المعادلة الذهبية

جمال الكندي

لم تكن الإدارة الأميركية تتوقع المشهد العام الذي نراه اليوم على الساحة العراقية من تلاحم الجيش العراقي والحشد الشعبي والعشائر. إنه الثالوث العراقي المرعب الذي كسر المخطط الأميركي في المنطقة. فمنذ ظهور «داعش» بصورته الإرهابية التوسعية في سورية والعراق خاصةً، وبعلم أميركا وحلفائها ومباركتهم، ارتفعت أصوات القادة الأميركيين التي اعتبرت أنّ الجيش العراقي لا يمتلك القوة التي يستطيع بها محاربة «داعش» وأنّ الحرب على التنظيم سوف تستغرق ما يقارب الثلاث سنوات، ومنهم من رفع المدة إلى عشر سنوات، ولا أدري لماذا هذه المُدد الزمنية الطويلة، هل هي لاستنزاف العراق وابتزازه سياسياً في قضايا المنطقة؟ أم أنها محاولة لإخراجه من الحاضنة المعادية لأميركا، لا سيما أنّ التقارب العراقي الإيراني يزعج أميركا وحليفتها الكبرى في الخليج.

إنّ انسحاب أميركا من العراق لم يُنهِ وصايتها عليه، لذا كان لا بدّ من إيجاد الذريعة للتدخل السريع فكان «داعش» هو العنوان، وهذه إحدى الاستراتيجيات الخاطئة لأميركا، فـ»داعش» تمدّد ووصل إلى مناطق النفوذ الأميركي في العراق، وبذلك خالف الأوامر والمهمة الموكلة إليه وهي إحداث فتنة في مناطق معينة فقط، فكان الردّ عبر تحالف أميركا المزعوم لمحاربته. والمُستغرَب أنّ التحالف ضمّ من كانوا يدعمون هذا التنظيم الإرهابي، وهذا من المفارقات السياسية الغريبة لدى تلك الدول التي تُقاد حسب المزاج الأميركي، والمشكلة هنا تكمن في غياب الرؤية المستقلة خارج الطوق الأميركي.

لقد أربكت الانتصارات التي حققها الجيش العراقي والقوات المساندة له، المشهد في عيون أميركا وحلفائها، فما كان مُعدّاً للعراق أفشله هذا التلاحم بين الجيش والشعب العراقي، كما تبخَّرت أكذوبة الجيش الطائفي أمام تعاون كلّ المكوّنات العراقية في محاربة «داعش».

كان يُراد للعراقيين أن يدخلوا في نفق الطائفية المقيت، لكنّ تضافر الجهود بين كلّ الشرائح العراقية التي أدركت مؤخراً أنّ «داعش» لا يميّز بين سني أو شيعي أو مسيحي، فكك هذه الحاضنة الوهمية التي نسج خيوطها المستعمر ومن يقف وراءه.

العراق لكلّ العراقيين والعدو واحد. عندما أدرك الساسة وعلماء الدين العراقيين هذه القاعدة تكونت على الأرض المعادلة «الذهبية» الجيش والحشد الشعبي وقوات العشائر ، التي تكسّرت على صخرتها أحلام أميركا بعد انسحابها من العراق، فجرائم «داعش» وحَّدت العراقيين وكوَّنت هذه المعادلة الصعبة الكسر والاختراق لأنّ أساسها مصلحة العراق ووحدته ومستقبله، بعد زوال الاحتلال الأميركي.

أرادت أميركا بعد انسحابها من المنطقة، أن تجعل العراق ساحة حرب طائفية، فخلقت هذا الكيان «الداعشي» ليكون رأس حربة لتفتيت بلاد الرافدين وزرع بذور الفتنة فيها، لكنها لم تحسب حساب اللحمة العراقية والمشاركة من جنوبه ووسطه وشماله في محاربة ذلك التنظيم الإرهابي.

إنها معادلة يصعب أن يفهمها العقل الأميركي، أي أن يتوحد الجيش العراقي مع الحشد الشعبي والعشائر مع قوات البشمركة من أجل مواجهة عدو واحد وهو «داعش»، كما أنّ الانتصارات المتتالية للجيش العراقي والقوى المساندة له وخاصة الانتصار الكبير في منطقة الضلوعية ومطارها والمناطق المحيطة بها وسهل نينوى في الشمال، أربكت من أوجد «داعش». ويضع المشهد المتكرّر لإلقاء طائرات التحالف الأميركي المزعوم مساعدات عسكرية لهذا التنظيم، عشرات علامات الاستفهام حول جدية هذا التحالف وأهدافه الحقيقية.

إنّ التقدم الميداني للجيش العراقي ودعم الشعب له، أرخيا بظلالهما على الوضع العراقي، وسيثبتان أنّ تحرير العراق هو في يد العراقيين أنفسهم بكافة شرائحهم، وأنّ التحالف الأميركي هو فقط لإطالة أمد هذه الأزمة وابتزاز العراق عن طريق هذا التحالف الذي عجز عن تحقيق أي انتصار ملموس منذ تشكيله، وهذا ما يدلّ على عدم جدية هذا التحالف. ولو بحثنا عن سبب الإخفاق الأميركي في الساحة السورية، لوجدنا أنه الرهان على الحصان الخاسر وعدم تقدير قوة وصلابة العقيدة القتالية للجيش السوري ومعادلة الجيش والشعب والحكومة السورية، والمشهد نفسه انسحب على العراق، الذي اتحد، بكلّ مكوناته، ضدّ عدو زُرع من أجل إبقاء العراق ضعيفاً ومقسّماً تتلاعب به دول لا تريد له أن ينهض اقتصادياً وسياسياً وأن يكون مستقراً من الداخل.

إذاً، المبادرة الآن في يد الجيش العراقي والقوى المساندة له، ومدة تحرير العراق من «داعش» والتي حدّدها التحالف الأميركي بثلاث سنوات أو أكثر، بدأت تتغير بفضل سواعد العراقيين وتلاحمهم ضدّ عدوهم، وقد قلب التقدم الكبير لهذا الجيش المخطط الأميركي الذي يريد للعراق أن يغوص في وحل الطائفية المظلم، لكنّ الرياح جرت بما لا تشتهي السفن الأميركية، فخيَّبت معادلة الجيش والحشد الشعبي وقوات العشائر مع البشمركة آمال أميركا في العراق، وسوف تطهِّر هذه المعادلة العراق من رجس الإرهاب من دون مساعدة تحالف أميركا المزعوم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى