لبنان وسيناريوات التصعيد

شوقي عواضة

على أعتاب دخول الحراك المطلبي الشعبي شهره الأول في لبنان تتسارع الأحداث في الشارع اللبناني ليتضح المشهد أكثر من خلال تعدّد السيناريوات المفتوحة على مصراعيها. فبعد استقالة الرئيس سعد الحريري وإطلاق المشاورات لتأليف حكومة الإنقاذ الوطنية التي قابلها الحريري بإصراره على تأليف حكومة تكنوقراط، وأمام عدم تحقيق أيّ مطلب للحراك الشعبي الحقيقي يدخل لبنان في أزمة كبيرة لن تتدارك أخطارها. فالأزمة تبدأ من حكومة التكنوقراط التي سيترأسها الحريري الذي يشترط عدم وجود أحزاب فيها إضافة إلى إعطائها صلاحيات تشريعية أيّ بمعنى آخر إلغاء دور مجلس النواب أو أخذ بعض صلاحياته. والسؤال كيف يمكن أن تؤلف حكومة تكنوقراط يرأسها الحريري الحزبي الآتي من حزب تيار المستقبل؟ وفي حال تمّ القبول بهذه الحكومة وهو من المستحيل، ما هي مهماتها؟ وكيف ستحلّ الأزمات الاجتماعية؟ بالطبع لا تملك أية حكومة حلولاً سحرية إنما تستند إلى برنامج إصلاحي وخطة اقتصادية تنهض بالبلاد. أما حكومة التكنوقراط فلديها الحلّ السحري الجاهز والفعال من خلال الالتزام بمهمات الأجندة الأميركية السعودية «الإسرائيلية» التي تقضي بأن تتخذ حكومة التكنوقراط قراراً بتجريد المقاومة من سلاحها ومن ثم الالتحاق بمعسكر صفقة القرن وإقرار توطين الفلسطينيين والسوريين، مقابل تسديد الديون وإدخال لبنان ضمن المنظومة الاقتصادية لصفقة القرن. وهذا يعني أنّ هناك إصراراً أميركياً سعودياً «إسرائيلياً» لتأزيم الأوضاع ورفع وتيرة المواجهة داخلياً في ظلّ التزام أدوات أميركا وحلفائها بالسيناريو الذي تراه واشنطن مناسباً، وما إعلان وليد جنبلاط انضمامه إلى الثورة وإعطاؤه التعليمات بإقفال الطرقات بالسواتر الترابية والإسمنت إضافة إلى استغلال وزير التربية أكرم شهيّب منصبه لخدمة مشاريعهم وليس لخدمة مطالب الحراك الشعبي، وهو مؤشر على الانتقال إلى مرحلة العسكرة، ولا يمكن استيعاب كيفية انضمام فاسد تشهد وزارة المهجرين وشركة سبلين على فساده وكيف يسمح لمن كان يقف مع الاحتلال الإسرائيلي في اجتياح عام 1982 بمصادرة السلاح في الجبل أن يعطل المدارس والجامعات بقرار منه…!

وهل كانت مصادفة عملية إغلاق الطرقات في معظم المناطق بعد كلمة الرئيس ميشال عون أم هناك أمر عمليات أميركي بالتصعيد والذهاب نحو اغتيال الحركة المطلبية والقضاء عليها وعسكرة الصراع وتغذيته بالدم من خلال عمليات الاغتيال لتأجيج الأوضاع بطريقة تستدعي تدويل الأزمة كما يأمل أدوات المشروع الأميركي في لبنان. وبالتالي الذهاب إلى مواجهة عسكرية. كل الاحتمالات واردة عند الأميركي وحلفائه لكن ما لم تضعه الأدوات الأميركية في لبنان في حساباتها أنّ أية معركة سيذهبون إليها ستكون معركة الدفاع عن الدولة القوية والسيادية وليس عن الفاسدين الذين يحاولون استثمار الحراك وتدميره من الداخل هي معركة السيادة الحقيقية في مواجهة التسلط الأميركي الذي تدرك أدواته أنّ باستطاعتهم ان يفتحوا المعركة لكنهم حتماً سيعجزون عن حسمها بالنتيجة التي يحلمون بها. ومهما كان لديهم من إمكانات ودعم خارجي قد يصل إلى حدّ «فنزولة» لبنان ونقل المشهد الفنزويلي إلى لبنان، من خلال تشكيل حكومة رديفة أو رئيس رديف تعترف به إدارة ترامب وتدعمه في معركة إسقاط العهد الذي لم ولن يسقط مهما كان الثمن.

أمام تلك السيناريوات ومع رفض كلّ الحلول التي تؤدّي الى انفراج الأزمة اقتصادياً من خلال ما قدّمه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله من اقتراحات تؤدّي إلى انطلاق مسيرة الإصلاح والاستغناء عن القروض وتحسين الإنتاج الزراعي والصناعي وتحريك الدورة الاقتصادية وخلق فرص عمل، اقتراحات قابلتها أدوات أميركا بالمزيد من التصعيد والتأزيم، وإزاء ذلك يبقى تمنّع سعد الحريري عن تأليف حكومة إنقاذ هو هروب من المسؤولية ومن محاولة محاسبته عن ملفات الفساد التي له اليد الكبرى فيها هو وحلفاؤه المصرّون على التصعيد. أما إصراره على تشكيل حكومة تكنوقراط فهو إصرار على جرّ البلاد لمواجهة لن يحمد عقباها، وهي نفس الطريقة التي يمارسها نتنياهو الآن من خلال هروبه إلى التصعيد والمواجهة في ظلّ ملاحقته بملفات الفساد المتورّط بها بعد فشله في تشكيل حكومة ائتلافية، ولربما يرى قياديو الثورة الجدد في العدوان الذي شنّه نتنياهو على غزة وأدّى إلى استشهاد القائد الميداني في حركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا أو استهداف المسؤول في الجهاد الإسلامي في دمشق أكرم العجوري الذي نجا من الغارة واستشهد نجله، ربما يشكل لهم بارقة أمل أو فرصة للتخلص من المقاومة وسلاحها لكنهم لا يريدون أن يروا حقائق تاريخية دامغة نسوها، فهم رأوا الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 لكنهم لا يريدون أن يتذكّروا اندحار جيش العدو عام 1985 وعام 2000 وهزيمتهم النكراء عام 2006. وهم شهدوا دخول قوات المارينز والمظليين الفرنسيين إلى بيروت ونسوا مشهد عودتهم في التوابيت حين كنا ضعافاً. وفرحوا بغزوات داعش لسورية ولا زالوا مكتئبين من مشاهد انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه. فلأجل ما لم تروه ولن تروه من الانتصارات والعزة سيبقى سلاح المقاومة ما بقينا ونقول لكم مقولة الرئيس بري للسنيورة حين طالب بنزع السلاح «إذا كنتم أقوى من إسرائيل خذوا سلاحنا».

كاتب وإعلامي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى