فلسطين والمؤامرة على سورية

سامر عوض

يقف الإنسان حائراً، باحثاً عن عمق سبب الأزمة السورية، التي تلمُّ بالبلاد، وربَّ قائلٍ إنّ المؤامرة تتعلق بالدول الأوروبية وبأميركا، ومَن يدور في فلكهم من أذيال في الشرق.

هذا الكلام صحيح، ولكن علينا ألا ننسى فلسطين…

الكيان الصهيوني، هو قبلة الغرب الذي يسعى دائماً إلى تحقيق مصالحه، ولو على حساب العرب أجمعين. وقد لعبت سورية دوراً كبيراً في المحافظة على خط الممانعة والمقاومة، الذي دفعت ثمن تشكيله في حوادث وأحداث عدة. لكنّ أرقى ما حصلت عليه هو بناؤها تياراً عظيماً قائماً ومستقلاً بقيادتها، لا يتبع أحداً، بل يتحالف مع دول ومحاور تعامله ندّاً لندّ، لا بل باتت سورية تُتَّبع، ولسنا هنا في صدد البحث الأكاديمي الصرف لنتوسّع في شرح هذه النقطة بصورة عميقة تفي الموضوع حقه. وفي الوقت ذاته لسنا في صدد المديح، بل عرض الواقع الجيوسياسي لسورية حالياً، وما قامت به على الساحتين العربية والغربية على مدى عشرات السنين الأخيرة.

هذا كله يكوِّن عدة تساؤلات تطرح نفسها:

أولها: كيف لعبت سورية هذا الدور القيادي والريادي في قضية العرب الأولى فلسطين؟

لعبت سورية عبر العصور الدور الريادي الأول، على مستوى العالم العربي ككلّ من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. وعندما جُمِّدَت عضوية سورية في جامعة الدول العربية، لا أذكر سوى تصريح بارز، كان له التأثير الكبير على المستوى العالمي عموماً، والعربي خصوصاً، حين قال الرئيس بشار الأسد: بات مشكوكاً في عروبة الجامعة بعد تجميد عضوية سورية فيها. هذا التصريح المُقتضب والبسيط، من حيث الشكل، عميق لا بل بالغ العمق من حيث المضمون. فهل يذكر أحدٌ منا «قِمة» عربية واحدة انعقدت بنجاح بعد هذا التجميد؟ بالطبع لا… فتلك «القِمَم» العربية لم يُكتب لها أيّ أثر، ما يؤكد أنّ إخراج سورية كان هدفه تعطيل دور الجامعة، كهيئة تضمّ تحت لوائها رؤساء الدول العربية وملوكها، الذين عجزوا عن القيام بأيّ شيء بعد تغييب سورية، وهم ليسوا غافلين عن هذا الأمر، فهو هدف رئيسي لديهم، إذ شكَّلت سورية الدرع القومي القوي لقضية العرب الأولى، فلسطين.

كثيرة هي الإنجازات التي حققتها سورية لفلسطين، فهي لم تعتبر «فلسطين قضية العرب الأولى» مجرّد شعار وشعور فضفاض، بل بذلت من أجله كلّ ثمين ونفيس، ويتعذّر عرض الدور الكبير الذي لعبته سورية على الصعيد الفلسطيني تاريخياً، أو حتى عناوينه، في مقال أو بحث.

ولا ينسى أحدٌ موقف الرئيس حافظ الأسد، من الساداتو«كامب دايفيد»، فالرئيس الأسد، جعل من سورية قبلة مقاومي دولة الكيان الصهيوني الغاشم ومناصري فلسطين. فقد عارض «اتفاق أوسلو» الذي شرعن وجود دولة العدو، وحاربه بالوسائل الممكنة كافة.

والجدير ذكره، بل الافتخار به، أنّ الرئيس حافظ الأسد رفض التنازل عن أي حقّ من الحقوق خلال المفاوضات السورية ـ الأميركية، بما يتعلق بالجولان المحتلّ في سويسرا عام 2000.

استمرّ الرئيس بشار الأسد في هذا الخط القومي، ولا ينسى العالم الموقف السوري من الاعتداءات الغاشمة التي شنّتها دولة كيان العدو ضدّ شعبنا الفلسطيني الأعزل.

كانت سورية من الدول العربية القليلة التي حرَّكت ملف الادّعاء، في ما يتعلق بقضية اغتيال رئيس السلطة الفلسطينية السابق ياسر عرفات، وسعت كثيراً إلى إظهار الحقّ في هذه القضية المعقدة، وإزهاق الباطل.

قدَّم الرئيس بشار الأسد مواقف قومية ووطنية عدة بما يتعلق بفلسطين والاعتداءات الصهيونية الغاشمة على غزة، وكانت خطاباته، في هذا المجال وغيره، بمثابة مدرسة تعلِّم الوطنية والحقّ والخير. ولم تكن هذه الخطابات قائمة بذاتها، بل عبَّرت عن السياسة العامة لسورية تجاه هذه الأرض المغتصبة الحبيبة.

السؤال الثاني الذي يطرح نفسه: ما الذي دفع سورية إلى لعب مثل هذا الدور الكبير؟

اعتادت سورية، منذ قديم الزمان، لعب دور سياسي بارز على الساحتين العربية والعالمية، إذ نلتمس في مذكرات السّاسة والرؤساء الغربيين ممن تبوَّأوا مناصب حساسة ضمن دائرة اتخاذ القرار الحساس عالمياً، أمثال: كيسنجر وبلير وكلينتون، مدى التخوّف العالمي من الدور البارز الذي لعبته سورية تجاه القضايا السياسية العربية والعالمية، وهنا لا نتحدث من باب التفخيم، بل عرض الحقائق التي طالعناها في تلك الكتب التي ترجمت إلى لغات عالمية عدة، ومنها العربية.

يسعى الغرب إلى إخماد شعلة هذا الدور الكبير، وذلك من خلال إرسال من يعبث بأمن البلاد والعباد. ويقول الرئيس اللبناني الأسبق سليمان فرنجية: «إنّ معاداة أميركا خطيرة، لكنّ صداقتها مميتة». لم تختر سورية الخطورة، ولا المعاداة، بل اختارت، تاريخياً، الوقوف إلى جانب القضايا العربية في فلسطين والعراق ولبنان، ودافعت عنها كثيراً بالأفعال والإجراءات قبل أيّ شي آخر، لذا اختار الغرب أن يعادينا.

منذ عشرات السنين، نحن نمارس قناعاتنا ونفعل ما يمليه علينا ضميرنا وهم، وإنْ اختاروا أن يعادونا، يهابوننا، لأننا أصحاب قضية ونهبُّ لنصرة المظلوم.

إذاً بسبب موقفنا، قيادة وشعباً، إلى جانب إخوتنا في فلسطين وقضيتهم المحقة، وبسبب احترامنا للرابط الأخوي والمبدأي، فإننا نُحارب، ويجمعنا معهم أنّ هذا الكيان المغتصب، احتلّ جزءاً من أرضنا في الجولان. وبذلك يكون الموقف العدائي مزدوجاً: بسبب فلسطين وبسبب الجولان، تلك الأرض الطيبة الوافرة الخيرات.

قد يسأل سائلٌ: ما الجديد في الأمر؟ صراعنا مع الكيان الصهيوني بدأ منذ سنة 1948، وربما قبل ذلك بكثير، لكننا كسوريين عسانا، وربما علينا أن نذكِّر بفلسطين، لئلا نصبح على حدّ تعبير رئيس الحكومة اللبناني الأسبق سليم الحص: «شعوب ألهتها شجونها عن شؤونها».

شنّ الغرب حرباً على سورية بسبب مواقفها، وقوتنا في هذه المواقف المبدئية القومية، وكفى.

إذاً، فلسطين ودولة الكيان شمّاعة، تبدأ عند أعتابها مصالح الغرب وقد لا تنتهي، ومنها تتفرّع باقي القضايا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى