براءة «مبارك»… هل هي ردّة على طريق التحوّل الديمقراطي العربي؟

بشير العدل

رغم مرور قرابة الشهر على صدور حكم البراءة بحق الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ونجليه، وعدد من رموز نظامه، في القضية التي شغلت الرأي العام المصري والعالمي لأكثر من ثلاث سنوات، والتي تمّ تناولها إعلامياً باسم «قضية القرن»، إلا أنّ تداعيات الحكم ما زالت مطروحة بين أروقة المنتديات واللقاءات السياسية، وبين أحاديث الساسة والعامة في الشارعين المصري والعربي، بل أيضاً في دول العالم، ليست فقط التي شهدت ما يُسمّى «الربيع العربي»، ولكن ايضا في باقي الدول التي لم يطلها ذلك الحدث، سواء كانت مراقبة للأحداث، أو مهتمة بالتغيّرات السياسية في المنطقة، وتحديداً بلادي مصر.

وقد شهدت الأوساط السياسية المحلية، والإقليمية وأيضاً الدولية، حالة من الجدل واسع النطاق حول الحكم، وتباينت المواقف حول استقباله، وكذلك حول التفسيرات بشأن مدلولاته لدى الرأي العام، ولدى النخب السياسية، حتى أن البعض ذهب إلى القول إنه يمثل ردّة على طريق التحوّل الديمقراطي، وهو ما يطرح تساؤلاً يبدو على قدر كبير من الأهمية، ليس في مصر، وإنما في المنطقة والعالم بأسره، وهو: هل يمثل الحكم ببراءة مبارك ردّة حقاً على طريق التحوّل الديمقراطي العربي؟

وللوصول إلى إجابات على هذا التساؤل، أو على الأقلّ تفسيرات لتداعيات الحكم، فإنّ نظرة سريعة إلى الأحداث التي شهدتها المنطقة، ومصر تحديداً، تبدو من الضرورة بمكان، للوصول إلى الإجابات واستشراف المستقبل العربي من خلالها.

القضية شغلت الرأي العام المصري والعربي أكثر من ثلاث سنوات، بدأت في الثالث من آب من عام 2011، وانتهت بالحكم النهائي في 29 تشرين الثاني الماضي، تخللت تلك الفترة أحداث أخرى في مصر وغيرها من الدول العربية، ارتفعت خلالها قوى سياسية، وانخفضت اخرى ووصلت تنظيمات دولية إلى سدة الحكم كما حدث في مصر وتونس، وغير ذلك من التداعيات السياسية التي تشهدها المنطقة.

راقبت دول العالم تلك القضية باعتبارها الأولى من نوعها، والتي يحاكم فيها رئيس عربي أمام قضاء دولته، وبالقوانين التي سنّها نظامه، وذلك باستثناء المحاكمة التي جرت للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والتي كانت إحدى نتائج الاحتلال الأنجلو – اميركي للعراق، والذي بدأ في عام 2003، ولم تنته آثاره حتى الآن على العراق، الذي تعرّض للانقسام الجغرافي والديموغرافي، وامتدّت آثار معاناة العراق الجريح لدول الجوار، وتباينت ردود أفعال الدول حول قضية «مبارك»، ما بين مراقب وما بين راغب في التغيير السياسي في المنطقة، وتحديداً مصر التي تمثل رمانة الميزان في المنطقة، وتمثل أيضاً ثقلاً سياسياً لا يضاهيه ثقل آخر.

جرت المحاكمة في مصر، واتخذت مراحلها ما بين الحكم، والاستئناف، والنقض عليه، وما زالت القضية مفتوحة، فلم تصل إلى نهايتها، لمن لا يريد لها أن تنتهي عند حكم البراءة، وانّ استشكالاً عليها ما زال مطروحاً أمام النيابة العامة في مصر، وهو ما فعله النائب العام المصري، الذي أمر باتخاذ إجراءات عملية للطعن بحكم البراءة، وهو ما يعني انّ المحاكمة سارت بشكل قانوني، لايختلف عليه الفرقاء السياسيين.

استقبل البعض الحكم في مصر وفي غيرها من الدول العربية، بأنه يمثل إجهاضاً لما يقولون إنه ثورة قامت ضدّ نظام مبارك، كان الهدف منها، وحسبما يروّج المنتفعون، إحداث حالة من التغيّر والتحوّل الديمقراطي، وأنّ الحكم يعني في نظر هؤلاء العودة إلى نظام مبارك، ودلّل البعض على ذلك ببعض رموز نظامه، الذين أطلوا برؤوسهم مرة اخرى إلى المشهد السياسي، فضلاً عن أعضاء حزبه المنحلّ، الحزب الوطني الديمقراطي، الذين يخططون لخوض الانتخابات النيابية المقبلة.

في المقابل يرى البعض انّ الحكم لا يمثل إهداراً لجهود قام بها شباب من أجل التحوّل الديمقراطي، غير أنه كشف إلى حدّ كبير، كيف انّ مصر خضعت لعوامل سياسية تبدو للبعض أكثر خطورة على مستقبلها، وأنّ الهدف منها ليس التغيير السياسي والتحوّل الديمقراطي كما يرغب المصريون، وإنما إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط بالكامل، وبما يخدم أهداف «إسرائيل»، وفي الخطة التي تمّ الإعلان عنها من واشنطن في عام 2005، والتي أعلنتها وزيرة الخارجية آنذاك كونداليزا رايس، خير دليل، حيث أعلنت في ذلك التاريخ، أنه آن الأوان لتغيير خريطة الشرق الاوسط، وهو التصريح الذي يؤكد أنّ ما حدث في مصر، وغيرها من الدول العربية، يأتي في إطار ذلك المخطط الأميركي، وليس أدلّ على ذلك عندي من تسلسل وسير الأحداث في مصر، وتطوّرها، صعوداً وهبوطاً، وكذلك في كلّ الدول التي تعرّضت لما يُسمّى «الربيع العربي».

الحكم ببراءة مبارك اذن، لا يمثل ردّة على طريق التحوّل الديمقراطي، وإنما يمثل برهاناً ودليلاً جديداً على ما تكنه الولايات المتحدة الاميركية لمصر، باعتبارها الدولة ذات الثقل السياسي في المنطقة، والتي وضعت بمشاركة سورية ودول عربية، الكيان الصهيوني في انتصارات تشرين الاول 1973 في حجمه، وكشفت أنه كيان غير مرغوب فيه في المنطقة، وأنّ مصر تهدّد ذلك الكيان وبقاءه، ولذلك كان من الضرورة الأميركية أن يتمّ تأمين الكيان الصهيوني بفرض السيطرة على الدول المحورية ومنها مصر، وهو ما كشفه مخطط «الربيع» الأميركي، ليكون حكم البراءة بمثابة ضربة للحسابات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وسعيها نحو تغيير الخريطة السياسية للمنطقة، لحساب اسرائيل، وليس لمصالح الشعوب العربية.

كاتب وصحافي مصري

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى