ميشال إده… حالة فكرية وسياسية وطنية لا تشبه غيرها

جهاد أيوب

آخر المنظرين بجدارة غيّبه الموت…

آخر أعمدة التنوير الباحثين قد رحل في زحمة قطع طرقات الوطن على الوطن…!

آخر الحالمين بإصلاحات وطنية من أجل أن يبقى الوطن رحل دون أن يتلمّس أيّ إصلاحات في الوطن.

آخر من كان يؤمن بسيادة الحوار ميشال إده ترجّل عن كتبه، وعن قوّة معلوماته، وعن خير ثقافته، وعن عضلات الميثاق، وعن العيش المشترك، تاركاً التنوير إلى زمر اعتقدت بأنها لبنانية الهوية، وفي الحقيقة لا هدف لها غير تهديد البنية في الهوية.

ميشال إده من بقايا الشخصيات المهمة في هذا البلد، اللقاء معه يغني الفكر، ويعلّمنا الحوار، صحيح هو يسترسل دائماً في خطابه وقد لا يسمح لك بالتعقيب في آخر أيامه، ولكن صمتنا أمام طروحاته ومعلوماته، وغزارة أفكاره تفرض الصمت والإصغاء، والتعلم والدراسة ما بعد السمع!

ميشال إده… آخر المفكرين والمثقفين الحقيقيين في بلادنا رحل… كان منهجياً في طروحاته، نختلف معه وكم اختلفنا وناقشناه فظلّ مبتسماً ساعياً إلى تطوير منهجه وفكره.

ميشال إده حالة فكرية وطنية نيّرة وفي النقاش والخلاف والحوار هو قيمة، وفي السرد والجواب والتعليق هو هوية، وفي الابتسامة والإصغاء والممرات السياسية تكشف حدة نظراته، وعمق غاياته، وثروة ما ينطقه.

الوزير السابق السياسي ميشال إده هو كلّ ما حدث من تقلبات في السياسة اللبنانية، راجع مع كلّ مفترق حساباته ومنهجية مواقفه السياسية، وقارن وقائعها مع مصلحة الوطن فعاد إلى صوابية ما يصبو إليه في وطن الجميع!

يوم انتصرت المقاومة على العدو الصهيوني وعلى زمر العدو في الداخل حط كلّ حمله العقائدي والفكري في خدمة الحقيقة، وتنقل بين الفضائيات ليقدّم خدماته القبسية دون غاية سوى قول الحقيقة… وهذا أرقى فعل، وأنضج مرحلة كانت في حياته المشرقة.

ميشال… إنه إنسان خلوق، قمة في تعامله الحضاري، ومن لم يتعرّف إليه خسر كثيراً، ومن تعرّف إليه ولم يستفد من جواهره الفكرية ومكانة معلوماته أضاع الكثير من عمره!

هو شخصية محبّبة، قريبة إلى القلب، مهضوم جداً، سريع البديهة، النكتة حاضرة لديه، ثاقب التطلعات، ومهما اختلفت معه ومع سياسته ومواقفه لا تستطيع كرهه، هو آدمي مهما اختلفت مع ميوله السياسية…

ميشال إده… كنا نتعلم منه دائماً، معمّق في فهم «إسرائيل» ومعنى قيامها، يفصّل التفصيل وأدقّ التفاصيل، رصاصة حاسمة حازمة ومباشرة في جسم العدو…

ميشال إده.. هو لا يتحدث إلا بما يفقه، ويفهم، ومتعلم، ولا يؤمن بالكراهية الفكرية والمراهقة الفعلية، هو ذاك المواطن اللبناني بثقة، والعربي بالميثاق، وهو ميشال إده الواضح والمواطن والإنسان… خسرناه في زحمة سقوط بقايا الوطن!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى