وسائل إعلام «لبنانية» في خدمة مشاريع لتفجير وطنها!

د. وفيق إبراهيم

وسائل الإعلام تتابع الاحداث وتواكبها وتمتلك الحق بإضفاء بعض «الهوى» على مصداقيتها. فهي في النهاية ملك لصاحبها الاقتصادي والسياسي.

هذه الوسائل تنتقل حالياً في تظاهرات لبنان الى مرحلة الالتصاق الكامل بالأحداث وتوجيهها وقيادة عمليات «فبركة يومية» لمطالب تقود عملية بلورتها على شكل مشروع سياسي يحمل الفتنة في العلاقات بين اللبنانيين والتحريض على الاستقرار الوطني من زاوية استهداف معادلة سياسية يرعاها حلف بين الرئيس ميشال عون والسلاح المقاوم لحزب الله والرئيس نبيه بري.

بذلك يتحول هذا الإعلام من اداة مواكبة تؤشر نسبياً في أحداث متتابعة، وهذا طبيعي جداً، الى أدوات انشقاق لحساب مشروع خارجي، لم يتمكن من تحقيق مراده بالسلاح والهجمات في ميادين الإقليم، فعاد على متن وسائل إعلامية داخلية وخارجية ليحقق مبتغاه مستغلاً تحركاً شعبياً حقيقياً لتصحيح الاوضاع اللبنانية.

بداية انكشف من خلال مهارة المراسلين والمذيعين في اقتفاء الأخبار والتظاهرات والتغطية وتمكنهم من اساليب الإيحاء والتحريض وإطلاق تحديات وفبركة معلومات، ان هناك إعداداً مسبقاً على التحركات الاحتجاجية وقيادتها وصولاً الى تقرير حركتها، عبر تحول المحطات الإعلامية مقار لاستقبال شكاوى مواطنين على شاشاتها، فهذه تركها زوجها وهي فقيرة وذلك ليس لديه ثمن دواء او مكان يسكنه… الخ.

لذلك بدأ هذا الإعلام بتطبيق نقاط تدريجية أولها «التماهي» المطلق مع المحتشدين بتبني كامل مطالبهم وتهنئتهم عليها، هذا من دون أي تدخل من جانب المحطات.

ثانياً، تفسير المطالب بأبعاد لم يكن المتظاهرون يعرفونها وذلك بتزويدها شحنات اعتراضية اضافية وأبعاد جديدة.

تلي ذلك بداية التحول من مستوى مواكب الى مشارك عبر الإيحاء بنقل المتظاهرين من ساحة الى أخرى حسب ضرورات الاحتشاد كأن يُقال لمحتشدين أعدادهم قليلة، إن رفاقكم ينتظرونكم في ساحات أخرى، لقطع الطريق على احد السياسيين، فيهتاجون ويسارعون الى المكان المطلوب.

فيما تلعب الكاميرا الساحرة دورها في تأمين خداع بصري يعتقد فيه المشاهد أنه أمام ملايين الناس.

وزيادة في التعبئة لا يستعملون إلا كلمة ثورة ومليونية ونصف لبنان في الشارع مشجعين على قطع الطرقات بالدس كأن يقولوا لساحة أن زملاءكم في ساحة اخرى نجحوا في اقفال الطرق المحاذية لتجمعاتهم ويحولون الشاشات أداة لتلبية حب الناس للظهور ويتدخلون لتحوير التصريحات إلى الأهداف التي يريدونها.

فيؤلفون سؤالاً لمتظاهر لم يبدأ بعد بالكلام وذلك بالقول له: لماذا تصرّ على اتهام سلاح المقاومة بالفساد؟

او يتجهون إلى التحدي بالسؤال التالي: يتردد ان رئيس المجلس بصدد عقد جلسة تشريعية ولو بالقوة؟ ما رأيكم؟

فيعتمدون بذلك أساليب الجذب بالكاميرا والإيحاء والتقليد والتحدّي وعرض البدائل على جمهور يفقد في التجمعات الكبرى اتزانه متحولاً الى «غريزي» يجنح للعنف والتصدّي والاعتراض وفق نظرية علمية تقول إن التجمّعات تشجع على التقليد ومضاعفته الى درجة الغوغاء والعنف المفرط.

اما المرحلة الثالثة فتذهب فيها هذه الوسائل الإعلامية الى دفع المتظاهرين لصناعة فراغ سياسي واجتماعي قاتل ومدمّر، باعتماد أسلوب فبركة تحديات تنسبها الى مسؤولين وتزعم أنهم يستخفون فيها بالمتظاهرين.

عند هذه النقطة يتضح جلياً التنسيق بين محطات تلفزيونية وجهات سياسية داخلية وخارجية خصوصاً عندما تتعمّد هذه المحطات طرح سؤال على المحتشدين في البقاع الغربي وعكار وطرابلس وصيدا حول رفض رئيسي الجمهورية والنواب الاستقالة، كما فعل رئيس الحكومة، وتسأل ألا يُشكلُ هذا الامر انتقاصاً من حقوق السنة؟ ما يبين جنوح وسائل الإعلام نحو تشجيع المتظاهرين على إحداث فراغ سياسي وإعادة عجلة العلاقات الاجتماعية الى الخلافات المذهبية والطائفية.

هذا ما يمدّها بسيطرة كبيرة على «الخبر» فتتحكم بأركانه وتتلاعب بها حسب اتجاهات المشروع السياسي الذي تخدمه، وتربطها بقوة الكاميرا الساحرة الموجودة في كل بقعة من مناطق لبنان، وتنجح بتصوير أدنى تصرّف لمشجعي حركة امل وحزب الله والتيار الوطني الحر والأحزاب الوطنية على انه ارهاب موصوف، فيما تصف قطع الطرقات بالاعمال الوطنية والاعتداء على مراسلي المحطات الوطنية كأنه فورة أعصاب من متحمسين ممتعضين من مواقف هذه المحطات المناوئة للثورة.

إن هذه السيطرة الإعلامية على المحتشدين تجعلهم مطواعين لكل فبركاتها فتكشف عن هدفها المخفيّ وهو ضرب معادلة الاستقرار الوطني المبنية على حلف عون – حزب الله – بري – الأحزاب الوطنية، بما يؤكد أن آخر اهتماماتها مطالب المحتشدين وحقوقهم.

وآخر إبداعات واحدة من هذه الوسائل فضحت المستور، فقد ادعت أن اتصالات هاتفية تستهدف مراسلاتها بشتائم وأفلام إباحية.

وهذا قد يكون عادياً، لكنها أضافت أن صور أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله موجودة على أرقام المتصلين. وهذا يبعث على الضحك خصوصاً حين حملت حزب الله مسؤولية ما قد يحدث لمراسليها.

هناك عناصر إضافية تؤكد على هذا الانحطاط الإعلامي.

والدليل أن أحداث لبنان تحتل الاهتمام المركزي لإعلام لبناني وإقليمي وعربي ودولي، وكأن كل هذا الإعلام يقيم ليلاً نهاراً على أرض لبنان ولا يحمل إلا هماً واحداً وهو تسبب حزب الله بتدمير لبنان وتحميل إيران تبعات انهيار الإقليم العربي. وتواكب هذه الاتهامات هجمات إسرائيلية على سورية واحتلال أميركي للنفط السوري والعراقي وإسقاط الحكم الوطني في بوليفيا والعين الأميركية تتربّص بفنزويلا وتحشد تحالفاً بحرياً ودولياً لإسقاط اليمن وإيران دفعة واحدة.

لذلك فلا يمكن أبداً اعتبار هذا الإعلام حتى من الدائرة التقليدية التي تمارس الانحياز لمموليها، لقد تحول معظم الإعلام اللبناني الى سوق للتجارة بالوطن تعتمد على عاملين: التمويل من المشروع الخارجي وضعف الإعلام الوطني وعدم احترافيته المهنية وارتباطه النسبي بالقيم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى