتة وعابرة ومفتعلة وفق مصدر في الجامعة، وهي انعكاس طبيعي لأزمات لبنان ومشكلاته وتعقيداته، وللأسف كانت من ضحايا الصراعات والانقسامات الحادّة على المصالح كغيرها من المؤسسات في الوطن، والإنجازات التي حققتها وإنْ كانت متواضعة، فيما المأمول منها الكثير، يسجل للحرصاء من المغتربين الذين انتُخِبوا رؤساء للجامعة في مراحل صعبة وقد نجحوا في فتح سياسية الانفتاح والحوار واليد الممدودة والتي كادت ان تنتج نجاحاً وتجسّده في رأب الصدع وجمع الشمل الاغترابي وتوحيد الجامعة.

ويعتبر المصدر أنّ المتضرّرين والمتربّصين والطامحين والطامعين أفشلوا كلّ محاولات التوحيد لأنها تقوّض مشروعهم الانقسامي من جهة وتحرمهم من اكتساب منتحل صفة من جهة ثانية.

انّ الدولة بعهودها وحكوماتها المتعاقبة وعدم تعاطيها الجدي والمسؤول مع المغتربين ومؤسّستهم الأمّ، وانعدام وجود سياسة اغترابية واضحة تحمي الجامعة وتحصّنها وتحافظ على الثروة الاغترابية الضخمة بشرياً واقتصادياً ومالياً، ساعدت على نمو حالة استهداف الجامعة والتصويب عليها وإغراقها في وحول طائفية وسياسية وعنصرية ومصلحية، وإخراجها عن دورها الوطني المطلوب بهدف وأدها أو إنهاكها وشلّ قدراتها لأنه كان المطلوب من الدولة، وهو من واجبها ومسؤولياتها التعاطي فقط مع الجامعة الشرعية الرسمية، ودعمها والاعتراف بها وفق الأنظمة والقوانين، كونها الناطقة والممثلة الشرعية الوحيدة للمغتربين في العالم.

ويؤكد مصدر في الجامعة أنها اليوم كما بالأمس والآتي من الأيام ستبقى في ذاكرة المغتربين اللبنانيين ووجدانهم وعلى تماس معهم مهما حاول البعض استهدافها أو استخدامها كمطية أو جسر مرور الى مناصب ومواقع ليست له ولا حق له في التسلق اليها عنوة أو بغفلة من الزمن، أو الاستفادة من كبوتها التي لن تطول.

ويؤكد المصدر أننا نحن «أمّ الصبي»، ولن نتخلى عن قتناعتنا بوجود الجامعة وإمكانياتها ودورها، وقد قدّمنا الكثير من الوقت والجهد والمال لنحافظ عليها، ولن نقبل تحت أيّ عنوان تحويلها الى كرة يتقاذفها أصحاب المصالح والأهواء والمشاريع الخاطئة.

ويشدّد المصدر على أنّ أمام هذا المؤتمر الذي يُعقد في أوضاع صعبة ومعقدة داخلياً واغترابياً وعلى كلّ المستويات، مسؤوليات كبيرة استثنائية، ومن هنا تكمن أهميته وضرورته، وسيشكل محطة مفصلية في تاريخ الجامعة.

ومن أولى المهام التي يجب أن تطرح أمام رئيس وأعضاء الهيئة الإدارية الذين سينتخبهم المؤتمرون الحوار بصوت عال وبمنأى عن التدخلات السياسية أو الطائفية وصولاً إلى تقريب المسافة بين الجميع وتضييق الهوة، علّهم ينجحون حيث فشل الآخرون في توحيد الجامعة أو أقله اندماج بعضها في الجامعة الشرعية المعترف بها رسمياً على أمل أن تحين الفرصة لتحقيق وحدتها الشاملة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى