ميشال إدّه… وطنٌ ورسالة

معن بشور

لم تتجسّد في لبناني كلمة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني «بأن لبنان أكثر من وطن إنه رسالة» كما تجسّدت في الوزير والقانوني ورجل الأعمال والمثقف الكبير ميشال سليم إدّه… الذي حمل قضايا الإنسان والعدالة والحرية في كل مراحل حياته.

بل لم يتجلَّ شباب الروح والفكر في تسعيني كما تجلّى في شخصية ميشال إدّه…

ولم تبرز نظافة الكفّ، ونزاهة القصد، وشفافية الممارسة، في مسؤول تولّى مناصب عليا، كما برزت في سيرة ميشال إدّه…

منذ أن نشرت مواقع التواصل ليل الأول من أمس الأحد وفاة الرجل النبيل، حتى انهمرت عليّ رسائل تعزية من كل لبنان، بل كل بلد عربي، ومن بلدان أجنبية عدة، باعتباري صديقاً للراحل الكبير، وباعتبار أن له مكانة كبيرة حيثما كان في منطقتنا والعالم…

ميشال إدّه الذي حالت وطنيته الصادقة، واستقلالية قراره الوطني، وانحيازه الشديد للقضايا العادلة وفي مقدمها قضية فلسطين، دون وصوله إلى رئاسة البلاد أكثر من مرة، كان يعتبره العديد من اللبنانيين رئيساً للبنانيين كافة، لأنه لم يكن يميّز يوماً بين لبناني وآخر، بل بين مؤسسة لبنانية وأخرى، على أساس الطائفة والمذهب أو المنطقة…

ميشال إدّه الذي وضع «الصهيونية تحت مجهره» في عشرات الحلقات التلفزيونية على قناة «المنار» في تثقيف وتعريف جماهيري نادر بحقيقة هذا الكيان، كان يدرك أن معاداة الصهيونية مكلفة لأي سياسي، لكنها فرض أخلاقي وإنساني ووطني على كل إنسان…

ميشال إدّه الذي تحدّى الدبابات الصهيونية المحيطة بمقرّ تلفزيون لبنان في الحازمية في عام 1982، وأصرّ، وهو وزير الإعلام، أن يعرض في حلقتين مخاطر الصهيونية على لبنان مكمّلاً في ذلك رسالة أستاذه المفكّر اللبناني الكبير ميشيل شيحا…

ميشال إدّه الذي لم يتردّد لحظة واحدة في قبوله منصب نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، إثر انتفاضة الأقصى المبارك عام 2000 كان يدرك أنه كلبناني وعربي، وكمسيحي مؤمن وصاحب فكر، عليه التزام تجاه عاصمة السلام والمقدسات لا يمكن أن يتخلّى عنه…

ميشال إدّه الذي تركت أياديه البيضاء بصماتها على العديد من المبادرات الحوارية، الثقافية، الاجتماعية، التربوية، الشبابية، كان ذا حضور جميل في كل منتدى أو مؤتمر أو مخيم شبابي مجسداً فكرة التواصل بين الأجيال المتعددة، وبين البيئات المتنوّعة، والأقطار الموزّعة على خارطة العرب والعالم…

مجلس ميشال إدّه الإنسان صاحب النكتة الجميلة، والبديهة الحاضرة، والثقافة العالية، والفكر النير، كان من أجمل المجالس التي بات كثيرون يردّدون ما سمعوه فيها من طرائف وأفكار ومعلومات..

لو أراد أحد أن يلخص الرجل في كلمات لقال: ميشال إدّه موسوعة فكر وتاريخ وأدب وثقافة وأخلاق وقيم قلّ نظيرها… لذلك لن يكون وداعه اليوم إلا دعوة لأن نبقى جميعاً نقرأ في موسوعة رجل قلّما عرف لبنان والعرب مثيلاً له!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى