أسئلة حول الانهيار المالي وعيد الاستقلال والحراك

ناصر قنديل

– يظن الكثيرون أو يقولون على الأقل إنهم يظنون، بأن لبنان دخل الانهيار المالي، ويرفضون أي كلام عن علاقة للسياسة بذلك، إلا من زاوية ما صنعت بسياسات مالية بنيت على تثبيت سعر الصرف باستجلاب الديون ومراكمتها، وإنفاق أموال تمّت استدانتها بلا أولويات ودراسات ولا ضوابط ووفقاً لمحاصصات نفعية يلؤها الفساد وتوزيع المغانم، ويرافقها توظيف عشوائي يستنزف المال العام بلا حدود، أما السياسة التي تأتي بالديون وتقرّر وقفها، وتتفرّج على الفساد تشجعه وتفتح عينها عليه حسب المواسم، وتضع الشروط لاستئناف التمويل، فهي لا تستحق التوقف أمامها طويلاً. والأرجح أن هذا الإغفال المتعمّد لهذه السياسة، نوع من الهروب من حقيقة أن الانهيار المالي كان وهو باقٍ تحت السيطرة، لأن بيد الغرب ومن وراءه بقرار أن يضخ المزيد من المال ويعوّم النظام ذاته القائم على الفساد والمحاصصة والعشوائية والفوضى من جديد، لكن بشروط تمس الاستقلال، ونحن نحتفل بعيد الاستقلال، فماذا عن المال لقاء التوطين، وماذا عن المال لقاء إبقاء النازحين السوريين رهائن للعبة الغرب في سورية، وماذا عن المال لقاء ترسيم الحدود البحرية بما يُرضي «إسرائيل»، وماذا عن المال لقاء ضمانات تتصل بالصواريخ الدقيقة للمقاومة؟

– الذين يرفضون فكرة وجود خطة لدفع لبنان إلى حافة الانهيار، وتوقع انفجار الغضب الشعبي بسبب ذلك، والسعي لتوظيف هذا الغضب للضغط من أجل أثمان تدفع من رصيد الاستقلال الوطني، ويتّهمون كلّ من يدّعي للتفكير بذلك بشيطنة الحراك، يتجاهلون الحقائق الدامغة عن دور العقوبات التي لاحقت الاغتراب اللبناني من أميركا الجنوبية إلى أوروبا وأفريقيا وصولاً للخليج حتى انخفضت تحويلات الاغتراب من 12 مليار دولار إلى مليارين فقط خلال ما يقارب العشرين عاماً، ويتجاهلون أن القيمة الإسمية للبضائع والخدمات المتداولة في لبنان لا تعبر عن قيمتها الفعلية، ولا يتساءلون لماذا في لبنان أغلى أسعار الدواء وأغلى خدمات الهاتف والإنترنت، وأغلى أقساط المدارس والجامعات، ومثلها الكثير الكثير في أسعار وإيجارات العقارات وخدمات الفنادق والمطاعم، ومثلها أسعار الفوائد المصرفيّة. وهذا معناه في الاقتصاد وحيد وهو الاحتكار المحميّ بهوامش لم يفرض الجمود والركود تخطيها وضربها، والأسعار هي مؤشر اقتصادي لا يُستهان به في الدلالة على حقيقة ما يجب على الشعب الاهتمام به وأوله التصدي الغائب عملياً، لكل تسعير بغير العملة الوطنية، ومساره الطبيعي هو الضغط لضرب الاحتكارات وتعزيز المنافسة، وتفعيل الرقابة الشعبية والرسمية، والأهم إدراك أن هذه الهوامش تشكل نصف حجم الأرقام التي تتشكّل منها الحركة الاقتصادية، واختزالها إلى ما يشبه أحوال الأسواق الطبيعية في البلدان الأخرى، والمجاورة خصوصاً، يعني فرصاً لانتعاش الاقتصاد، بمثل ما يحدّد وجهة التغيير المطلوب.

– الخوف هو من عودة التمويل الخارجي بقرار سياسي دولي عربي، بشّر به جيفري فيلتمان وديفيد شينكر وقبلهما كريستوف فارنو وبيار دوكين كممثلين للحكومة الفرنسية، والعودة التي لم يفلح الضغط على المقاومة ورئيس الجمهورية بالحصول على ثمن سياسي لها على حساب الاقتصاد، لن تكون أيضاً قلقاً على لبنان، بل خشية على أمن إسرائيل التي تعيش أسوأ أيامها، وتجب إحاطتها بالتهدئة في الجوار الخطر الذي يمثله لبنان، وخشية من انقلاب موقع لبنان في معادلات المنطقة نحو الصين وروسيا، وخسارة الغرب قاعدة حضور فيه، لأن ذلك عندما يحدث وترافقه عودة التسويات السياسية التي بقيت ممنوعة لشهر ونيّف، سيعني تراجع الكثير من حيوية الشارع مع عودة النشاط المالي والاقتصادي، مهما قال البعض عن أن الثورة ماضية نحو أهدافها، وستعني ضياع فرصة كانت متاحة لتلاقي الحراك والمقاومة في فرض تغييرات جذرية تطال مكافحة الفساد وتطوير بنية النظام الاقتصادي نحو الإنتاج بدلاً من الريعية وسياسة الديون. ولعل هذا هو ثمن قطع الطرقات وشعار استقالة الحكومة، بدلاً من البقاء في الساحات وفرض التنازلات تلو التنازلات على الحكومة، عسى ألا يحدث ذلك، وأن يحدث بالعكس نضج في الحراك يجعل الفاعلين فيه ينتبهون في ذكرى عيد الاستقلال، إلى أن حماية الاستقلال وحماية حقوق الناس لا يفترقان، وكلام فيلتمان وشينكر عن ترسيم حدود النفط والغاز خير دليل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى