بيان عمدة الإذاعة في القومي بمناسبة العيد الـ 87 لتأسيس الحزب: المشروعَ القومي الاجتماعي ضمانة للمستقبل وفيه خلاص الأمة

أصدرت عميد الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي شكل تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1932 نقطة فاصلة في تاريخ الأمة السورية. العمل الخطير الذي اضطلع به المؤسس أنطون سعاده، والقائم على بناء عقائدي واجتماعي وإصلاحي واضح، أسس لنواة فاعلة في رفع المجتمع السوري من حال التفسخ والضعف إلى مجتمع يتمكن من تحديد مصالحه والاعتماد على قوته في مواجهة الإرادات الأجنبية وأدواتها الداخلية وبناء استقلال سياسي واقتصادي حقيقي للثبات والتفوق بين الأمم.

إن النهضة القومية الاجتماعية ولدت من واقع الأمة السورية وعبّرت عن إمكانياتها وآمالها، وأوجدت الحلول لتفعيل قدرة سورية على تحقيق استقلالها وضمان حياتها وارتقائها وأرست بذلك الخطة المعاكسة الناجعة لكلّ سوريّ لديه الإرادة والوعي والمسؤولية تجاه مصالح الأمة ومكانتها ومستقبلها خارج مخططات الدول الأجنبية والموروثات الطائفية والإقطاعية.

أيها السوريون القوميون الاجتماعيون،

أتى تأسيس الحزب بهدف بعث حياة سورية وقوّتها الفكرية والنفسية والثقافية والاجتماعية، وهو بلا منازع، إعلانُ بِدءِ تاريخ سورية المستقلة. وإن تضحياتكم طيلة 87 عاماً أثمرت وتثمر على امتداد الوطن السوري، تعبرُ فوق حدود الوهم وتُثبت بأنّ في سورية إرادةٌ لا تكسر، وشعبٌ لا يُقهر، ووحدةٌ لا تلغيها سايكس بيكو وشبيهاتها.. وإنّ عملكم يضع كلّ يوم قواعد أخرى للمعادلة، ويهزم ما خُطط لسورية، ويُثبت أنها أمة، ومجتمعها واحد، ومصالحها واحدة، ويقارع حركة احتلال تُريد لها الزوال ويريد القوميون الاجتماعيون لها الحياة بعزّ وكرامة.

أمام هذا الواقع، تخوض بلادنا حرباً في كافة الاتجاهات بمواجهة السيطرة الأجنبية وفرض سلام الاستسلام عليها، وستبقى هذه الحرب مستمرة طالما الدولة اليهودية قائمة وأمتنا مقسّمة. وكما بات واضحاً، إنّ بعض الأنظمة العربية تنازلت عن حقوق أممها وانتصرت للمشروع الأميركي الصهيوني وتساهم في الضغط على المجتمع السوري واقتصاده لفرض معادلة سياسية تُذهب انتصارات المقاومة ومكتسباتها على امتداد عقود من الزمن، ونحن نعلن أنّ سورية ليست من الأمم التي تتنازل عن حقوقها لتوطيد سلام وأنّ السلام الوحيد الذي نؤمن به هو أن يسلم أعداء هذه الأمة بحقها ونهضتها ولن نكون إلا في هذا الموقع من بغداد الى دمشق وبيروت وكلّ فلسطين.

إنّ الاستعمار كشّف عن مخططاته وهو يتنقل بها بين كيانات الأمة السورية. هذه المخططات التي فشلت في الانتصار على الشام وإسقاطها، باتت أكثر خطورة وامتداداً بين أبناء شعبنا وتترقب الفرصة للانقضاض على ثرواته النفطية ومقدراته. ففي العراق تدور معركة استنزافٍ بدأت بالاحتلال ثم بخلق كلّ أسباب الاقتتال الداخلي وحالياً تأخذ السياسات الاميركية منحى آخراً بثوراتها الملونة التي تستخدم حقوق الشعب الاجتماعية والاقتصادية وآلامه لتأجيج الانقسام الداخلي وتحقيق مكاسب سياسية وأمثلتها حاضرة على امتداد العالم. وفي لبنان الذي يرزح تحت وطأة المديونية العامة وغلاء المعيشة وفقد المواطنين للخدمات الأساسية وانتشار الفساد في إداراته ضمن نظام طائفي هو أساس ويلاته، فإنّ أولئك المتربصين بالبلاد بدأوا مرحلة اللاعودة فوق آلام الشعب المتراكمة من جراء السياسات الاقتصادية الليبرالية المتوحشة التي أغرقت البلاد بالديون والارتهان للمصارف والدول الاستعمارية وبنت شواهقها من أمعاء الفقراء حتى جاءت غضبة الشعب، التي وجب أن تكون واعية، وتكون بوجه هذه السياسات الاقتصادية ونظامها السياسي الملّي المُؤسَّس عثمانياً والمُقسَّم أوروبياً والموروث أميركياً والذي أمعن في شعبناً فقراً وتقسيماً، خدمةً للمصالح الأميركية. هذا الغول الساقط من عالم الإنسانية الناظر إلى جوف أرضنا معلناً سياسته بكلّ عجرفة نريد النفط تحت طبقة من الفوضى الشعبية والحربية تبدأ في الشمال السوري ولا تنتهي عند سواحله في لبنان.

إنّ النفطَ سلعةٌ سياسيةٌ وليست تجارية، واستخراجه في هذا التوقيت لا بدّ أن يترافق مع تغيير في البنية السياسية بحسب المشروع الأميركي. لذا فإنّ السّاعين للاستقلال الاقتصادي بعيداً عن الاستقلال السياسي فهُم لم يدركوا بعد قواعد الوجود والإرتقاء.

يأتي ذلك ضمن ما طُرح تحت مسمّى صفقة القرن والتي حملت عناوين إقتصادية لتصفية المسألة الفلسطينية. وهذه الحرب الاقتصادية تأتي في سياق تمرير التسوية في فلسطين المحتلة وعلى امتداد الوطن السوري وتأتي في ظلّ تصعيدٍ صهيونيّ على مستوى الاستيطان والعدوان على قطاع غزة يقابله تطورٌ نوعيّ في القدرات والإرادة بالمواجهة لجبهة المقاومة.

إنّ المشروع القومي الاجتماعي يعزّز مكامن القوة والاقتدار في المجتمع، لذلك وجب التوجه نحو تحرير الاقتصاد من السيطرة الدولية عليه ورفع مستوى التعاون مع المحيط القومي إذ يُشكل ذلك حلاً عمليّاً للأزمات التي تمرّ بها بلادنا ويدفع باتجاه الإستقلال السياسي والثقافي وهو أساس الإستقلال الاقتصادي.

أيها السوريون القوميون الاجتماعيون،

أخيراً، بدأ الشعبُ السوريُّ يتلمّسُ الطريقَ الى ضرورةِ وحدتِه الاجتماعية ويتبيّنُ له يوماً بعد يوم أنّ المشروعَ القومي الاجتماعي ضمانةٌ للمستقبل وأنّ مشروعَ الحزب الإصلاحي هو خلاصٌ لكلّ السوريين. وقد أبدى شعبنا وعياً متنامياً لأهمية التعاون الاجتماعي في وجه التفكك الذي أحدَثَه ويُحدِثُهُ التصادمُ الاجتماعي الداخلي وخلفيته تزاحم الجماعات الدينية والاتنية وهوياتها الفرعية على حساب الشعب السوري ووحدته وارتقائه.

كونوا أشداء على الفساد والفاسدين ولكن لا تركنوا للفوضى، انشروا الوعي أينما وُجدتم، وراكموا عملاً متواصلاً في متحداتكم لتثبيتِ قيمِ الوحدة والثقافة القومية الاجتماعية، واعلموا أنّ نهضةَ أمتنا تحتاجُ فهماً عالياً لأهمية الإلتزام ودور العمل المؤسّساتي فهو الضامن لاستمرارية النضال ومراكمته، وما تخطي الصعوبات التي تواجهُ الحزب والمحطات التي ينجزها، إلا دليل على قدرة نظام الفكر والشكل في تفعيل إرادة القوميين الاجتماعيين وعزيمتهم على تقديم نموذج راق ومتطور يُحتذى به في العمل الوطني والحزبي المؤسّساتي والوحدوي على امتداد سورية.

إنّ الوعي القومي أساس التغيير المنشود، أما اللاهثون وراء الفوضى والجموع المتعددة المشارب والأهواء والإتجاهات العقائدية السياسية والاجتماعية فهذه هي البلبلة والفوضى والتخبّط تتجلى بأبهى أشكالها.. كونوا في البيئة النضالية الصحيحة كما وقفنا ووقف أسلافنا واقبضوا على مبادئكم واعتصموا بها فهي خلاص أمتنا ومن لم يترك البلاد يوم كانت الدماء هي الثمن لن يتركها اليوم ولو كثُرَ المتبجّحون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى