لا اعتذار من الحب

أكثر ما يثيرُ اهتمامي ويلفتُ انتباهي أثناء سَيري اليوميّ في الطّرقاتِ هو ما كُتِبَ على جدرانِ هذه المدينةِ.

قد لا أنتبهُ إلى شخصٍ أعرفهُ ويمرُّ بجانبي، لكن بالتّأكيدِ لن يفوتَني حرفٌ واحدٌ قد خُطَّ على جدارٍ

ولطالما قلتُ في سرّي:

فيمَ يفكّرُ ذاك الشّخصُ أثناء الكتابةِ على جدارٍ في شارعٍ عامٍّ؟!

لماذا عافَ الورقَ وكلَّ أنواعِ الرّسائلِ المكتوبةِ

والالكترونيّةِ وجاء بقلمٍ قد صُنِعَ خصّيصاً للكتابةِ على هذا النّحوِ؟!

هل سيقرأُ الشّخصُ المقصودُ من الكلامِ الرّسالةَ؟!

وأسئلةٌ كثيرةٌ أُخرى تتضاربُ في رأسي

ولكن أهمّ نتيجةٍ قد استخلصتُها من الكتاباتِ على الجدران

أنّ جميعَها أسرارٌ!

نعم، أسرارٌ قد كُتِبت عن قصدٍ أمام عامّةِ النّاسِ!

وبالرّغمِ من قراءةِ جميع النّاسِ لها

بقيتْ أسراراً!

فقط لأنّنا لا نعرفُ مَن كتبَ ومَن المقصودُ من الكتابةِ

ومن أكثرِ العباراتِ التي يقشعرُّ لها بدني عندما

أمرُّ بجانبها هي ما جاء على جدارٍ من جدرانِ جسر 16 تشرين في مدينتي حلب

«بحبك أنا آسف»

نعم

أنا من بلدٍ على المرءِ أنْ يشعرَ بالخجلِ ويعتذرُ كثيراً إنْ مسَّ قلبَهُ الحبُّ

لا مشكلةَ في أوطاننا أنْ نكونَ قتَلَةً

فقط علينا أنْ نجتثَّ قلوبَنا لئلّا تنبضُ حبّاً

فالحبُّ جريمةٌ لا مغفرةَ لها

أعتذرُ منكم جميعاً أعتذرُ منكم ولكم

أعتذرُ من حجارةِ هذا الوطنِ ومن مائه وسمائه

أعتذرُ من طيورهِ وأشجارهِ وترابهِ

من شمسهِ وأطفالهِ

وكم أُودّ لو أنّكم جميعاً قد ارتكبتم الجريمة نفسها

الآن

أنتظرُ اعتذاركم على جدارِ هذا المنشورِ

وفي وقتٍ لاحقٍ سنجوبُ الشّوارعَ معاً لنملأَ الجدرانَ حُبّاً

وعوضاً من استعمالِ الحجارةِ لنرجم بعضنا بعضاً

سنتّخذُ من حجارةِ هذا الوطنِ مكاناً لنعلنَ نبضَ قلوبنا

وحينها لن نعتذرَ لن نعتذرَ لأنّنا أحببنا

لن نخجلَ بعد اليومِ من اكتشافنا بأنّ قلوبنا ليست محضَ عضلةٍ لضخِّ الدّمِّ فحسب

بل هي ملاذ لكلّ يتيمٍ

ومَسكن لكلِّ مشرّدٍ

ونور لكلّ مَن همّشتهُ عاداتُنا وتقاليدُنا

وعَين لكلِّ فاقدٍ للبصيرةِ

خبز للجائعِ وساقية عذبة للعطشى

قلوبنا

ريم رباط – حلب – سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى