السيناريو الأسوأ: تعزيز الاحتلالين شرق الفرات

عامر نعيم الياس

تستمرّ تركيا في عمليتها العسكرية التي تستهدف أراضي سورية ومواطنيها، هنا يفقد العامل الكردي أهميته باعتبار طموحاته الانفصالية غير أصيلة ومستودرة من أفكار حزب العمال الكردستاني، وهو وإنْ قام بالتأسيس لحكمٍ ذاتي تحت الرعاية الأميركية، فإنه قام بها في لحظة استهداف لكامل سورية وتراجع لقدرات الدولة السورية على الاحتفاظ بكامل أراضيها في مواجهة حربٍ إرهابية من أكثر من ثمانين دولة.

العملية العسكرية التركية تستهدف البنى التحتبة والحيوية في منطقة الجزيرة السورية، ويمارس التركي سياسة الأرض المحروقة لدفع أكراد الشريط الحدودي للتمركز في داخل الجزيرة، وهنا تبرز كلّ من الحسكة والقامشلي وصولاً إلى مدينة الرقة المدمّرة كأماكن محتملة في سياق إعادة صياغة المنطقة كاملة.

المتتبّع للمواقف السياسية الغربية وللصحافة الغربية يلحظ أنّ أحد أبرز المخاوف من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب هي «عودة الدولة السورية وروسيا وحتى إيران للتمدّد في المناطق الخارجة عن السيطرة في شرق الفرات»، هذا أمرٌ يتماشى مع القلق الإسرائيلي من أيّ عملية انسحاب أميركي من سورية، فالأساس يبقى قدرة الدولة لسورية على استعادة أهمّ مصدر من مصادر قوّتها وهو الجزيرة السورية التي لم يختر الأميركيون في الفترة السابقة وضعها تحت احتلالهم عشوائياً، وكلّ ما كان يُثار خلال السنوات الماضية حول عمليات الجيش السوري لتحرير الأراضي السورية كان بهدف تأخير عملية نقل لقوات إلى المواجهة النهائية في شرقي الفرات، ورفع كلفة الوجود العسكري الأميركي هناك.

اليوم ينسحب ترامب من الحدود الشمالية الشرقية لسورية، وهو خط يحاذي الحدود السورية التركية، لكن باتجاه الداخل في ما بعد منطقة بعمق ثلاثين كيلومتراً ينوي الرئيس التركي احتلالها من سورية، والكل هنا يعلم أنّ التدخل العسكري التركي ما كان ليتمّ لولا الضوء الأخضر الممنوح من الرئيس ترامب شخصياً، وبالتالي فإنّ الوجود العسكري الأميركي لم يتأثر في باقي مناطق الجزيرة السورية، وخاصةً في محيط الحسكة وضمن مدينة الرقة، وفي منطقة حقول النفط والغاز في أرياف الحسكة والرقة ودير الزور، وهذا يعني أننا أمام منطقة حظرٍ جوي قائمٍ وفعّال بوجه الخطر المشترك الذي يعني الغرب، أيّ الدولة السورية والحلفاء، هذا أولاً.

ثانياً، إنّ بوادر اتفاق من هذا النوع حالياً بين التركي والأميركي ترد في حسابات الأخير على أنها دقّ إسفين بين موسكو وأنقرة لقطع الطريق على عملية التقارب القائمة بينهما، وفي إطارٍ أوسع عملية الصراع على دور تركيا في المنطقة.

ثالثاً، الرئيس الأميركي، الذي يواجه معارضةً كبيرةً من الكونغرس ووزارة الخارجية والبنتاغون في ما يخصّ الانسحاب من سورية، قد يعمد إلى الإبقاء على قواته في المناطق الآنفة الذكر، ويستطيع حينها القول إنه حمى الأكراد من الرئيس التركي، هذا الاستنتاج تعزّزه البيانات التي استنكرت بشدة موقف الرئيس الأميركي من الاتحاد الأوروبي، وحتى المجموعة العربية المتواطئة مع الإدارة الأميركية في الحرب على سورية، حيث سيحاول الرئيس الأميركي الحفاظ على وحدة المعسكر المعادي لسورية الدولة ولروسيا بالحدّ الأدنى.

إنّ الانتقال من احتلالٍ واحدٍ للجزيرة إلى احتلالين أمرٌ واردٌ في ظلّ الموقف الكردي الذي لا يزال يستند على طلب الحماية الدولية، والذي لم يقترب حتى اللحظة من الدولة السورية، على الرغم من كارثية الخيارات التي زجّ بها ما يقول إنهم أبناء شعبه، وهنا لا بدّ من القول إنّ العامل الأهمّ في نسف هذا السيناريو يبقى موقف ما يسمّى مجلس سورية الديمقراطية والميليشيا العسكرية التابعة له والمسمّاة قوات سورية الديمقراطية من الدولة السورية، والموقف من الخذلان الأميركي لهم، والأهمّ الموقف من العار الذي جلبوه لمن يدّعون الدفاع عن وجودهم، ولنا في ما جرى في عفرين المثال الأكثر وضوحاً على ارتهان ولا عقلانية ميليشيا قوات سورية الديمقراطية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى