غياب ثقافة حماية الملكيّة الفكريّة سهّل استباحة الفنّ… «تكات» نموذجاً فرقة الرقة: لا صلح ولا تراجع إلا بالاعتذار والتعويض وحذف الأغنية

سعد الله الخليل

منذ ظهورها الأول تصرّ فرقة «تكات» السورية على أنها تقدّم الأغاني السورية التراثية، فيما يعرف القاصي والداني وأي متابع أن ما سجلته الفرقة من أغانٍ ما يزال أصحابها على قيد الحياة، وأن الفرقة لم تكلّف نفسها عناء التواصل معهم للحصول ولو الموافقة الأدبية، وهو ما طرح نقاط استفهام عدة حيال سلوك الفرقة وآخرها مع فرقة الرقة بعد غناء «تكات» أغنية «جنني» من غناء خولة الحسين وكلمات الفنان الرقاوي إبراهيم الأخرس وألحان وتوزيع اللبناني إحسان المنذر والتي تسلك القضية طريقها إلى المحاكم السورية.

ليست مشاعاً

تعبّر بدور الموسى المنسّقة الإعلامية في فرقة «الرقة» للفنون الشعبية عن صدمة الفرقة عقب أدائها أغنية «جنني» الخاصة بالفرقة دون أي إذن أو تصريح، وتضيف الموسى في حديثها لـ»البناء»: تصرّ الفرقة على أداء تحت بند إحياء التراث ونحن لسنا ضد إحياء التراث. فمن حقّ هذا الجيل الاستمتاع بتراث أجداده فيما لو كانت حقاً أغنية تراثية، ولكن أغنية «جنني» أغنية حديثة ولها مؤلف وملحن وحقوق نشر، وليست مشاعاً للجميع وغناؤها دون ذكر صاحب العمل على الأقل عمل معيب للغاية.

وعن مدى التشويه الذي أصاب الأغنية من الناحية الفنية تقول الموسى لم يجد المغنّون في «تكات» الغناء بلهجة الرقة الصحيحة، ويمكن ملاحظة هذا عند سماع الأغنية الأصلية والمقارنة، بالإضافة لطريقة التوزيع التي ظلمت الآلات الموسيقيّة البدوية المستخدمة في الأغنية الأصلية، وهذا ما فطر قلوبنا أكثر.

وتشير الموسى للخطوات التي تعمل عليها الفرقة لتحصيل حقوقها المعنوية والمادية من تكات بالقول: ننتظر الحصول على ورقة حقّ الملكية الفكرية من وزارة الثقافة، وسنتوجّه بإنذار من قبل محامينا إلى فرقة «تكات» ومعهم أسبوع للردّ على المحامي، وإن لم يردوا بمذكّرة عبر محاميهم ستتحول القضية فوراً إلى المحكمة، حيث لا صلح ولا تراجع إلا بالاعتذار والتعويض المادي وحذف الأغنية من اليوتيوب، فكلّ أغاني الفرقة موثّقة في وزارة الثقافة.

وتتابع: يستطيع أي فنان أن يغنّي الأغاني الخاصة بفرقة الرقة شرط الحصول على إذن خطي وأدبي من مؤسس الفرقة إسماعيل العجيلي، كما فعلت الفنانة اللبنانية الخلوقة عبير نعمة والتي استأذنت أن تضمّ أغنية ريح البوداي التي غنّتها لفرقتنا إلى ألبومها الجديد، ومن المهم ألا يغير روح التراث في الأغنية، أو أن يشوّه اللحن والأهم أن يكون مؤمناً بالفنّ وأخلاق الفنّ وأن يتقن اللغة كي لا تتشوّه الأغنية.

وتتوجّه الموسى لفرقة «تكات» بالنصيحة بأن تصنع خطّاً خاصاً بها وتقول: كفى تسلّقاً على نجاحات الآخرين، أنتم نشيطون وموهوبون، لا تدعوا الإغراءات المادية تعمي عيونكم اصنعوا هوية خاصة بكم، واحترموا حقوق الفنانين واحترموا الكلمة واللحن لأنها ليست مباحة. فيما تطالب الموسى جيل الشباب بالإطلاع على تراث أجداده كي يستمتع به ويتعرّف عليه أكثر، وتقول: للأسف المشكلة بقلّة الوعي تجاه تراثنا، فالكثير من الناس لا تعرف أن التراث لا يقتصر على مدرّج أثري أو قلعة أو مزار. فالتراث اللامادي والذي تندرج ضمنه الموسيقى والرقص والأزياء يعدّ شيئاً غاية في الأهمية تغيب ثقافة الإطلاع عليه لدى الكثيرين. ولهذا تؤكّد فرقتنا دائماً أن عنوانها التراث وتشدّد على ضرورة إطلاع أجيالنا على روعة التراث السوري.

ما حصل مع فرقة «الرقة» من غناء «تكات» لأغنيتها دون إذن تعرّض له الفنان ذياب مشهور الذي أكد صراحة أن الفرقة لم تستشره، وقال: ضمن برنامج مع الكبار مع الإعلامي يامن ديب «أنا لا أريد أن أوزّع ولا أطور أغاني. فأنا أحق فيها. والفرقة تصرّفت من تلقاء نفسها ولست راضياً عن تغير مقامات بوردين وعالمايا، وللأسف لا أملك حقوق الملكية الفكرية لأغانيي التي باتت مستباحة ولا حول ولا قوة. القصة ليست بيدي ولم أعد أملك أي شيء سوى محبة جمهوري».

حماية الملكية الثقافة الغائبة

يؤكّد عدنان العزيزي مدير حماية المؤلف والحقوق المجاورة في وزارة الثقافة «الملكية الفكرية» أن الملكية الفكرية للأعمال الإبداعية تبقى محفوظة لأصحابها طيلة الحياة وتستمرّ خمسين عاماً بعد وفاة صاحبها، حينها يبدأ الاستئثار المالي بتلك الأعمال أي حقّ الانتفاع. ويميّز العزيزي في حديثه لـ»البناء»: بين الأغاني الثراثية التي ليست ملكاً لأحد والأغاني القديمة التي يعرف كاتبها وملحنها والتي تعتبر محميّة بحقوق الملكية الفكرية، في حال تسجيلها في سجل الحماية وفي حال عدم تسجيلها تضيع الحقوق لصاحب المؤلف ويصبح القضاء الحكم في مسألة البتّ.

ويلفت العزيزي ليوم الملكية الفكرية العالمي «الويبو WIPO» في 26 نيسان والتي تنظم الوزارة ندوات توعوية عن الملكية الفكرية، وتابع بالقول: للأسف لا يلجأ المبدعين لحقوق الملكية إلا حين يقعون بعمليات قرصنة وثقافة الحماية للأسف لم تصل في سورية لمستويات متقدّمة.

ويشير العزيزي لنظام الملكية الفكرية العالمي والذي ينضوي تحته أربعة أنواع من الملكية التجارية والصناعية والفكرية أي حقوق المؤلف التي تتبع لوزارة الثقافة، وبراءة الاختراع التي قدّمت وزارة التعليم العالي مشروعاً ليصبح تابعاً لها بدلاً من وزارة التموين التي ستبقى متخصّصة بالملكيتين التجارية والصناعية.

وتابع: في العالم المتقدّم في هذا المجال كسلطنة عمان والجزائر قطعت أشواطاً متقدّمة في حماية الملكية حيث تتبع كل أقسام الويبو الأربعة لهيئة عامة ولها دور فاعل أقوى من أي وزارة.

طيفور

يؤكّد هاني طيفور الموزّع الموسيقيّ لفرقة «تكات» أن دوره يبدأ بعد اختيار الفرقة الأغنية حيث تكون الرؤية اللحنية التي تضعها الفرقة ولا علاقة لي بها لأقوم بتسجيل العمل وتوزيع الموسيقى له، ومن ثم اختيار مكان التصوير وأقوم بتصوير وإخراج الصورة البصرية، ونشر العمل على مواقع التواصل على صفحاتنا الرسمية، وقناتي على «اليوتيوب» ضمن خطّة مدروسة بحيث يلاقي الانتشار بالشكل المثالي والوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور، وبذلك يكون دوري كمشرف عام وموزّع موسيقي ولكن بالنسبة للاختيار واللحن فهي مسؤولية الفرقة.

يؤكّد طيفور في حديثه لـ»البناء» حرص الفرقة على اختيار الأعمال الفلكلورية أو التراثية التي مرّت عليها فترة طويلة من الزمن ويقول: أنا شخصياً أحرص على ذكر المصدر الأساسي وخصوصاً على قناتي على «اليوتيوب» ولا ننسب العمل لنا أو نأخذ حقوقه الفكرية ونقدّم عربون شكر للفنانين الأساسيين للعمل. وهذا شيء لا يسيء للفنان الأصلي، على العكس لو أن الأغنية الأصلية لم تكن جيدة لما اختارتها الفرقة وأحبّها الناس.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن فيديوات الأغاني للفرقة تحمل عبارة الشكر لأصحاب الأغنية الأصليين الذين من خلالهم استطعنا تقديم هذه الأغنية من منظورنا الخاص أو «الشكر لصاحب الأغنية الفنان عادل خضور ـ مهداة إلى صاحب الأغنية الفنان ذياب مشهور والفنان دريد لحام»، وبالتالي ففي أحسن الحالات يُشكر الفنان ويُهدى من ملكه، وحتى هذه العبارات تغيب عن صفحات الفرقة على «الفيسبوك» حتى أن أحد الفيديوات حمل عبارة الطفلة ترقص على أغنيتنا «شفتك يا جفلة»، مع العلم أن الأغنية تغنّى من قبل أن يولد أعضاء الفرقة. وهذا ما يندرج على كل ما تغنيه فرقة «تكات».

وعن جماهيرية الفرقة والاعتماد على وسائل التواصل لقياس السوية الفنّية الحقيقية لأي فرقة أو فنان، يرى طيفور أن جمهور السوشال ميديا هو الجمهور نفسه الموجود بالواقع، وأن جمهور السوشال ميديا غير مضطر للمجاملات، ويضيف: نجاحنا انعكاس لردّات الفعل الرائعة التي حصدتها الفرقة من الجمهور الذي يكون هو الحكم الأول والأخير. والفرقة لم تكتفِ بالسوشال ميديا بل أحيت حفلات في كلّ المحافظات السورية وصلت فيها الأعداد إلى الآلاف. وفي بعض الحفلات كانت تضطر لعمل يومين بناء على رغبة الجمهور. وهذا هو النجاح والمحبة الحقيقية، ولو لم تكن الفرقة تستحق الدعم لما وقفت معهن ورافقت مسيرتهن منذ العمل الأول، فهي تؤدي فنّاً راقياً وأصواتاً جميلة وشباباً بسيطين ومؤدّبين.

بدوره رفض أسامة الماغوط مدير الفرقة الإجابة على تساؤلات «البناء» التي أحالها موزّع الفرقة هاني طيفور له، لكونها من صلب عمله كمدير للفرقة والمسؤول عن الألحان، التي تركّزت حول إصرار الفرقة على أنها تقدّم أغاني تراثية في الوقت الذي ما يزال أصحاب الأغاني على قيد الحياة عادل خضور ـ ذياب مشهور ـ فرقة الرقة ، وعن ردّه عما يراه الكثير من العارفين بالموسيقى والغناء بأن ما تقدّمه «تكات» يتعدّى التوزيع الموسيقيّ إلى العبث باللحن، وهل تكفي الجماهيرية والاعتماد على وسائل التواصل لقياس السوية الفنّية الحقيقية لأي فرقة أو فنان، واعتبر أن أسئلتنا ليست معدّة لمادة صحافية بل لمحاكمة بحسب تعبير الماغوط وطالب بأسئلة فيها تقدير لشيء بسيط مما تعمله.

وسبق أن قال الماغوط في لقاء صحافي مع تلفزيون «الخبر»: كل من له حقّ عندنا سيأخذه وربما يتم التوصل لاتفاق وأن «تكات» تستوعب وجهة نظر فرقة «الرقة»، وأنهم متأكدون أن الخير سيكون هو نهاية المطاف.

رعاية إعلامية

يرى باسل محمد مدير إذاعة «نينار» أن رعاية الإذاعة لفرقة «تكات» شأنها شأن الكثير من الفرق التي نطلع على المشروع الفنّي الذي يقدّم إلينا ولا نتدخل بما تقدّمه الفرقة، ونوافق بناء على ما تحتويه من إغناء فكري وتأثير على الساحة الفنّية كجهة نتكفّل بالرعاية التنفيذية، بناء على السوية الفكرية التي تقدّمها «تكات».

ويضيف: نحن مقتنعون بالسوية الفكرية والفنية التي تقدّمها تكات، والمستمع هو الفصل والحكم بشكل رئيسي وانتشار العمل الموسيقي بين شرائح عديدة وانخفاض نسبة انتقاده يدلّ على سويّته، خصوصاً أن الكثير من الأعمال التي قدّمتها الفرقة لم تكن معروفة ولم تنتشر إلا عند غناء «تكات» لها، وحوّلتها من النطاق الشعبي إلى الانتشار الجماهيري بين شريحة من الشباب الذين لا يسمعون أغاني كهذه.

ويشير محمد إلى الأثر المجتمعي الذي أحدثته الفرقة ويستبعد أي تأثير سلبي على التراث، ويتابع: الحرب أثرت على الفنّ في سورية خاصة من ناحية الجهات الداعمة وتراجع الرعاة نظراً للأرقام الفلكية التي يتطلّبها الفنّ، واستبعد محمد أي استفادة مادية من رعاية الفرقة والاقتصار على الفائدة المجتمعية نظراً لمفهوم الفرق الفنّية الذي كان غائباً قبل الحرب، وبالتالي تسعى «نينار» لدعم تكات وفرقة «فصحى» التي انتهجت الغناء باللغة العربية الفصحى.

في بلد دمّرت سنوات الحرب جزءاً كبيراً من آثاره وتراثه المادي واللامادي وشوّهت ذائقة قسم من أبنائه، من الطبيعي أن تتصدّر المشهد الفنّي ظواهر تشبه «تكات». ومن البديهي أن تضيع حقوق فنانين كبار عملوا بنيات طيبة خلال العقود الماضية حاملين رسالة الفنّ لأجل الفنّ، وربما تكسب «تكات» القضية في أروقة المحاكم لغياب الحماية الفكرية، إلا أن التاريخ لا ينسى أصحاب الحقّ الذي له محكمته الخاصة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى