ثلاثية لبنان الذهبيّة لن تتفكك ولا تصدأ؟

د. وفيق إبراهيم

تتعرّض ثلاثية لبنان الذهبية «الشعب والجيش والمقاومة» لاستهدافات خطيرة من جهات داخلية وخارجية تبذل كامل إمكاناتها لتفجيرها او إصابتها بعطب بنيوي قاتل.

هذا ليس مجرد اتهام تقليدي على الطريقة العربية وبالتدقيق يتبيّن فوراً انّ المتظاهرين في لبنان خرجوا الى الشوارع مطالبين بضرب الفسادين السياسي والاقتصادي وإلغاء الطائفية السياسية.

لكن القوى الداخلية الموالية لجنبلاط وجعجع والجميّل وعشرات الجمعيات والشخصيات ذات الميول الثقافية الغربية، ومعهم عشرات السياسيين «المغردين أميركياً» كلّ هؤلاء تسللوا الى انتفاضة اللبنانيين عابثين بشعاراتها المطلبية ومحوّلين قسماً منها الى استهداف سلاح حزب الله وتحميله مسؤولية الانهيار السياسي الاقتصادي في لبنان، ولم تنجُ من هذا التسلل تحالفات الحزب في التيار الوطني الحر وحركة أمل.

النجمة الثانية من ثلاثية الذهب، أيّ الجيش يتحرّك بخجل أمام انتفاضة صادقة تحوّلت تيارات منها الى فوضى تقطع الطرقات وتشلّ حركة المياومين حتى بدا هذا الجيش وكأنه يحمي سيركاً من قطاع الطرق تدور فيها ألعاب بهلوانية لا علاقة لها بها، لكنه لا يمنعها ويحرص على استمرارها تطبيقاً لنصائح غربية طلبت منه حماية المتظاهرين.

أما ثالثة النجوم وهي المقاومة فتجد نفسها في وضع معقد، فالانتفاضة هي الجزء المدني منها، لكنها لا تستطيع دعمه بإمكاناتها وسط صراع إقليمي ودولي، تلعب فيه «إسرائيل» ومعها الإرهاب والهجوم الأميركي المضاد على المنطقة وسائل لتفجير المجتمعات التي تستمدّ المقاومة أدوارها منها.

لذلك استنفرت إمكاناتها من دون المشاركة في التحرك لانها لا تريد إعطاء العدو الاسرائيلي والسياسة الاميركية الخليجية ذرائع اضافية لتحريك قوى لبنانية مرتبطة بها.

هذا ما جعل المقاومة تبدو وكأنها محاصرة من أطراف داخلية اخترقت قسماً من الانتفاضة وعملت على شحنه بعيارات قوية معادية لسلاح الحزب وإيران وسورية، فهل من الطبيعي أن يدعو الاتحاد الأوروبي لبنان في هذا الوقت بالذات لإيجاد وسائل دمج للنازحين السوريين على أراضيه ووظائف يعملون فيها.

الا تعلم أوروبا ومعها الأمم المتحدة انّ لبنان يضيق ذرعاً بلبنانيّيه فكيف بضيوفه؟

اما الأكثر وضوحاً في التدخل الخارجي في انتفاضة لبنان فهما وزير الخارجية الأميركي بومبيو ورئيس وزراء الكيان الاسرائيلي نتنياهو اللذان طالبا علناً من متظاهري لبنان ضرب الدور الإيراني في لبنان وسلاح حزب الله ولم يخلُ الامر من تأييد خليجي للتخلص من سلاح الحزب وايران معاً.

يضاف الى هذا التأثير المتعدّد، رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري محاولاً ركوب موجة المتظاهرين مع وجود استعداد للدفع باتجاه تفجير مذهبي وطائفي إذا لم يقبل تحالف حزب الله بحكومة تكنوقراط يشكلها بمفرده. وهذه خطة واضحة للإمساك بالآلية الدستورية التنفيذية التي تدير البلاد على أساس حشر حزب الله والثلاثية الذهبية في الدائرة الضيقة الى حدود نسفها.

مقابل هذا اللعب المكشوف هناك عجز في تشكيل حكومة جديدة ودولة تبدو وكأنها مأخوذة على حين غرة لا تستطيع تلبية المتظاهرين بسبب استقالة الحكومة وشلل المجلس النيابي ولا تقدر على قمع المتظاهرين فيصيبها ما أصاب العراق والكثير من العالم العربي من حمامات دم متواصلة.

هناك اذن التورّط الداخلي الحزبي والسياسي وعجز الدولة وشلل مؤسساتها والتدخل الصريح للأميركيين والخليجيين والاسرائيليين للاستثمار في أزمة لبنان وتفجير الدولة والمجتمع، مقابل نيات سليمة عند رئاستي الجمهورية والنواب، لكنهما غير كافيتين لاحتواء الأزمة الحالية. هذا إلى جانب العقوبات الاقتصادية الاميركية على لبنان وانحسار تحويلات المغتربين وتوقف الإنتاج والديون والضغوط الغربية على المؤسسات التعليمية المنتمية اليها للانضمام الى المتظاهرين.

ماذا لدى حلف التيار الوطني حزب الله وتحالفاتهما من إمكانات للتعامل مع هذه القوى الجارفة والدفاع عن الثلاثية الذهبية؟

إنّ إصرار هذا الحلف على تسمية سعد الحريري على رأس الحكومة المقبلة، ليس إيماناً منه بحيازته على الأكثرية النيابية او لبراعته في إدارة الأعمال التنفيذية بل لاعتقاد هذا الحلف انّ السعد لا يزال يمسك بغالبية الطائفة السنية على مستوى عديد النواب والنفوذ الشعبي، الأمر الذي يحول دون أيّ استثمار بتفجيرات مذهبية وطائفية.

لكن استمرار الشيخ سعد في سياسة الاستثمار في الانتفاضة لابتزاز فريق عون حزب الله لن يؤتي أُكله، لأنهما يملكان الورقة الأخيرة وهي الإعلان عن الاستشارات النيابية الملزمة، وبما أنهما يحوزان على غالبية النواب فبإمكانهما تسمية شخصية سنية معتدلة كالنائب فيصل كرامي المتحدّر من والد كان رئيساً للحكومة وعم هو رشيد كرامي كان بدوره أهمّ رئيس وزارة في لبنان، وجدّ هو مفتي طرابلس عبد الحميد كرامي الذي ترأس بدوره حكومة البلاد.

أما التخوّف من صدامات أهلية، فبالإمكان معالجتها باستصدار سريع لأكبر كمية ممكنة من قوانين إصلاحية تستأصل الفساد السياسي والاقتصادي وتلاحق الأموال المنهوبة، وتطرح موضوع إلغاء الطائفية السياسية على استفتاء شعبي، يكشف أنّ معظم مؤيديه هم منافقون يدّعون تأييده لإحراج المنافس الآخر الذي يرفضه بدوره.

هناك نقطة بنيوية أخرى يتناساها الشيخ سعد ومعه فريق جنبلاط وجعجع والجميّل والجمعيات والشخصيات المتأمركة، الى حدود إسرائيلية البعض منها، وأولها انّ الشعبية الجماهيرية عند حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر تساوي نحو 65 في المئة وربما أكثر من اللبنانيين، والدليل في هوية من ربح الانتخابات النيابية الأخيرة.

هذه الشعبية لا تزال بطلب من قياداتها أسيرة المنازل والترقب، ومتى أصيب حزب الله وحلفاؤه بإحباط نهائي من «السعد» فإنهم ذاهبون من دون أدنى شك الى حكومة أكثرية تكشف زيف التسلل المنافق للكثير من القوى اللبنانية.

فإذا كان حرص عون بري المقاومة على الاستقرار اللبناني عالي المستوى، فهذا لا يعني أبداً قبولهم بدور أميركي اسرائيلي على حساب المعادلة الذهبية التي تؤمّن الاستقرار الوطني للبنان منذ 2006، وكانت أمّنت تحرير لبنان بكفاح منذ 1982 الى 2006 ادّى الى منحها وسام الثلاثية الذهبية الذي شرعته بندقية المقاومة وتأييد عون ورعاية بري والأحزاب الوطنية وحماية الشعب اللبناني العظيم.

بذلك يتبيّن انّ هذه الثلاثية غير قابلة للتفكك لمجرد استعمال إعلام خشبي متواطئ وقوة داخلية تتاجر ببلادها منذ تأسيس لبنان في عشرينيات القرن الماضي وحتى تاريخه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى