«الإرهاب»… أداة الاستعمار الجديد

د. جمال زهران

فاجأنا الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ عدة أيام، بالإعلان عن محاصرة أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش وهو اختصار للمسمّى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، حتى قام بتفجير نفسه وأسرته في نفق أو خندق، حتى لا يتمّ الإمساك به! وظهر ترامب سعيداً وفخوراً بهذا الإنجاز الأميركي في عهده، بالتخلص من زعيم داعش الإرهابي الذي تقاومه أميركا! وعبّأت له تحالفاً دولياً وإقليمياً لمحاربة الإرهاب في سورية والعراق وفي الإقليم كله! في ذات الوقت الذي سبق أن نشرت الأخبار تباعاً من قبل، بأنّ البغدادي قد قتل، وتمّ نشر صوره مقتولاً وغارقاً في دمائه! وقد دبّجت المقالات والتحليلات ومفادها أو خلاصتها أنها بداية لانهيار تنظيم داعش! بل ونهاية للإرهاب أو خلاصتها أنها بداية لانهيار تنظيم داعش! بل ونهاية للإرهاب في المنطقة العربية والشرق الأوسط!

كما ذكرتني محاولة ترامب هذه، بما سبق أن فعله أوباما الرئيس الأميركي السابق، عندما أعلن أنه قد تمّ إلقاء القبض على زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن، وهو المتهم الأول بتفجيرات برجي التجارة في نيويورك المعروفة بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، ثم قامت القوات الأميركية بنقله إلى واشنطن، ورفض آنذاك نشر صوره الحقيقية أو الجثمان، أو دفنه علي الهواء، حيث أعلن أوباما أنه قد تمّ حرق الجثمان، وإلقاء رماده في مياه المحيط الهادي!

فالحقيقة تشير إلى أنّ أفلام الأكشن الأميركي هي صناعة مخابراتية بامتياز، ولكنهم كقاعدة اللصوصية، أنه مهما كان اللص ذكياً، فإنه يترك أثراً من شدة الاستعجال في النهاية، كذلك أجهزة المخابرات تترك آثاراً يسهل على المحللين المدققين الذين يعملون لحساب العلم والحقيقة، اكتشافها وصياغة الشروحات وتقديم التفسيرات لما حدث ويحدث وما يمكن أن يحدث فعلاً في الواقع. فقد سعي كلا من أوباما وترامب، وقبلهما بوش الابن، إلى الإعلان عن حدث معين وكبير، لمحاولة إنقاذ ماء الوجه، وإنقاذ واقعهم المأزوم.

رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية وأستاذ العلاقات الدولية مصر

وأذكر في هذا الصدد، أنه علي مايبدو، وكان قد تقرر إنهاء أسطورة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في الفترة الثانية لادارة كلينتون، ولكن علي مايبدو تم تأجيل هذا الوضع مخابراتيا إلي فترة أخري تكون قد أنجزت المهام المطلوبة بالتوازن مع الاعلان الافتراضي باستمرار عمل تنظيم القاعدة .

ثم تكررت المحاولة في الفترة الثانية لبوش الابن، باعلان وفاة أو القبض علي أسامة بن لادن، ولكن فشلت المحاولة أو تأجلت لحسابات تتعلق بالتنافس والخلاف المخابراتي الدفاعي، في تلك الفترة . حتي جاءت المحاولة الثالثة في عهد أوباما الديمواقراطي، وأصبحت الظروف مواتية باغتيال تنظيم القاعدة، باغتيال زعيمه، للانتقال إلي حركة جديدة، وتنظيم جديد للإرهاب هو تنظيم داعش وزعيمه، أبو بكر البغدادي!.الذي تم زرعه في منطقة الشام العراق وسورية ولبنان ، ولا بأس من تصديره إلي ليبيا، ومصر، واليمن،كي يؤدي وظائفه في خدمة الامبريالية الجديدة بزعامة الولايات المتحدة الأميركية بعد انتهاء الاستعمار التقليدي بقيادة القوي التقليدية في أوروبا انجلترا وفرنسا ألمانيا ايطاليا أسبانيا البرتغال النمسا، وغيرهم !

وقد أدركت كباحث هذه الحقيقة، أن كل هذه التنظيمات هي صناعة مخابراتية نابعة من الاستعمار الأميركي القبيح، في ظل المشروع الأميركي الصهيوني، للسيطرة علي مقدرات المنطقة العربية والشرق أوسطية، بما يحول دون ظهور قوة اقليمية كبري تكون قادرة علي ازالة الكيان الصهيوني من الوجود علي أرض فلسطين المحتلة، وتحريرها كاملة من النهر إلي البحر .

حيث نشرت مقالا مبكرا في مجلة الأهرام الأقتصادي، القاهرية، بتاريخ 1/مايو/1993م، وبعنوان : الإرهاب أداة جديدة من أدوات السياسة الخارجية للاستعمار الجديد، أي منذ اكثر من 25 عاما، وأشرت فيه إالي أن الإرهاب ظاهرة اصطناعية من الدول الكبري لتوظيفها في خدمة مطامع هذه الدول وتحقيقها لأهدافها الاستعمارية في صورة جديدة .

كما أن الرئيس الأميركي نيكسون الذي عزل في منتصف فترته الثانية في السبعينيات علي خلفية فضيحة ووترجيت، نشر كتابا بعد عزله بعنوان : انتهزوا هذه الفرصة seigze of the chance ، طالب فيه بالتنسيق مع المخابرات الأميركية، بأنه لابد من صناعة عدو جديد وهو الاسلام بعد انتهاء العدو الشيوعي آنذاك وقرب التخلص منه .

وقد اشار الكتاب إلي أن ربط الاسلام بالإرهاب، هو الحل لصياغة عدو جديد، يساعد في السيطرة علي منطقة النفط والثروات وحماية الكيان الصهيوني!

وخلاصة ماسبق، فان الاعلان عن اغتيال او انتحار البغدادي، هو أكذوبة كبري، مثلما حدث في اغتيال أسامة بن لادن، وأحداث 11 سبتمبر2001م، وغيرها، لا يجوز تصديقها أو الجري وراءها واضاعة الوقت . فلا حل سوي المقاومة وتحقيق الاستقلال الوطني والتكامل القومي حتي تحرير فلسطين من النهر الي البحر،

القاهرة 1/11/ 2019م د. جمال زهران

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى