سلاح على الأرض لا سلاح على الورق!

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

الأزمة العامة التي يعاني منها الشعب اللبناني لا ترتبط بالتناقضات السياسية القائمة فحسب، وإنما بعدم الانسجام البنيوي بين مختلف المكونات والمؤسسات الوطنية، حتى يمكن القول إننا في لحظة انكفاء مصيرية بعدما ولجت الولاءات الحزبية والمذهبية على حساب الولاءات الإنسانية والمشاعر الوطنية لتهشّم أعز المبادئ وأغلى القيم اللبنانية. من ملف الرئاسة إلى التمديد للمجلس النيابي إلى كل المشاكل الاجتماعية التي أجهدت أنفاس اللبنانيين في طريق عبورهم إلى الدولة المأمولة!

ولأجل فهم ما يحصل لا بدّ من إدماج ظاهرة الإرهاب ضمن مجموع المآزق التي تحلُّ بالبلد، وطبيعة مقاربة الملف الأمني الذي تتحمل القوى السياسية مسؤولية كبيرة في جعله ساحة للتيارات التكفيرية ومشاريعها التدميرية. فلم نجد حتى الساعة وبنتيجة الأوضاع الخطيرة التي حصلت في طرابلس وصيدا وعكار والبقاع إطاراً قيادياً يؤمِّن بشكل فعلي دعماً لمؤسسة الجيش في مواجهة الإرهاب بكل تلاوينه وفصائله وفروعه الداخلية والخارجية، لقد غرقت القيادة السياسية بنقاشات لا طائل منها، وبتفصيلات هامشية وفّرت للجماعات المتشددة فرصة المبادرة والمباغتة بل وتعطيل البلد. وقضية العسكريين المختطفين أجلى مثال على سياسة تبدو مثل الكهانة، وعلى أرض من الرمال المتحركة يمشي عليها مذعورين ومتوجسين معظم اللبنانيين.

لا ريبة أنّ عدم التطابق بين الرؤية السياسية والعسكرية يحمِّل الجيش أعباء باهظة من إمكاناته الضئيلة ومن دماء ضباطه وجنوده، ويمكّن الإرهابيين من فرض شروطهم على الدولة .

والكمين الذي وقع به أفراد من الجيش اللبناني في رأس بعلبك دليل على ما تعاني منه السلطة السياسية من تخبط وارتباك. ولن تمضي فترة طويلة حتى نسمع بحادثة أليمة هنا وحادثة أليمة هناك بكل ما هو مهين للروح وخادش للهيبة والكرامة الوطنية. لا نعرف جيشاً أمامه كل هذه التحديات وقيادته السياسية عاجزة عن تأمين مستلزماته الضرورية. خطورة الوضع الميداني في عرسال وجرودها يحتاج إلى سلاح على الأرض لا سلاح على الورق، ويحتاج إلى أفعال لا ثرثرة إعلامية.

هذا الاستنزاف المتواصل لقدرات الجيش اللبناني يجب أن يقف من خلال ذهنية قيادية وطنية لا تصرف أي موقف من مواقفها في إطار النزاعات الداخلية وإنما في سياق تحصين البلد من الاختراق والاستغلال، والحفاظ على وحدته التي هي رصيد كل الشعب لمواجهة مسلسل التقسيم والتجزئة والخراب الحاصل في المنطقة.

إنّ هذا النزيف يزيد من حنق وغيظ الناس على السلطة. الجنود في العراء وبعض السياسيين يدخنون بهدوء وكأنّ هناك وقتاً طويلاً لأخذ قرار أو القيام بعمل ما. الحقيقة، أنّ المواقف التي تصدر من بعض القيادات في السلطة تعكس صورة سلبية وكارثية عن رجالات الدولة الذين يتعاطون مع مسألة الإرهاب في إطار الحسابات التجارية. فأي وطن سيبقى عندما يتم التهاون بقيمة الدماء التي تسقط وكرامة الإنسان الذي يشق خطواته وسط أصداء من الفراغ واللامبالاة!.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى