لبنان: تدويل الأزمة

شوقي عواضة

استحوذ مشهد الحراك اللبناني على حيّز كبير من المتابعة والمراقبة الدولية منذ بدايته نتيجة مخاوف الغرب من لجوء السلطة اللبنانية لاستعمال العنف ضدّ المتظاهرين وفي هذا الصدد أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أنّ قوات الأمن اللبنانية لم توقف الهجمات على المتظاهرين السلميّين من قبل رجال مسلحين بالعصي، والقضبان المعدنية والأدوات الحادة، مشيرة إلى أنّ قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين وقد اعتمدت المنظمة في بيانها على توثيق 12 مناسبة على الأقلّ لجأت فيها السلطة إلى استخدام القوة لتفريق المتظاهرين، إضافة إلى ذلك قامت المنظمة بمقابلة 37 متظاهراً قالوا إنهم شهدوا أو كانوا ضحية لهجمات عنيفة قام بها متظاهرون مناوئون لهم أو تعرّضوا للقوة المفرطة على أيدي قوات الأمن في بيروت، وصور، والنبطية، وبنت جبيل، وصيدا، وجلّ الديب، والعبدة. وقد طالب جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش السلطات اللبنانية باتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المتظاهرين السلميين والامتناع عن تشتيت التجمّعات السلمية بالقوة.

يأتي ذلك في ظلّ ما أعلنته جريدة العرب اللندنية أنّ الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تراقبان عن كثب الانتفاضة اللبنانية وسط مخاوف من لجوء السلطة إلى العنف للقضاء عليها يأتي ذلك في ظلّ الدعوة لعقد اجتماع أميركي فرنسي بريطاني كان من المتوقع أن يُعقد في باريس الثلاثاء وذلك لبحث الملف اللبناني على أن يمثل الولايات المتحدة في الاجتماع مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر في ظلّ توارد معلومات أفادت بعدها مصادر مطلعة قبل أسبوعين بأنّ هناك استعداداً أميركياً لطرح مشروع قرار لتدويل الأزمة في مجلس الأمن الدولي لإدراج لبنان تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على اتخاذ إجراءات قسرية في حال كان السلام مهدّداً وتتراوح بين العقوبات الاقتصادية واللجوء إلى القوة. في حال تمّ استهداف المتظاهرين من قبل القوى الأمنية اللبنانية.

وإذا كان المراقبون يتوقعون أن يصطدم مشروع القرار الأميركي بفيتو روسي، فإنّ هذا المشروع لا يعدو كونه تلويحاً باستعمال القوة وتصريحاً واضحاً وصريحاً من أميركا راعية الإرهاب بامتطاء الحراك وتحويله من حركة مطلبية إلى صراع من أجل الإطاحة بالأغلبية البرلمانية وبالتالي إسقاط سلاح المقاومة. رأي أجمع عليه الحريصون على لبنان ومنهم فرنسا التي لم تألُ جهداً في قمع انتفاضة السترات الصفراء التي تتزامن ذكراها السنوية الأولى في هذه الأيام والتي سقط فيها العديد من القتلى والجرحى إضافة الى عدد كبير من المعتقلين. تلك الثورة التي تمّ قمعها على أيدي رجال الأمن الفرنسيين وعلى مرأى العالم بأسره لم تستدع تدخلاً أميركياً أو دولياً لتدويلها ولم تصدِر المنظمات الدولية والحقوقية بيانات إدانة ولم تستشهد بشهادات المقموعين من أصحاب السترات الصفراء. إذا مع استمرار الحراك المطلبي في لبنان المنقسم بين قسمين قسم يعبّر عن وجع الناس الحقيقي ويعمل بطريقة هادفة والذي يقوده بعض اليسار والحركات الاجتماعية الواعية لخطورة المرحلة، وقسم لا علاقة له بمطالب الناس ووجعهم بل يتلطى في الحراك تحت مشروع سياسي تقوده أدوات أميركا وفرنسا في لبنان وعلى رأسهم سمير جعجع ووليد جنبلاط الأكثر فساداً والأكثر إصراراً على أخذ البلاد نحو الفوضى والفراغ، وهذا لن يحقق لهم أيّ إنجاز على حساب المقاومة وسلاحها، ولو أنهم كانوا يريدون الحلّ لماذا أصرّوا على مقاطعة جلسة مجلس النواب بالأمس ومعهم سعد الحريري، أو لماذا تهرّبوا من التصويت على المشروع المقدّم من كتلتي الوفاء للمقاومة والتحرير والتنمية برفع الحصانة عن وزراء ونواب حاليين وسابقين منذ العام 1992 شاركوا في الفساد لتقديمهم للمحاكمة؟

إنها الحماية الأميركية للفاسدين في لبنان الذين يتوهّمون بأنّ المقاومة وحلفاءها يشعرون بالخطر من الحراك الذي أرادوا تصويبه على المقاومة وفشلوا بذلك. من هنا فإنّ إصرارهم على تخريب البلد ما هو إلا استقواء بالأميركيين الذين يلوّحون بالتدويل، وبالتالي الانتقال إلى المواجهة التي إنْ حصلت في لبنان فستكون مع الأميركي والإسرائيلي وليس مع أذنابهم والنتيجة ستكون كسابقاتها من المواجهات انتصار للمقاومة ومحورها…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى