توطين السوريين عملٌ إنساني أم جريمة جديدة للغرب؟

جمال العفلق

تعود قضية اللاجئين السوريين في دول الجوار إلى واجهة الأحداث من جديد. فبعد جرائم العصابات المسلحة التي قامت بتهجيرهم وفق خطة عمل ممنهجة، فلجأوا إلى دول الجوار وخصوصاً لبنان والأردن وتركيا، عادت القضية من خلال مؤتمر برلين الذي انعقد في الثامن والعشرين من تشرين الثاني الفائت لترتفع أصوات بعض الدول الأوروبية مطالبة بالضغط على دول الجوار لإعطاء وثائق ثبوتية للاجئين ومنحهم جواز سفر، أي جنسية البلد الذي لجأوا إليه.

يتضح من هذه المطالب أنّ هناك من يسعى إلى نزع الهوية وتحويل الانتماء الوطني إلى ورقة ثبوتية تصبح فاعلة بعد الحصول عليها، ما يعني عملياً نزع الهوية الوطنية عن السوريين وإلغاء حقهم في العودة إلى وطنهم.

فماذا سيستفيد بلد مثل لبنان مثلاً، من توطين مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، وهو يعاني أصلاً من انعدام فرص العمل ما يدفع أبناءه إلى الهجرة، بالإضافة إلى مئات القضايا الشائكة التي تلاحق الحكومة في ما يخصّ حياة المواطنيين؟ إنّ الإصرار على توطين هؤلاء اللاجئين يشير إلى سير الغرب في عملية التقسيم، وبما أنّ الغرب يعلم تماماً أنّ أكثر اللاجئين في لبنان هم من طائفة معينة، فإنّ ذلك يقتضي البحث عمّا وراء هذا الطلب الغربي الآن، وعن القصد منه.

إنّ هدف التجنيس والتوطين سياسي، ذلك أنّ التلاعب بالتكوين الديمغرافي يحقق مصالح البعض في استخدام هؤلاء اللاجئين في الانتخابات النيابية، بعد إحداث غلبة طائفية قد تفضي في المستقبل إلى حرب توازنات يكون مستندها العدد والأكثرية. وفي النتيجة سيكون هناك صراع قوى ينتج منه تغييب الأقليات العددية من المذاهب والطوائف الأخرى، لتكون الأكثرية العددية هي المسيطرة في هذه الحالة، بعد أن تمّ استيراد جزء كبير منها عبر منح الجنسية بطريقة انتقائية تستند إلى الانتماء الديني.

هذا بالنسبة إلى لبنان، أما بالنسبة إلى الأردن الذي يشهد وضعاً اقتصادياً لا يُحسد عليه، وهو كما يعلم الجميع من التسريبات والدراسات «الإسرائيلية»، الوطن البديل للفلسطينيين أو هكذا يراد له أن يكون، فإنّ عملية توطين السوريين فيه قد تكون من باب إحداث توازن بين الأردنيين من أصول فلسطينية والأردنيين في الأصل، وهذا التوطين إذا ما تمّ سيشكل نقطة البداية لتصادم، لن يكون بعيداً، بين أصحاب الأرض وبين المجنَّسين، وبذلك يكون الغرب قد حقق هدفه بنزع الهوية الوطنية عن اللاجئ السوري وخلق في الوقت نفسه، حالة جديدة لدى الدول المضيفة إذا ما قامت بمثل هذا الإجراء. ومهما كانت الإغراءات المقدَّمة إلى تلك الدول كبيرة فإنّ انعكاس التوطين أو التجنيس عليها سيكون سلبياً حتماً.

لو كان المجتمع الدولي يأبه لوضع الإنسان وحقوقه، خصوصاً الإنسان العربي، كان الأجدر به أن يبحث خلال المؤتمر في آلية حلّ لإعادة المواطنين السوريين إلى وطنهم وتأمين مستلزمات العودة وضمان سلامتهم بوقف تمويل الإرهاب وتجفيف منابعه، وكان الأجدر به أيضاً، بحث قضية عودة الفلسطينيين إلى وطنهم وضمان حقّ العودة الذي ترفض «إسرائيل» مجرّد البحث فيه أو مناقشته.

إنّ انجرار الطبقة السياسية إلى مثل هذه التوصيات خصوصاً في لبنان، يُنذر بكارثة حرب طائفية قادمة سيكون جلّ ضحاياها ممن تمّ تجنيسهم، وهذا في حدّ ذاته جريمة إنسانية تضاف إلى ملفّ الجرائم في حقّ العرب والسوريين خلال السنوات الأربع الماضية، من عمليات التهجير إلى الاتجار بالبشر إلى مافيات نقل الأطفال الرضع إلى «إسرائيل» وكذلك تجارة الأعضاء البشرية. كلّ ذلك كان يجري أمام مرأى وعلى مسمع المنظمات الإنسانية والدولية. وما قرار منظمة الإغاثة التوقف خلال شهر عن توصيل المعونات الغذائية إلا عملية إبادة جماعية ترعاها أميركا والغرب في حقّ السوريين وحقّ الدول المضيفة لهم.

أمام هذا الواقع نسأل: أين هي المعارضة السورية المزعومة التي تدّعي دائماً حرصها على الشعب السوري من مثل هذه المطالبات، في وقت لا يتردّد ما يسمى ائتلاف الدوحة في تقديم الشكر والثناء لمن يرسل بعض فتات الخبز إلى اللاجئين وينشر مقالات حول ذلك؟ لماذا لا تعمل المعارضة التي تدّعي السيطرة على أكثر من سبعين في المئة من الأراضي السورية مع الدول التي تزعم أنها صديقة للشعب السوري، على إعادة هذا الشعب إلى وطنه؟ وهل الوطن جواز سفر وبطاقة هوية أم انتماء وتاريخ؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى