جريج لـ«البناء»: الإعلام يهتم بتغطية الخلافات السياسية على حساب المسائل المتعلقة بالشؤون الحياتية للمواطنين

إنعام خرّوبي

في عصر العولمة، ووسط ارتفاع حدّة الصراعات وانتشار العنف في العالم، وما يخلفه ذلك من آثار سلبية على المجتمع، اقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً، وخصوصاً لجهة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانتشار أحزمة البؤس حول المدن الرئيسية في دول العالم الثالث، يزداد معدل الكوارث التي تُسمّى «طبيعية»، أيّ أنّ السبب الرئيسي لها هو عوامل طبيعية، كالأمطار والزلازل والهزات والسيول والفيضانات وغيرها، إلا أنها من جهة أخرى، من صنع الإنسان نفسه، ذلك أنّ أخطارها وتداعياتها السلبية ليست نتيجة لهذه الكوارث في حدّ ذاتها، بقدر ما هي نتيجة غياب الخطط والاستراتيجيات الوطنية لمواجهة هذه الظواهر، التي قد يتحوّل بعضها من نعمة كالأمطار الغزيرة مثلاً ، إلى نقمة على المواطنين في هذه الدول.

وبما أنّ الإعلام هو السلطة الرابعة، وله تأثير كبير على الحكومات، كما على الرأي العام، فإنّ مسؤولية كبيرة تقع على عاتقه في هذا المجال، وعليه واجب توعية المواطنين، ليس حول كيفية مواجهة هذه الكوارث استباقياً وحين وقوعها فقط، بل رفع وعيهم حول حقهم في السلامة من أخطارها. وفي إمكان الإعلام عبر تسليط الضوء على أسباب وقوع الكوارث وليس فقط على وقائعها الآنية وتقييم أداء المسؤولين المعنيين والدعوة إلى محاسبتهم ووضع استراتيجيات تصحيحية واستخلاص الدروس، على الصعيد العالمي، من تجارب الدول التي تتعرّض لأخطار مماثلة، التأثير على القرارات السياسية، إلى حدّ إعادة النظر في بعض القوانين أحياناً.

للتركيز على الدور الأساسي الذي يمكن أن يؤدّيه الإعلام حول هذه الأخطار، افتتح وزير الإعلام رمزي جريج ورشة عمل عن «بناء قدرات الإعلاميين للحدّ من أخطار الكوارث»، التي نظمتها «وحدة إدارة مخاطر الكوارث» لدى رئاسة مجلس الوزراء بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سويسرا، صباح أمس في السراي الحكومية، شارك فيها سفير سويسرا فرنسوا باراس ومساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان إدغار شهاب، الذي افتتح الورشة مشيراً إلى «أنّ لبنان عرضة لمجموعة واسعة من الأخطار الطبيعية مثل الزلازل والتسونامي والفيضانات وحرائق الغابات والانهيارات الأرضية والجفاف، إلا أن من الممكن التخفيف من هذه الأخطار إذا كنا على جاهزية وعلى استعداد للاستجابة في شكل جماعي وفاعل».

وأعلن «أنّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يسعى من خلال مشروع تعزيز قدرات «إدارة مخاطر الكوارث» في لبنان، الذي أطلق بالتعاون مع رئاسة مجلس الوزراء، إلى مساعدة الحكومة اللبنانية على تطوير إدارتها للكوارث والحدّ من الأخطار المقبلة»، مؤكداً «أنّ وسائل الإعلام هي السلطة الرابعة في أي دولة كانت، إذ إنها تكمل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في توفير خدمات عامة فاعلة للمواطنين في شكل كفوء وفاعل من حيث الكلفة وبطريقة آمنة».

باراس

ورأى السفير السويسري، من جهته، «أنّ الإعلام يلعب دوراً أساسياً في تحفيز الرأي العام على التحديات التي تواجه الوقاية من الكوارث وكيفية تلافيها».

وأكد الوزير جريج، بدوره، «أننا جميعاً أمام امتحان كبير لإثبات جدارتنا في إدارة الأزمات ومعالجتها». وقال: «إنّ كلّ خطوة نقوم بها في مجال مواجهة الكوارث، أياً يكن نوعها وحجمها، تخضع لرقابة الإعلام، الذي يرصد عن كثب كيفية اتخاذ القرارات المناسبة لمواجهة المشاكل الناتجة منها. فللإعلام بداية، دور بارز في مجال التوعية الوقائية، من طريق تسليط الضوء على الأخطار والأماكن الأكثر عرضة للكوارث، وإعداد برامج تثقيفية تنبه إلى الأخطار المحتملة في ضوء المعلومات والإحصاءات التي تشير إلى توقع حصول الكوارث».

وأضاف: «للإعلام، كذلك دور مهم في تحليل القرارات المتصلة بـ«إدارة مخاطر الكوارث»، فلا يكتفي بنقل أخبارها، بل عليه أن يكون شريكاً أساسياً في عملية تحديد الأسباب التي تؤدي إلى حصولها، وتحفيز العمل على أن يصبح موضوع الحدّ من أخطارها جزءاً من سياسة الحكومة».

وأعلن «أنّ ورشة العمل هذه تهدف إلى إشاعة وعي جماعي داخل مجتمعنا اللبناني، من خلال الشروحات العلمية الضرورية عن التوقعات التي يمكن التنبؤ بها، وحجم الآثار التي قد تنتج من أي كارثة، وإيصال المعلومات الدقيقة والصحيحة عن كيفية مواجهة آثارها وتخفيف الأضرار الناتجة منها».

وتابع جريج: «من هنا، من واجب كلّ وسيلة إعلامية المساهمة في حملة التوعية وتحفيز الوزارات والإدارات المعنية على اتخاذ إجراءات وقائية واستباقية تمكن الوطن من تلافي مفاعيل أي كارثة قد يتعرض لها والحدّ، قدر المستطاع، من نتائجها. فإذا ما قارنا بين ما حدث في اليابان وما أصاب هايتي، يتبين أنّ الهزة الأرضية التي ضربت اليابان ذهب ضحيتها نحو 28 ألف شخص، في حين أنّ الهزة الأرضية في هايتي، على رغم أنها أضعف من الأولى بمئة مرة، خلفت 220 ألف ضحية، بمعنى أنّ من شأن اعتماد خطة مدروسة لمواجهة الكوارث أن يقلص أضرارها ويحدّ من الآثار الناتجة منها».

وشدّد على «أنّ ورشة العمل هذه ترتدي أهمية بالغة، باعتبار أنّ من أولويات العمل الإعلامي تحفيز المجتمع على التأقلم مع ثقافة مواجهة الكوارث وعلى المشاركة الفاعلة في حملات التوعية العامة، وذلك تماشياً مع الخطة الوطنية لإدارة الكوارث، التي تأخذ في الاعتبار المعايير العلمية الدولية في مواجهة تلك الكوارث، غير أنّ المسؤولية الإعلامية لا تعفي الدولة من مسؤوليتها في وضع خطة مدروسة وفاعلة للوقاية من الكوارث ولمواجهة التداعيات الناشئة عنها، إذ يجب أن يواكب تنفيذ هذه الخطة العمل الإعلامي المطلوب، من دون أن يحل محلها».

ورأى جريج في حديث لـ«البناء» «أنّ التعاطي الإعلامي مع الكوارث يحتاج إلى متخصّصين، ولكن بحكم عمل الإعلاميين يذهبون إلى اختصاصات مختلفة. واليوم نرى أنّ بعضهم يذهب نحو التحليل السياسي الدستوري، بينما يذهب بعضهم الآخر نحو الجانب الأمني. وكما هو الحال بالنسبة إلى الشأنين السياسي والأمني، من الواجب أن يكون هناك تخصص في الأمور المتعلقة بالكوارث».

وردّاً على سؤال عن وجوب إلزام وسائل الإعلام، وخصوصاً الإعلام الخاص بتقديم برامج توعوية بيئية، أجاب جريج: «على رغم أنّ دفاتر الشروط تركز على وجوب تقديم وسائل الإعلام برامج متخصِّصة في هذا الشأن إلا أنّ الإعلام الخاص يتمتع بهامش من الحرية في هذا المجال وأعتقد أنّ لديه الوعي الكامل لخطورة الكوارث وأثرها على المجتمع، ومن هذا المنطلق عليه أن يخصِّص الوقت الكافي للتوعية حول أسبابها وسبل مواجهتها. أما الإعلام العام، وأعني هنا الإذاعة اللبنانية وتلفزيون لبنان، فإنهما ليسا مقصرين وأنا أحفزهم على العمل أكثر وتقديم الأفضل».

وأضاف: «يجب أن تكون هناك برامج تنبه، في صورة وقائية واستباقية، إلى إمكان حصول هذا النوع من الكوارث»، لافتاً إلى «أنّ الإعلام يذهب أكثر نحو تغطية الخلافات السياسية، بينما عليه أن يهتم بنشاطات المجتمع المدني وشؤون المواطنين الحياتية ومشاكلهم ومحاولة اقتراح الحلول المناسبة لها».

وقسمت ورشة العمل إلى محاور عدة قدم خلالها مستشار UNDP الدكتور فادي حمدان شرحاً مفصلاً بدأه بلمحة عن إدارة الكوارث، كما أكد أهمية دور الإعلام في تسليط الضوء على أخطارها وسبل مواجهتها والحدّ من آثارها. وشرح حمدان خلال المحور الأخير مداخـلات للإعلامييـن المشاركيـن في الورشة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى