خطاب غير شعبوي لنصرالله… فماذا خلفه؟

ناصر قنديل

لا يحتاج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لإثباتات على نزاهته وترفعه عن كل ما يجذب متعاطي السياسة في لبنان والمنطقة والعالم. فهو نموذج فريد من هؤلاء كرّس نفسه ووهبها وحياته وروحه ودمه لقضية صدق في وعد الانتماء إليها حتى اللانهاية. ومَن يعرف شروط حياة عائلة السيد نصرالله والأقربين يعرف أنه يضع مقاييس قاسية لشروط العيش لمن يريد الانتساب إليه تلاقي معاييره في الزهد والترفع. وفي قربه من الناس وأوجاعها لا يمثل السيد نصرالله مشروعه السياسي بل أخلاقه وضميره ووجدانه، حيث الشعور بوجع الفقراء وآلام المظلومين، وحيث التحفز لنصرة هؤلاء قضيته التي لا تغيب، بل التي برّرت أن يحمل على عاتقه ويضع مصداقيته في الميزان بإعلان تصدّر المعركة على الفساد. وليس موضع نقاش عند كل عارف أن السيد نصرالله داعية دائم لحساب تغيير سياسي يأخذ لبنان نحو نظام سياسي اقتصادي جديد يضمن قيام دولة المواطنة والقانون والعدالة الاجتماعية ودولة الرعاية بمفهومها الواسع.

السؤال البديهي هو أن مَن يقرأ الفرص التي فتحها الحراك للانقلاب السياسي بحشود غير مسبوقة عابرة للطوائف والمناطق، بقوة الغضب من الأداء السياسي والاقتصادي، يرى أنها شكلت مناسبة مؤاتية لحزب الله بقوة جاذبية ومصداقية ومكانة السيد نصرالله لقيادة الحراك ودفعه نحو الإمساك بدفته وإيصاله لتحقيق تغيير سياسي يبدأ بإسقاط الحكومة ورئيسها، وهو ليس من حلفاء حزب الله، والمجيء بحكومة تدعمها أغلبية نيابية يملك السيد نصرالله قدرة تأمينها، تترأسها وتضمّ بين صفوفها أسماء تكنوقراط يضعون قرارهم في الملفات الاستراتيجية عند المقاومة، ويقلب الحزب الطاولة على خصومه وخصوم العهد، بحكومة مموّهة موالية تحت مسمّى التكنوقراط، تبدأ بملاحقة الخصوم بتهم الفساد وتلك مهمة سهلة، مع بعض التغطية بملاحقة بعض الحلفاء، فلماذا يضيّع الفرصة؟

السؤال الثاني البديهي، هو أنه كان بمستطاع السيد نصرالله إذا أراد تفادي هذا الخيار أن يعتمد خياراً شعبوياً، يبقي الحراك ساحة متساوية بينه وبين خصومه، بخطاب مؤيّد ومساند وبدعوة جمهور الحزب والمقاومة للنزول إلى الساحات والظهور كقوة أشدّ فاعلية في هذه الساحات. والأحجام هنا لا مجال لنقاشها بالمقارنة بين جمهور يدعوه السيد نصرالله للنزول وجمهور الأحزاب التي تتسيّد الساحات. فلماذا يختار السيد بعدما عدّد إيجابيات الحراك وإنجازاته، وفتح الباب لخطط تساكن سلمي بين الحراك والحكومة، على قاعدة التفاوض والتجاذب والتراكم، أن يختم كلامه بالتحذير مما يدبَّر متوقفاً أمام ما عرضه كمعلومات عما يدبَّر ويحضَّر، وعن المال والقيادة السرية للحراك، وصولاً لدعوة جمهور المقاومة للانسحاب من الساحات؟

ببساطة لدى السيد نصرالله ما يؤكد أن حضور جمهور المقاومة في الساحات سيكون فتيل فتنة يدبّرها من يتربّصون بالمقاومة، يشعلونها ساعة يريدون مستغلين الاحتكاك القابل للاشتعال الذي تتيحه الساحات. وببساطة لأن لدى السيد ما يؤكد أن قطع الطرقات يتم وفق دراسة أمنية للأماكن الجغرافية بما يشبه قطع شبكة اتصالات المقاومة عام 2008، ويهدف للإمساك بواسطة عناصر ميليشياوية تلبس ثوب المتظاهرين بمفاصل جغرافيا عسكرية مخططة. وببساطة لأن السيد حاول عن طريق غير مباشر مع الممسكين بدفة رسم الشعارات ومواعيد البرامج والتغطيات الإعلامية ومَن يشرفون على إنفاق الأموال التي تغطي حاجات الحراك وبرامج الترفيه وسواها، أن يضعوا برنامجاً مرحلياً ويشكلوا وفداً تفاوضياً يلتقي رئيس الجمهورية، فكان الجواب شبيهاً بما سمعه من قادة ما عُرف بقادة الثورة السورية قبل ثماني سنوات وفي مثل هذه الأيام تحديداً من العام 2011، عندما قالوا إن الشيء الوحيد المطلوب من الرئيس السوري هو الاستقالة، وببساطة لأن السيد يضع الحراك وناس الحراك أمام مسؤولية يجب أن يتحمّلوها، برسم خطة عمل، تخرج من الحديث عن الشعارات و ماذا ، وتجيب عن الآليات والوسائل و كيف ، فمن يريد انتخابات مبكرة يحتاج قانوناً يقرّه مجلس النواب، ومَن يريد ملاحقة الفاسدين يحتاج قوانين ترفع الحصانات وترفع السرية المصرفية ويحتاج لتحرّك القضاء، وكل هروب من الإجابة عن كيف والتمسك بـ ماذا وحدها للتعمية، يثير الشبهة بوجود أجندة خفية تُساق الناس نحوها، وهي تهتف وتغني وترقص بلا انتباه، وجاء كلام السيد يدق لهم جرس الإنذار للتساؤل عن الوجهة التي يتم أخذهم إليها، ليتمكنوا من تصحيح مسار حراكهم وامتلاك أجوبة على الأسئلة التي طرحها السيد، والتساؤل عن التمويل بداية كان ينتظر جواباً من هذه القيادة السرية بدلاً من تكليف شركة إعلانات على طريقة ما جرى في سورية، لإنتاج أفلام دعائية تحت عنوان أنا بموّل الثورة ، مدفوعة الأجر بالدولار الأميركي المجهول المصدر، عندما يستفيق الشارع على حقوقه بوجه مَن يسرقون حراكه عندها فقط سيكون السيد نصرالله أول المؤيدين. وهذا هو الحرص على الحراك والسعي الجاد لتصحيح مساره، وتلك هي مسؤولية قائد بقامة السيد نصرالله، بدلاً من التكسب والتلاعب والاستثمار والتوظيف، وهذا ما يفعله الآخرون ولا يمكن للسيد مجاراتهم رغم كونه الأقدر لو أراد.

قال أحد المؤرخين إن المواجهة التي دارت بين عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ربحها معاوية بالمكر والخداع، ومَن يعرف عليّاً يعرف أنه الأذكى والأدهى، فلمَ ترفّع عليّ عن ربحها بوسائل معاوية؟ وأجاب المؤرخ: لو فعل عليّ ذلك لتقاسم الحكم وغنائمه مع معاوية ولسلّم معاوية لعليّ بالقيادة، فلماذا يتقاتلان إن تشابها، ولو فعل عليّ ذلك لانتفى سبب صراعه مع معاوية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى