أهي الحرب أم لعبة حافة الهاوية…؟

راسم عبيدات

لم تكن عملية اغتيال الشهداء يحيى عياش وصلاح شحادة وأبو علي مصطفى صدفة من حيث التوقيت. كذلك هي عملية استهداف «إسرائيل» مجموعة القيادة الميدانية لحزب الله في القنيطرة السورية، التي لم يأت توقيتها صدفة أيضاً، بل جاءت في إطار الاعتبارات والصراعات الانتخابية الداخلية «الإسرائيلية».

إنّ تداعيت العدوان على غزة وانضمام السلطة الفلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية، وانسداد الأفق السياسي، وتدهور الوضع الأمني، عمقت جراح نتنياهو الذي لن يتمكن من العودة إلى رئاسة الحكومة مرة أخرى.

وجرياً على عادة كلّ القيادات «الإسرائيلية» المسكونة بهاجس ووهم القوة والإيغال في الدم الفلسطيني والعربي وتكثيف الاستيطان وزيادة حجمه ووتيرته، من أجل كسب ثقة الناخب «الإسرائيلي» وحصد أكبر عدد من المقاعد في «الكنيست» والحكومة، يعتقد نتنياهو أن لا بدّ من مغامرة عسكرية أو عملية «نوعية» تعيد ثقة «الإسرائيليين» به وبحزبه «الليكود» وتحقق له طموحاته بالعودة إلى رئاسة الحكومة مرة أخرى.

وفي تقديري فإنّ هذه العملية لن تقود نتنياهو نحو رئاسة الحكومة، بل نحو المزيد من الفشل والأزمات، وقد تلقي به خارج الحلبة السياسية، أو ربما تأخذه نحو المساءلة أو المحاكمة، إذا ما تدحرجت الأمور إلى حرب إقليمية ارتباطاً بتطورات الأوضاع على الساحتين اللبنانية والسورية، وبالمفاوضات حول الملف النووي الإيراني. والجميع يذكر كيف قادت مجزرة قانا اللبنانية بشمعون بيرس إلى الفشل والسقوط، كذلك فعلت مجزرة صبرا وشاتيلا بآرييل شارون.

منذ عدوانها على لبنان في تموز 2006 والذي شنته بالوكالة، لأول مرة، عن الولايات المتحدة الأميركية، لإعادة تشكيل المنطقة وفق مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، بلغة وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس، وقهر حزب الله جيشها «الذي لا يقهر»، ومن ثم حروبها العدوانية المتكررة على شعبنا ومقاومتنا الفلسطينية في قطاع غزة، أثبتت «إسرائيل» أنها لم تعد قادرة على تحقيق الانتصارات أو صنع ما يسمى بـ«السلام»، وفق رؤيتها وشروطها.

ومع التطورات العاصفة في المنطقة بعد ما سمي بثورات الربيع العربي، راهن بعض العرب في الخليج والأتراك على أن تتحول «إسرائيل» إلى اللاعب الأول والمسيطر في المنطقة، وأن تحظى السعودية وتركيا، على وجه الخصوص، بمكانة إقليمية ودولية مميزة على حساب إيران وسورية، لكنّ التطورات لم تكن على قدر آمالهم وطموحاتهم، فالنظام السوري لم يسقط بل أصبح أكثر قوة وسيطرة على الأوضاع في الميدان، وتلاشت «المعارضة المعتدلة» وذابت، بحيث لم يتبق منها سوى المقيمين في الفنادق الغربية والتركية الفاخرة، والذين لا يملكون أي تأثير على الوضع الميداني في سورية، في حين بقيت عصابات «داعش» و«جبهة النصرة»، والتي يتجه النظام إلى حسم معاركه معها، ما بدّد الأحلام «الإسرائيلية» بإقامة حزام أمني يمتد من الجولان السوري وحتى مزارع شبعا اللبنانية تديره تلك العصابات على غرار جيش لحد الذي انهار في الجنوب اللبناني.

أما بالنسبة إلى حزب الله، فإنّ انشغالاته في الحرب ضدّ الإرهاب، لم تضعف من قوته وقدراته وإمكانياته في مواجهة «إسرائيل»، الوجه الآخر لهذا الإرهاب، في وقت تتجه إيران إلى عقد اتفاق نهائي مع السداسية الدولية حول ملفها النووي، ما يمهد لرفع العقوبات عنها.

جاء الاعتداء «الإسرائيلي» واغتيال قيادات من حزب الله في القنيطرة بعد مضي ثلاثة أيام على تصريحات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والتي اعتبر فيها أنّ الاعتداءات «الإسرائيلية» المتكررة على سورية عدوان كبير، وأنّ سورية وحلفاءها لهم الحقّ في الردّ. كما كشف عن صواريخ إيرانية جديدة تمتلكها المقاومة معلناً أنها تستطيع اجتياح شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة والوصول إلى قرى الجليل.

كل هذه الأمور تطرح عدة تساؤلات أبرزها: هل من الممكن أن يتدحرج الاعتداء «الإسرائيلي» إلى حرب إقليمية شاملة، أم أنه سيبقى في إطار سياسة «حافة الهاوية» التي تديرها «إسرائيل»، لكي تفرض شروطها وتحفظ دورها ومكانتها الآخذة في التراجع؟ هل جاءت هذه العملية رداً على مقابلة وتصريحات السيد نصر الله التي أعلن خلالها جاهزية المقاومة للدخول إلى الشمال الفلسطيني وتحريره، ما قد يدفع «إسرائيل» إلى خوض حرب تقطع من خلالها الطريق على حسم الجيش السوري للمعارك في أكثر من منطقة في سورية؟

الخلاصة «الإسرائيلية» هي أنه لا بدّ من قطع المسارات السوداء الآتية، وإن تضمّن الأمر قدراً من المخاطرة، فلا بدّ من تسخين جبهة الجولان وصولاً إلى شيء يشبه القرار 1701.

الأيام القادمة ستحمل الكثير من المفآجات والتطورات، وستبقى الساحة مفتوحة على كلّ الاحتمالات. فكلّ التصريحات الواردة من بيروت تقول أنّ حزب الله لن يهضم الضربة هذه المرة، وأنه سيردّ. والسؤال: متى وكيف سيكون هذا الردّ؟

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى