العقار 10452 كلم2.. بل الأمر لي!

هاني الحلبي

القصور؟ لفظة تتردّد على الأسماع. وتأخذ الفكر مآخذ شتى. هنا لها معنيان:

القصور: الأبنية الكبيرة الفخمة التي يلزمها رأسمال لبنائها.

القصور عن: أيّ التقصير عن تحقيق أمر ما.

وإذا أمعنّا النظر في الواقع الراهن في لبنان بتجرّد نرى أنهما السببان اللذان أوديا به إلى سلطة مزرعة لا تليق بها صفة دولة ولخلوّه من رجال دولة بحق. الدولة تتأسّس بدستور ومنه تشتق قوانين ومؤسّسات شرعية. قوّتها التزامها بهذا الدستور وبهذه القوانين. وتنهار وتفقد شرعيتها عندما تطعن بهما وتعتبرهما «بردعة» لتجاوزاتها. ورجال الدولة هم من تكون لهم رسالة النهوض بالدولة ومنعتها وازدهارها وسيادتها وحمايتها والدفاع عن مصالحها ومصالح أبنائها هي أسرار رسالتهم. فالمزرعة لا يمكنها أن تحاسِب. ويمكن لوزير فيها ان يحتقر القضاء والقانون ويتمرّد على دعوة قاضٍ للاستماع إليه. ولا يعتكف القضاء كله! إذا قبل القضاء إهانته فعلى مَن تراهن؟ القضاء أوهن من أن يحمينا! وعندما يتمرّد قاضٍ لا تقرّعه حكومة، ولا يسارع مجلس نيابي لطرح الثقة بها ما لم تحاسبه حكومته، بذريعة سعة حكمة القيادة والظروف الدقيقة!

لكننا في حالة سلطة مزرعة، لا دستور مرعيّ الإجراء فيها ولا قوانين تحكم الأعمال. فالأعمال توافقات غريزية نفعية بحكم قانون البقاء. وسلطتنا سمسرة وصفقات وفرض ضرائب وحيازة حصص في كلّ خطة أو عمل وكأنهم شركاء مضاربون. اذا اتفقوا على ورقة إصلاح صباحاً يلحسون ما تبقى من حبرها مساء بلا خجل. لأنهم لا يحسبون حساباً لشعب يحاسب. فهم جرّوه قطعاناً بالرشوة والوعود الوظيفية والأكاذيب يوم الاقتراع فجدّدوا بالمسكنات سرطانهم ليفتك به. وعندما تريه وجهه النحيل في المرآة يصرخ أنّ المرآة تنقل وجه جاره الذي فرضت عليه مقاطعته منعاً للطاعون والجراد.

رجال سلطة يتقاسمون الشواطئ وقمم الجبال مع أمراء الخليج. وما أدراك من أمراء الخليج وخلفهم؟! يتواطأون على الهواء والتراب والماء والرمل والنفط والغاز. يتقاسمون السماء والأرض والهواء. وعندما يستشعرون خطة أو حالة ما يستبقونها بشراء العقارات في المناطق المقصودة كما انتشر جيش من السماسرة السياسيين والمحليين لشراء معظم القمم والجبال المحيطة بحرمون من العام 1990 بمناسبة مؤتمر مدريد ما لبثت بعد 2000 أن توقفت، والسبب انّ «السلام في الشرق الأوسط غير ممكن». المقصود بالسلام هو الاستسلام والذلّ لا سلام المقاومة والانتصار. لمصلحة مَن يعمل السماسرة؟ لمصلحة الشيطان دائماً. الشيطان الذي يدفع أكثر.

هكذا يحمل السماسرة شيكاتهم ويرحلون. ليسوا مستعدّين حتى للدفاع عن عقاراتهم الفلكية. وأولها العقار 10452 كلم2.

الأملاك البحرية يقاربونها بخجل. لأنها مباحة للكواسر وهم النافذون نواباً ووزراء وذويهم. كلّ صفقة من الرّخص والنمر والهواتف والمرامل والكسارات والمزابل وغيرها لم تكن لأيّ سبب تطوير أو تحديث او إصلاح إلا لمراكمة الربح الخاص. آخر بدعة اختراق خصوصية كلّ مواطن يقتني سيارة أو هاتف بمعلومات عنه بمعرفة رقم هاتفه او رقم سيارته. بأيّ حق لكم أن تعرفوا عدد شعر رأسي؟ وفئة دمي؟ واسمي؟ ومهنتي؟ ومكان إقامتي؟ ولمصلحة مَن؟ هي أقنعة أمنية تستفيد من فلتان مطلق.

والسباق على الشارع كلّ في منطقته يتوهّم أنّ الحراك لتحقيق أهدافه. في مناطق «الاشتراكي» ضدّ العهد قال خطيبهم ارحلوا! وباسيل ولعدم زيارة سورية. لأنّ سورية عندهم هي البرد وعلّاته. في مناطق القوى المعارضة للحكومة يدعون لإسقاط النظام وليس فقط الحكومة بذريعة أنّ الشعب يريد إسقاط النظام. أيّ شعب هذا؟ ومَن عرف موقف الشعب واستفتاه؟ في مناطق أخرى، يتظاهرون ضدّ الضرائب على الواتس والبنزين والخبز والمازوت والغاز وكلّ شيء وانعدام فرص العمل والسياسة المالية كلها التي جمّدت الاقتصاد وخنقت لبنان بعزله ضمن «سور الصين» الأميركي الخليجي فبارت المواسم وأقفلت المعامل وتكدّست الغلال في الحقول والزيوت في المعاصر. ولكن تمكّن الغلابى من تذوّق طعام أرضهم.

هو القصور عن مصارحة الذات. قصور السلطة أن تغدو دولة. قصور المتنفذين عن أن يكونوا رجال دولة. قصور الأحزاب والتيارات والحركات عن ان تكون وطنية بحق، وليست صدى مفعولاً لرؤسائها وأقطابها ومصالحهم. قصور الإعلام عن أن يكون نبضاً ورؤية وكشفاً وتصحيحاً. قصور المقاومة عن أن تكون مقاومة وطنية بحق وليست راعية لتناتش «الأقوياء في طوائفهم» بنظام فاسد. فأدّت هذه النظرية إلى توريط المقاومة في وحل المزرعة بخنق الشرفاء وإضعافهم وسط كثرة المتورّطين بدمنا وخبزنا وعرقنا. ومقتل المقاومة أن تفكر بعقل طائفي ومذهبي في السياسة اللبنانية. أن تفكر من خلال ثنائي شيعي لا بدّ له من قوي سنيّ وقوي درزي وقوي مسيحي.. وهؤلاء الأقوياء هم رعاة الفساد في كلّ الطوائف. هم المتنفذون الذين الثورة عليهم هي تكليف شرعي وفرض عين على كلّ مواطن وواجب قوميّ.

لذلك أتى المقهورون ولم ينتظروا إيعازاً من أحد، وبعد أن كان وزراؤهم في جلسة الحكومة يخونونهم بالتوافق على سلة ضريبية، إقراراً أو صمتاً. وبعضهم يلوّح بملفات لو يكشف عنها لتخرب البلاد. ها هي البلاد على شفا الخراب يا صاحب السعادة وابق ملفاتك في أدراجها في حضن العتم. فالجميع مكشوف ومفضوح بأكثر مما ينبغي.

أتى الشعب يقول لكم جميعاً، رئاسة، مجلساً نيابياً، حكومة، جيشاً، أجهزة أمنية، أحزاباً فاسدة ومفسدة، وطوائف مأجورة لقوى خارجية: يا سُلطة القصور، الأمر لي!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى