استقالة الحريري… وفرصة تشكيل حكومة إصلاح تنفّذ مطالب الحراك

حسن حردان

حاولت قوى 14 آذار استغلال مطالب الناس، التي نزلت عفوياً إلى الساحات رفضاً لسياسات الحكومة الاجتماعية وفساد الطبقة السياسية.. وسعت إلى تعديل موازين القوى لمصلحتها على صعيد السلطة السياسية، ونجحت في ركوب موجة الحراك، ولكن عندما فشلت في تحقيق أهدافها ضغطت على رئيس الحكومة سعد الحريري لتقديم الاستقالة هروباً من تحمّل المسؤولية في العمل على الاستجابة لمطالب الناس وتنفيذ الورقة الاقتصادية.

الرئيس الحريري لم يكن بعيداً عن ذلك، ولهذا سارع إلى تقديم استقالته في نفس الليلة التي أكد فيها لبعض الوزراء تصميمه على عدم الاستقالة.. وفور الاستقالة جاءت كلمة السرّ للذين قطعوا الطرقات وشلوا حركة الناس والاقتصاد على مدى 13 يوماً، بالعمل على فتحها.. وهو ما حصل حيث فتحت الطرقات وعادت الحركة بسحر ساحر.. مما يؤكد انّ من كان يقف وراء قطع الطرقات ويضع الشعارات القصووية التي كانت تطلق في الحراك عبر بعض وسائل الإعلام، التي كانت تلعب دور الموجّه والمحرّض في آن، هو من أعطى الإشارة بفتح الطرقات والإيعاز للعناصر المنظمة التي كانت تقف على الحواجز وتدقق بهويات المواطنين بالانسحاب وإفساح المجال أمام الجيش والقوى الأمنية لإزالة الأتربة والعوائق التي وضعت عليها..

لكن لماذا استقال الرئيس الحريري؟ والى أين تتجه الأمور بعد الاستقالة؟

اولاً: لماذا استقال الرئيس الحريري…؟

– انّ الاستقالة تمّت على خلفية خلاف وعدم اتفاق على تشكيل حكومة جديدة.. بعد أن فشلت محاولات تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري، أو إجراء تعديل وزاري يستهدف إزاحة الوزير جبران باسيل وتوجيه ضربة معنوية كبيرة للتيار الوطني وتدفيع باسيل ثمن مواقفه الوطنية الداعمة للمقاومة والدعاية للانفتاح على سورية.. وذلك بهدف تعزيز موقف القوات اللبنانية في الشارع المسيحي على حساب التيار الوطني..

– رمي الكرة في ملعب رئيس الجمهورية وحزب الله والقوى الوطنية والقول بأنهم هم من يتحمّل مسؤولية الأزمة، وليس الرئيس الحريري وحلفاؤه في قوى 14 آذار الذين حكموا البلاد على مدى ربع قرن، من خلال الحكومات الحريرية وسياساتها الليبرالية الريعية التي أغرقت البلاد بالديون والفوائد المرتفعة ودمّرت الإنتاج الوطني وأشاعت الفساد وربطت لبنان بسياسات الصندوق والبنك الدولي والتبعية الاقتصادية والمالية للولايات المتحدة والدول الغربية.. وكان لافتاً عدم رفع ايّ شعار في الحراك الشعبي يشير الى مسؤولية هذه السياسات الهيمنة الأميركية على لبنان والتي تتجسّد بصورة سافرة في الخضوع للعقوبات المالية التي ينفذها حاكم مصرف لبنان لحصار المقاومة وبيئتها ومناصريها ومؤيديها..

– الهروب من الاستجابة لمطالب الناس وإعادة خلط الأوراق وتأجيل حلّ الأزمة الاقتصادية والمالية والخدماتية، وبالتالي العمل على إجهاض ايّ تغيير أو إصلاح حقيقي تحت ضغط الشارع، ومواصلة الضغط لفرض إعادة تسمية الرئيس الحريري لتشكيل حكومة جديدة وفق شروطه، وبما يخدم أجندات 14 آذار ومن ورائها واشنطن التي تسعى الى إحداث تغيير في المشهد السياسي يقود إلى الانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي نقلت الأغلبية من فريق 14 آذار إلى فريق رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل والقوى الوطنية.. هذا الهدف ظهر بوضوح من خلال السعي لفرض تشكيل حكومة تكنوقراط أو فرض حكومة انتقالية تقوم بإجراء انتخابات نيابية مبكرة..

ثانيا: إلى أين تتجه الأمور بعد الاستقالة.. وهل سنكون أمام فرصة لتشكيل حكومة تستقوي بالحراك لتنفيذ الإصلاح الحقيقي السياسي الاقتصادي المالي؟ بالتالي يتمّ قطع الطريق على محاولة منع التغيير والالتفاف على مطالب الناس..

الواضح اليوم انّ تحالف الأكثرية أمام فرصة التقاط زمام المبادرة لتشكيل حكومة الأكثرية على أساس تنفيذ برنامج إصلاحي يحقق المطالب الأساسية التي نادى بها الناس في بداية هبّتهم العفوية، وفي طليعتها محاربة الفساد واسترداد أموال وحقوق الدولة من سارقيها، وتحميل المصارف جزء أساسي من حلّ الأزمة المالية عبر التخلي عن قسم كبير من ديونها على الدولة، وفرض قانون ضرائبي جديد يقوم على الضريبة التصاعدية المباشرة، وحلّ سريع لأزمات الكهرباء والنفايات بالتعاون مع الدول الصديقة التي أبدت الاستعداد لتقديم المساعدة، والمسارعة الى فتح قنوات التواصل الرسمي مع الحكومة السورية لتأمين التسهيلات لتصدير الإنتاج الزراعي الصناعي.. واستيراد النفط والغاز مباشرة من الدول الصديقة من دون وسطاء لخفض فاتورة النفط وأسعار المحروقات بما يعود إيجاباً على خزينة الدولة، وخفض كلف الإنتاج وأسعار السلع والمواد الأساسية.. وصولاً إلى وضع حدّ للوصاية الأميركية المالية وغير المالية…

كلام رئيس الجمهورية بأنّ الحراك الشعبي يفتح الباب امام الإصلاح، لا يمكن أن يُترجم عملياً الا من خلال حكومة تتبنّى هذا البرنامج الذي يحقق التنمية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والفاسدين ويحرّر لبنان من التبعية للوصاية الأميركية الغربية.. وإجراء الإصلاح السياسي عبر وضع إصلاحات الطائف موضع التنفيذ العملي.

اما إذا عدنا الى تشكيل حكومة تضمّ الجميع، ايّ جميع الكتل النيابية، فهذا يعني عودة الى الدوران في نفس الدوامة.. وتأجيل الانفجار.. او تسمية رئيس لتشكيل الحكومة يعجز عن تشكيلها ونبقى في ظلّ حكومة تصريف أعمال لفترة مديدة تتفاقم في ظلها الأزمات على كلّ الصعد…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى