الضرائب والرسوم… تهرّب وأشياء أخرى

لمياء عاصي

إنّ مهمات الحكومات متنوّعة وكثيرة، وتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وصولاً إلى المجالات السياسية والعسكرية والأمنية، هذا التنوّع الكبير في المهمات والمسؤوليات، وبزوغ مجالات وأطر جديدة لوظائف الحكومات، جعلها تنوء بنفقات وكلفة الأعباء الملقاة على عاتقها من تأمين التعليم المجاني للمواطنين وتزويدهم بالخدمات الصحية الملائمة، وتوفير البنى التحتية وإنفاذ القوانين التي تحتاج إلى قوة وعناصر ومؤسسات. هذه الأعباء الكبيرة في أيام السلم والاستقرار تسبّب كثيراً من القلق وتحتاج إلى مجهود خارق للاضطلاع بها، فكيف ستكون الحال في ظروف الحرب؟ لا بدّ أن هذا يحتم على الحكومة إعادة النظر في كلّ أنواع ومصادر إيراداتها وخصوصاً الضرائب والرسوم الجمركية.

هناك أسئلة كثيرة، حول كلّ من النظامين الضريبي والجمركي، ولعل أهمّها: هل يعتبر قانون الضرائب على الدخل، بما يحتويه من أحكام ونسب مئوية، المسؤول الرئيسي عن انخفاض حصيلة الضرائب؟ هل يُعتبر مؤشر العبء الضريبي في سورية مناسباً، وهو نسبة الحصيلة الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بدول أخرى؟ كيف تمكن محاربة التهرّب الضريبي؟ وما هي حال الرسوم الجمركية؟ هل انخفاض حصيلتها بسبب الإعفاءات الجمركية والاتفاقات التجارية، أم أنّ للفساد يداً طولى؟

النظام الضريبي في سورية وعلى رغم التعديلات المتعدّدة التي أجريت عليه، لم يناقش كجزء من عملية الإصلاح، ولا يزال مشوباً بكثير من نقاط الضعف، خصوصاً في ما يتعلق بالنسب الضريبية والإعفاءات الممنوحة لبعض الأنشطة والشرائح وإلغاء بعض الضرائب النوعية، ولا يزال بحاجة إلى جهود كبيرة جداً وإعادة نظر شاملة حتى يتخلص من نقاط ضعفه، خصوصاً في ظلّ التحرير التجاري الذي أفقد الخزينة العامة جزءاً مهماً من إيراداتها المتأتية من الرسوم الجمركية، وعلى رغم مرور عشر سنوات على تطبيق التحرير التجاري، لم يُطبّق البيان الموحد للضريبة، ولم يُطبّق نظام الفوترة على التجار والمحال التجارية والصناعية، يضاف إلى ذلك عدم صدور قوانين صارمة لمكافحة التهرّب الضريبي والفساد سواء في الدوائر المالية أو الجمارك، أيّ إنّ النظام الضريبي لم يرتق إلى المستوى العالمي.

في سياق الحديث عن التهرّب الضريبي، أجرى قسم المعلوماتية في مالية دمشق عام 2004، دراسة على البيانات الضريبية التي قدمها المكلفون عن نتائج أعمالهم للعام الذي سبقه، فأظهرت الدراسة أنّ ما نسبته 80 في المئة من المكلفين صرّحوا عن خسائر، بينما 10 في المئة صرحوا عن أرباح لم تتجاوز الـ50 ألف ليرة سورية، بينما شكل الباقي نسبة من المكلفين الذين معظم أعمالهم تتضمّن عقوداً مع الدولة، وبالتالي لا يمكنهم التهرّب ضريبياً، وعلى رغم فرض ضرائب من قبل اللجان المالية بغضّ النظر عن البيانات الضريبية، ولكن هذا يظهر أنّ الموقف الأساسي للمكلف، هو التهرّب ضريبياً.

في حديث لمعاون وزير المالية لصحيفة «الاقتصادي» بتاريخ 25/8/2014 يقول: «إنّ سبب التهرّب الضريبي هو التشريعات والمعدلات العالية للضريبة، والثقافة السائدة في المجتمع بقبول التهرّب الضريبي»، وهذا ما أكده وزير المال مع بداية عام 2015 في حديث للتلفزيون السوري، وعزا موضوع التهرّب الضريبي إلى ثقافة الناس من أيام الاحتلال العثماني والشعور بالانتماء، هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ نسب الضريبة في سورية تعتبر نسباً منخفضة إذا ما قورنت بكثير من الدول، أما موضوع الثقافة السائدة فلا يمكن تغييرها إلا بإنفاذ القوانين، وقد طوّر الاقتصاديان Allingham and A. Sandmo عام 1972 نموذجاً للتهرّب الضريبي ودراسة أضراره، وبيّنا في الدراسة أنّ مستوى التهرّب الضريبي يعتمد على مستوى العقوبة على المتهرّب التي يفرضها القانون، إذاً الموضوع له علاقة بالتشريعات التي تجرّم المتهرّب ضريبياً… أولاً، بوجود الدوائر الضريبية الكفوءة المجهّزة بالنظم التقنية المساعدة في إنفاذ قانون على المتهرّبين ضريبياً وليس مناشدتهم للالتزام ضريبياً… ثانياً، ما لم تكن هناك عقوبات رادعة بحق مراقبي الدخل المتواطئين والمكلفين المتهرّبين، لن يكون هناك نظام ضريبي كفوء، يؤمّن إيرادات مناسبة للدولة.

تعتبر الحصيلة المنخفضة للضرائب والرسوم الجمركية، مؤشراً يؤثر سلباً في النمو الاقتصادي، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية، والاستمرار برفع كفاءة وجودة الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، ولا يمكن تفسير هذا الضعف في الإيرادات المتأتية من الضرائب والرسوم الجمركية بعيداً من: الفساد أولاً، والتهرّب الضريبي ثانياً، وضعف البنى الإدارية ثالثاً.

ومما يفاقم انخفاض الحصيلة من الضرائب… إلغاء عدد من الضرائب والرسوم ما بين عامي 2004 و2009، مثل: ضريبة التركات، رسوم المغتربين، ضريبة تجارة العقارات، ما أدّى إلى حرمان الموازنة العامة من إيرادات مهمة وانخفاض في نسبة إجمالي حصيلة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر متدنّ في سورية لا يزيد عن الـ10 في المئة، بينما يتراوح في الدول المتقدمة بين الـ35 و42 في المئة، وفي مصر يبلغ 15.5 في المئة، أما في ماليزيا فيبلغ الـ17 في المئة، في الكثير من الدول، تطبّق إجراءات رادعة وقاسية لمحاربة التهرّب الضريبي، قد تودّي بالمكلف إلى حافة الإفلاس وحرمانه من الاستمرار بمزاولة أعماله، أو إلى السجن لسنوات. في سورية، يجري التحدث عن التهرّب الضريبي في الخطابات الرسمية والمقابلات التلفزيونية ولكن لا إجراءات حاسمة وجدية لوقف التهرب الضريبي، ومن المعروف أنّ نظام الفاتورة، يعتبر أساسياً في تطبيق النظام الضريبي بشكل صحيح، ونذكر جيداً الحملة الدعائية الأنيقة التي قامت بها وزارة المال والأموال التي صرفت، بالنتيجة، ما الذي تغيّر؟ هل استطاعت الحملات الدعائية تطبيق نظام الفوترة؟

بشكل أكثر حدة، تعاني حصيلة الرسوم الجمركية من مصاعب مضاعفة، فمن جهة تعاني الدوائر الجمركية من الفساد، وهذا لا يحتاج غلى مجهود لإثباته، إذ أعلن المدير العام للجمارك في سورية، أنّ مجموع الإيرادات المحصلة عام 2010 بلغ أكثر من 94 مليار ليرة سورية، أي ما يعادل أقلّ من 2 مليار دولار بحسب سعر الصرف آنذاك ، وبينما في لبنان للعام نفسه، فقد بلغت الرسوم الجمركية 3426 مليون دولار حوالى 4,3 مليار دولار، وإذا أخذنا في الاعتبار فارق عدد السكان الكبير بين سورية ولبنان، وفارق نسب الرسوم الجمركية، استطعنا تلمّس حجم الفساد المستشري في مناحي الدوائر الجمركية، ومن جهة أخرى، يأتي الانخفاض في حصيلة الرسوم الجمركية، بسبب الاتفاقات التجارية وخصوصاً اتفاق المنطقة العربية الكبرى الذي يجعل نسب الرسوم الجمركية تساوي الصفر، والاتفاق مع إيران الذي خفض الرسوم إلى نسب تتناهى إلى الصفر، بعدما عُلّق اتفاق التجارة الحرة مع تركيا، الذي وقعته سورية ودخل النفاذ عام 2007، والمشكلة الحقيقية الناجمة عن تطبيق الـGAFTA أو منطقة التجارة العربية، هي إساءة الاستخدام والغش في شهادات المنشأ، إذ تستورد البضائع الآسيوية إلى دول الخليج ومنها الإمارات، ثم يُعاد تصديرها إلى سورية، بعد منحها شهادة منشأ عربية، ما لم يكن هناك جدار جمركي جدول تعرفة جمركية موحدة للدول العربية، سيبقى اتفاق الـGAFTA يسبّب المشاكل والأضرار للاقتصاد السوري.

إنّ التهرّب الضريبي، والفساد الذي يعتري بعض الدوائر المالية والجمركية، ناجمان بشكل رئيسي عن ضعف البنية الإدارية في الدوائر المالية وغياب الإنفاذ الصارم للقوانين، ولمعالجة هذه النقاط في أيّ مؤسسة، فإنّ ذلك يستلزم تحييد العنصر البشري في صنع القرار، واعتماد الرقم الضريبي، واستخدامه لوضع نشاطات المكلّف وما ينتج منها من دخل، في ملف واحد يخضع للضريبة.

أخيراً، لا بدّ من القول إنّ أيّ تعديل في النظام الضريبي، يجب أن يكون قائماً على تحقيق العدالة الضريبية، لا أن يدفع الموظف ومحدود الدخل ضرائب الدخل… بينما يتهرّب كبار المكلفين، طبعاً من السهولة بمكان إيجاد المبرّرات والذرائع، والقول إنّ الظروف غير ملائمة بالبلد ونحن بحالة حرب… وانخفاض إيرادات الموازنة إنما يعزى للحرب، وقد يكون جزء من هذا الكلام صحيحاً… ولكن في النتيجة لا بدّ من بذل جهود هائلة، لتحسين إيرادات الموازنة، لتستطيع الدولة متابعة القيام بمهماتها، ولعلّ تحسين كفاءة النظام الضريبي والجمركي يمثل أحد الموارد المهمة لها، لمواجهة الأعباء التي تزداد يوماً بعد يوم على على كاهل الحكومة…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى