«عشق الصباح»

من حكايا ليل نهر العاصي

حماة مدينة تسكن ذاكرتي..

كانت أحلامنا تطال النجوم المتلألئة في السماء…

وكانت زهر البان بنت صاحب البيت الذي نستأجر عنده غرفة نحن الطلاب القادمين من ريف حماة الشمالي الشرقي.. ولم أكن اعرف عن الدنيا إلا «قريتي معان» ومدينة حماة وكنت أتوهّم بأن نهر العاصي.. هو البحر الذي قرأت عنه في القصص والروايات والذي سمعت لأول مرة حكايا الحواصيد الآتين من تلك الديار «عن الزيتون والبحر» سألت زهر البان..»أنت متأكدة أن هناك غابة من الشجر على ضفة العاصي.. ولا يستطع أحد رؤيتنا..؟

قالت وهي تضحك من خوفي… كم أنت طيب ولذيذ كطفل..؟

أنا متشوّقة إليك، أريدك. هل تفهم «أشتهيك»..؟

ألا تدري ماذا يعني أن «تعشقك أنثى…»؟

لا والله لا أدري!

تواعدنا وكان ليل شتويّ عاصف وطريقي إليها كان وعر مليء بالحجارة والطين، بعيداً عن صخب الناس في حارة «الجراجمة» الواقعة على ضفة العاصي.. وبعيداً عن عيون «العسس «..

كانت أضواء المدينة شحيحة لقناديل قديمة

نسيتها البلدية منذ زمن.. ينتهي الطريق إلى خلاء واسع لا شيء إلا أنين النواعير.

كنت أمشي وكل جسدي يرتعش.. وشفتاي تتمتم بكل ما حفظته مما حفظته من «الكتب السماوية». مرتبك أعيد تراتيل كلمات الغزل من قصائد «القباني» والتي حفظتها «لأحكيها» بين يدي فتاة كسرت قيود وسلاسل

العادات والتقاليد وخلعت عن جمال جسدها الندي سواد عباءتها.. فبدا وجهها يا «سبحان الله» فلقة قمر.. حين لاقيتها وهي تمد يدها مرحبة قالت: انتظرتك طويلاً وهمّت أن تقبلني على وجهي.. أزحت رأسي من طريقها…«سخرت من خوفي»؟

ومشينا اليد في اليد ونبضات قلبي كأنها «دقات طبل «وأنا أعلن عصياني لأول مرة «على وصايا أبي»إبراهيم «!

تركت عطرها في كفي.. وكلما جاء الشتاء استعيد حكايتي مع «زهر البان» يا الله: بعد كل هذي السنين..

فتعيدني للذكريات.. «لم يزل عطرها في كفي».

لامست براحة كفها صدري وهي تزحف إلى عنقي..

انتفضت من غفلة كمن ينهض من حلم.. يا «مغيث «

أنا الشرقي وحيداً في ظل أشجار الحور ورائحة النعنع البري في ليل كانون البارد، وانا بين يدي امرأة سحرتني بكل ما فيها من فتنة الأنثى.. أخذتها إلى صدري يسكرني العشق لأشرب من رحيق ثغرها العسل المصفى بطعم النبيذ المعتق… شعرت بأن «يداً خشنة» تنزل من الغيم مع المطر.. استغفرت «العشق» وقبلتها وتوقفنا الكلام…

. اغفري لي «يا فاتنة العشق «

فأنا مسكون برائحة خبز التنور وحكايا «المصاطب» والبيادر..

أمقت الغدر.. «كان أبي يقول: انتبه يا بني «الليل للصوص»؟

وانا أرفض ما يفعلونه أولاد الليل؟

أي ليل أيها الشقي…؟

تابعت كلامي خجلاً:.. يكفينا أن «نحكي ونتبادل اللقاءت والمواعيد والكلمات والورد.. كوني صديقتي».

نظرت في وجهي وراحت ترتل بيت عتابا لفؤاد غازي:

« يا دكتور التداوي الجرح سكنو.. حبيب القلب بالدلال سكنو.. حرف الحاء بضم الباء سكنو.. تلاقي علتي ويش السبب»؟ يا زهر الجلنار يكفيني أن تكوني صديقتي..؟

مسحت بكفها على وجهي.. تذكر: أنا زهر البان.. لا جلنار؟ اذهب… حيث تشاء.. سترجع إلى حديقة رماني «كناسك» متعبّد.. مخذولا بالندم… ومضينا يومها كلٍ في طريق..؟

حسن إبراهيم الناصر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى