… حتى لا ندفع أنفسنا إلى الهاوية

خالد الداعوق

باستثناء تلك العادة السيّئة المتمثلة بحرق الدواليب في الأيام الأولى، وباستثناء المحاولات المستمرّة لبعض الأحزاب والقوى السياسية ركوب الموجة لتحقيق مكاسب ضيّقة وآنية، فإنّ التظاهرات الشعبية العارمة التي يشهدها لبنان في الأيام الأخيرة تعبّر عن حجم الألم والوجع الذي يصيب اللبنانيين جراء السياسات العامة الخاطئة على أكثر من صعيد، والتي أنتجت مفاعيل سيئة ونتائج كارثية اقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً…

الأهمّ في كلّ ذلك هو أن يبقى الوعي في المرتبة الأولى، سواء لدى المتظاهرين على اختلاف شعاراتهم ومطالبهم، أو لدى أفرقاء السلطة بكلّ مكوّناتهم، لأنّ أيّ تصرّف لا يستند إلى الوعي والحكمة والتعقل يمكن أن يؤدّي إلى ما لا يُحمد عقباه، لا سيما في هذه الأجواء المتشنّجة والمشحونة.

لذلك نوجّه دعوة صادقة إلى القائمين على الحراك الشعبي بأن يتمتعوا بأعلى درجات الوعي، وأن يتنبّهوا جيداً لكلّ ما من شأنه أن يحرف الحراك عن مقاصده النبيلة ومطالبه المحقة وغاياته المشروعة، لأنّ هناك معلومات وإشارات تتقاطع من هنا وهناك عن تحضيرات تجري على قدم وساق لإحداث توترات في أكثر من منطقة لبنانية، بدعم من سفارات وأجهزة خارجية، خاصة مع استمرار قطع الطرقات بشكل غير مشروع على الناس وعلى السيارات والشاحنات المحمّلة بالطحين والمحروقات والمواد الغذائية والطبية. والسؤال الذي يُطرح هنا هل الحراك هو للضغط على السلطة لتحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية أم القيام بأعمال مشبوهة تذكّر اللبنانيين بما كان يحصل أيام الحرب الأهلية المشؤومة التي نقول دائماً «تنذكر وما تنعاد».

وفي المقابل نوجّه دعوة صادقة مماثلة إلى أركان السلطة بأن يشعروا مع نبض الشارع ومع الناس التي تئنّ وتصرخ من الوجع والألم نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي وصلت إلى القعر، ولم يعد ممكناً إقناع أحد بأنّ المسكّنات قد تنفع في معالجة هذا الواقع المزري، بل باتت الحاجة ماسّة لإجراءات جذرية على كلّ المستويات… ولا شيء غير العلاج الجذري يجعل المواطنين يقتنعون بجدية الخطوات الإصلاحية، كما يسحب البساط من تحت أقدام الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر لتخريب الأمن والسلم الأهلي الذي دفع اللبنانيون ثمنه غالياً جداً.

وها اننا بعد الاستماع إلى كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نجد أنه وضع خارطة الطريق التي من شأنها أن تستجيب لنبض الشارع وتحقق المطالب والإصلاحات المطلوبة تدريجياً وبالوسائل الدستورية والقانونية، كما من شأنها في الوقت نفسه أن تعيد الاستقرار إلى البلد وتخيّب آمال الذين يعملون للدمار والتخريب والدمار.

وكما قال الإعلامي المرموق الدكتور سامي كليب فإنّ الرئيس عون فتح بكلمته طريقين رئيسيّين لتحقيق ما يريده الحراك أوّلهما من خلال حديثه عن ضرورة التغيير الحكومي، وثانيهما اقتراحه بمفاوضة وفد يمثل المتظاهرين، ونحن نضيف أنّ الأمرين يمكن أن يتحققا معاً أيّ أن يحصل الحوار المنشود في بعبدا بين الرئيس وبين وفد يمثل المتظاهرين، وفي الوقت نفسه يجري تشكيل حكومة جديدة تتولى تنفيذ الإجراءات التي يتمّ الاتفاق عليها في الحوار المُشار إليه، ولا باس أن تضمّ الحكومة الجديدة أعضاء من الوفد الذي يمثل المتظاهرين…

ختاماً نعود إلى ما بدأنا به… لا ضوء في آخر النفق إلا من خلال التعقل والحكمة والحوار ثمّ بالإجراءات الدستورية والقانونية لتحقيق التغيير المطلوب… وإلا نكون كمن يدفع نفسه إلى الهاوية…

أمين عام منبر الوحدة الوطنية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى