غزة… إما معالجة بحكمة أو انفجار مدمِّر

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

من الواضح أنّ الأوضاع في قطاع غزة تتسارع نحو فقدان السيطرة، ما ينذر بكارثة اجتماعية كبيرة قد تطال تداعياتها ليس فقط شعبنا وأهلنا في قطاع غزة، بل مجمل الوضع الفلسطيني، وهناك مؤشرات جدية إلى عودة حالة الانفلات إلى قطاع غزة، وخصوصاً في ظلّ عدم وفاء حركة حماس بالتزاماتها المالية تجاه السكان، وخصوصاً في ما يتعلق برواتب عشرات الآلاف من موظفيها الذين جرى توظيفهم بعد تموز2007.

هذا الواقع يعني تفاقم الفقر والجوع في القطاع الذي يعيش معظم سكانه، أصلاً، تحت خط الفقر، إذ يعتاشون على المساعدات والإعانات الخارجية، وهناك تخوف من أن يدفعهم هذا الواقع إلى ممارسات وسلوكيات قد تصل إلى حدود الجريمة التي قد تتخذ صفة فردية أو منظمة. فالفقر والجوع كانا سببين للكثير من الثورات الاجتماعية منذ ثورة «سبارتاكوس» محرّر العبيد، وصولاً إلى العصر الحديث الذي يشهد «تغوُّلاً»و«توحشاً» طبقياً في ظلّ رأسمالية معولمة وسَّعت دائرة التفاوت الطبقي وسط سوء توزيع المداخيل والثروات ونهب واستغلال الطبقة العاملة.

إنّ التفجيرات التي طالت «كابينات» الصراف الآلي لبنك فلسطين، والتفجيرات التي استهدفت حديقة منزل الناطق باسم حكومة الوفاق، والتهديدات التي تلقاها عدد من الوزراء، واقتحام الجماهير الغاضبة مقرّ الاجتماع الذي شارك فيه عدد من الوزراء ومحاولة تحطيم سياراتهم والتهجم عليهم، بالإضافة إلى العديد من حوادث السلب والسرقة، كلها مؤشرات قوية إلى أنّ الأوضاع تتجه نحو الانفجار الشامل، وهذا الانفجار لا تتحمله فقط سلطة حماس المسيطرة في القطاع، من خلال حجم التوظيفات الكبير جداً لعناصرها وأنصارها، بل يستطيع المراقب أن يلحظ بوضوح أنّ تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية سببه استمرار الحصار وإغلاق المعابر وتدمير الأنفاق والبطء الشديد في عمليات الإعمار، كلّ ذلك، في ظلّ غياب رؤية واستراتيجية للحلّ، أوجد مشاكل كبيرة وكثيرة على صعيد الكهرباء والماء والصرف الصحي، وسط نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية وغيرها.

هذا الواقع جعلت قيادة «حماس» تتخبط وتفقد الاتجاه والبوصلة وتبحث عن حلول ومخارج لتلك المشاكل بعيداً من الشراكة الوطنية الحقيقية.

وقبل الحديث عن الحلول والمخارج التي لجأت إليها «حماس»، لا بدّ من القول إن لا أحد يقبل بتجويع عشرات الآلاف من أبناء شعبنا في القطاع لكونهم من حركة حماس أو أنّ عائلاتهم مرتبطة بها في شكل أو آخر، فهذه جريمة كاملة الأركان، وحكومة الوفاق هي الأخرى شريكة في تلك الجريمة، فإهمالها وتقصيرها تجاه المشاكل التي ينوء تحتها شعبنا في قطاع غزة ليسا مبرّرين، وبالتالي فهي غير معفاة من مسؤولياتها في هذا الجانب.

بحثت «حماس»، وسط تخبطها، عن حلول لهذه المشاكل من خلال محاولة التحالف مع عدوها اللدود، سابقاً، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح المفصول النائب محمد دحلان، وجاء التوجه نحو مصالحته والتحالف معه في إطار النكاية بالرئيس محمود عباس، لأنّ «حماس» تعتبره شريكاً فيما يحدث من مشاكل، كما أنها تعتقد أنّ دحلان يمتلك المال الذي يحتاج إليه القطاع، وقد قامت السيدة جليلة قرينة دحلان لدى قدومها إلى قطاع غزة، مؤخراً، بتوزيع مساعدات نقدية كبيرة على المتضرّرين من الأحوال الجوية بعد العاصفة الأخيرة، وعلى عائلات شهداء وجرحى العدوان الأخير على غزة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ لدحلان علاقات عربية وإقليمية، وخصوصاً مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عدو حركة حماس، وبالتالي يمكن لدحلان من خلال علاقاته بالنظام المصري، أن يساهم في فتح معبر رفح وتطبيع علاقات حماس معه، وإقامة حماس حكومة وحدة مع «فتح غزة» دحلان ، ما يشكل ضغطاً كبيراً على «أبو مازن» وقيادة السلطة وحكومة الوفاق للقبول بشروط «حماس»، لجهة أن تكون مشاركة في الإشراف على المعابر وإعادة الإعمار، وكذلك حلّ مشكلة رواتب موظفيها الذين يبلغ عددهم أربعين ألفاً.

لم تلجأ «حماس» إلى هذه الوسيلة من أجل الحلّ فقط، بل سعت إلى تسييس أزمة الجوع وتحويلها إلى جريمة منظمة، من خلال الدفع بموظفيها وأهاليهم وسكان القطاع إلى القيام بأعمال تخريبية، ما يؤدي إلى انتشار الفوضى والعنف ويعمِّق العشائرية والقبلية.

إن ما يجري في قطاع غزة، يتطلب من حماس وفتح وبقية الفصائل الفلسطينية العمل على معالجة الأمور بحكمة عالية وبنضج ومسؤولية، على قاعدة الشراكة الوطنية ومشاركة الجميع في القرار، فلا يعقل أن تستمر معاناة أبناء شعبنا وهؤلاء الموظفين تحت ذريعة الأزمة المالية. وعندما تتوفر الإرادة والمسؤولية الجماعية، لا بدّ من التوصُّل إلى حلّ، بعيداً من التشنج وردات الفعل والتهديد بتفجير الأوضاع. ومن الضروري تمكين حكومة الوفاق من القيام بدورها ومهامها وصلاحياتها في القطاع، وعلى الحكومة في المقابل، أن لا تستمر في سياسة التهميش والإهمال لمشاكل القطاع والبحث الجدي عن حلول لمشكلة رواتب موظفي حركة حماس، ومن دون ذلك فإنّ الانفجار قادم، لا محالة، وسيطال لهيبه الجميع، ولن تقتصر تداعياته على القطاع.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى