رؤساء وجنرالات يُحاكَمون… وعُمَلاء يحكمون

شوقي عواضة

«خذ حفنة المال مكافأة لك، أما يدي فلا تصافح من يخون بلده»! بتلك العبارة خاطب نابليون بونابرت أحد الخونة المتعاملين مع جيشه ضدّ وطنه حين تقدّم الرجل لينال حصته من المال الذي كان يسلمه القائد الفرنسي بنفسه، لم ينفرد نابليون بهذا الموقف النابع من إخلاصه لوطنه وأرضه وشعبه بغضّ النظر عن سياساته وحملاته التي خاضها، إنما هذا الموقف هو موقف إنساني أجمعت عليه عبر التاريخ ومنذ نشوء البشرية كلّ الأمم والشعوب والأديان والمذاهب والقوانين السماوية والوضعية ودساتير الدول التي أعطت حيّزاً كبيراً لخيانة الوطن وكلها تجمع على أنّ الخائن لوطنه هو كاللقيط لا انتماء له لوطن وخائن خان شعبه ومجتمعه ودينه وشرفه، وقد شهد التاريخ محاكمات كبيرة لرؤساء خانوا بلادهم وشعوبهم رغم تفاوت التهمة التي حوكموا من أجلها وفقاً لدساتيرهم والتي تندرج تحت مسمّى وتعريف خيانة الوطن وعلى سبيل المثال لا الحصر محاكمة رئيس الدولة الفرنسية فيليب بيتان لتعاونه مع النظام النازي. عام 1945 حيث صدر بحقه حكم من محكمة القضاء العليا بالإعدام خفضه الرئيس ديغول الى حكم بالسجن مدى الحياة. فيما حكم على رئيس الحكومة بيار لافال بالإعدام وتم تنفيذ الحكم فيه.

وفي العام نفسه قامت ألمانيا بمحاكمة 22 من قادتها النازيين أمام محكمة نورمبرغ العسكرية بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال الحرب العالمية الثانية، أعدم منهم 12 وحكم على سبعة بالسجن فيما تمّت تبرئة ثلاثة منهم. وفي تشيلي فُرضت الإقامة الجبرية على الحاكم الديكتاتوري التشيلي السابق، وأحد أشهر جنرالات الولايات المتحدة في منطقة أميركا اللاتينية، اوغوستو بينوشيه الذي اتهم في 27 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2006 بارتكاب جرائم في سجن فيلا غريمالدي العسكري السري وجرائم أخرى ارتكبت في عهده.

ولعلّ الشواهد في تلك المحاكمات كثيرة والتي كان آخرها محاكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد توجيه رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي تهمة الخيانة العظمى له بسبب محادثة هاتفية معَ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كما أفاد تقرير من مجهول يتهم البيت الأبيض بإخفاء مضمون المكالمة الهاتفية، وفي الرابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2019 أعلنت بيلوسي أنّ ستّ لجانٍ من مجلس النواب ستُجري تحقيقاً رسمياً في قضية مُساءلة الرئيس ترامب بتهمة الخيانة وإلحاقِ الضرر بالأمن القومي الأميركي فضلاً عن انتقادها له بسبب محاولاته التدخل في «نزاهة انتخابات البلاد». اما اللجان السِّت المكلفة بهذه المهمة فهي لجان الخدمات المالية، القضاء، المخابرات، الشؤون الخارجية، الرقابة والإصلاح ولجنة ما تُعرف بالسبل والوسائل، لتبدأ محاكمة رئيس الدولة بتهمة الخيانة وبتأييد أكثر من 300 مسؤول سابق في وكالات الأمن والسياسة الخارجية الأميركية، بينهم مدير سابق للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب ومساعد سابق لوزير الخارجية، أيدوا التحقيق ومساءلة ترامب تمهيداً لعزله. كلّ ذلك يجري في الولايات المتحدة الأميركية الدولة العظمى التي يُستدعى رئيسها بناء على تقرير ومعلومات من مجهول يُستدعى مجلس النواب كاملاً وستّ لجان ليُحاكم رئيس البلاد ترامب.

رغم الاستنسابية الأميركية في الديمقراطية وبعيداً عن الموقف من سياسة أميركا الشيطانية في المنطقة وفي مقاربة للمشهد اللبناني في نفس القضية خيانة الوطن من خلال التعامل مع عدو دمّر لبنان وقتل شعبه وقصف مدنه واعتقل وخطف وسجن وعذب وأخفى مواطنين لبنانيين بمشاركة عملائه في لبنان كان أول إجراء اتخذ بحق هؤلاء العملاء إقرار مجلس النواب اللبناني عام 2011 قانون 194 القاضي بالعفو عن العملاء، وبذلك شرّعوا للناس وسهّلوا الخيانة والتعامل مع العدو وفتحوا الأبواب لعودة العملاء عودة «المنتصرين» وحتى اليوم لا زال يعمل وكلاء أميركا في لبنان وأدعياء السيادة والاستقلال والزاحفين أمام سفارتها في بيروت مطالبين بعودة العملاء المبعدين الى لبنان وويعملون بكدّ وجدّ من أجل تشريع قانون عفو عن عملاء خانوا لبنان أولا وتآمروا عليه مع العدو الصهيوني وشاركوا في قتل اللبنانيين واعتقالهم وتعذيبهم وإخفاء البعض منهم حتى اليوم، وما زالوا يعيشون بإرادتهم داخل الكيان الصهيوني، بل انّ أغلبهم ما زال يخدم في الجيش الصهيوني والبعض الآخر ما زال يتآمر على لبنان وشعبه وجيشه كالعميل الفار سامر ابو عراج الذي جنّد سابقاً العميل عباس مصطفى سلامة والذي تمّ اعتقاله على أيدي أجهزة الأمن اللبنانية عام 2015، وماذا عن العميل الفار يوسف فخر الملقب بالكاوبوي والذي جند عام 2011 العميل كمال أجود حسن الذي تمّ اعتقاله أيضاً من قبل مخابرات الجيش؟ وماذا عن غيرهم من العملاء الذين ما زالوا يعملون تحت امرة الوحدة 504 التابعة للموساد؟ وماذا عن الجزارين والسفاحين الذين اعتقلوا وعذبوا وقتلوا عشرات المعتقلين والأسرى بشهادة من تعرّضوا للتعذيب من الأسرى والمعتقلين؟ وأخيراً وليس آخراً ماذا عن محاكمة جزار الخيام الإسرائيلي العميل عامر الفاخوري الذي جاء الى لبنان وخلفه جيش من العملاء، وما هو أمر العمليات الذي يحمله وما هي مهامه الجديدة؟ في ظلّ فرض الحصار الاقتصادي الذي تترأسه المصارف اللبنانية المؤتمرة بالسياسة الأميركية وتزامناً مع استشراس حملة المفسدين في مصّ دماء الشعب وتشديد الحصار عليه وجملة الحرائق التي التهمت جزءاً كبيراً من الأحراش والمزروعات… ألا يُعتبر كلّ ذلك خيانة للوطن وكأنّ ثمة شيئاً يوحي بأنّ غرفة عمليات واحدة تدير عملية تخريب لبنان والأيام الآتية ستشهد بذلك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى